فضيحة وصف البطرك ساكو طقس الآشوريين بحديقة حيوانات
لا يكفي العراق مصائبه الكثيرة حتى شكَّل الفيديو الأخير لموعظة بطرك الكلدان ساكو الثلاثاء الماضي 20/ 10/ 2020م، وخلافة مع السفير البابوي في بغداد، أزمة وفضيحة عراقية جديدة مسيحية، وصدمةً وغضباً كبيرين وانتقاد واسع النطاق في المواقع الثقافية ومواقع التواصل الاجتماعي المسيحية العراقية بين الكلدان والآشوريين الجدد، وبكلمات قاسية جداً ورسوم كاريكاتيرية وشتائم للبطرك ساكو، تستعمل لأول مرة في التاريخ مع رجل دين مسيحي، والسبب أن البطرك ساكو في القداس وبملابس الكهنوت، وصف في الثانية 55 طقس كنيسة الآشوريين، بحديقة حيوانات، ورافق الوصف حركات جسدية تظهر انفعال البطرك ساكو:
ولا يزال التفاعل مستمراً ويتصاعد، ودخل على الخط رجال دين آخرون، وقد رفض البطرك ساكو الاعتذار واكتفى بتوضيح يوم 22 و23/ 10 الماضي، وفي التوضيح أيضاً عَيَّرَ الآشوريين بمساعدة الكاثوليك لهم، واستهزاء بكنيسة الآشوريين قائلاً: من المؤسف أن العديد من الآشوريين أساءوا إلي والى الكنيسة الكلدانية بشتائم، هذه ليست أخلاق المسيحيين، لقد كتب القس عمانوئيل يوخنا (من كنيسة الآشوريين) الذي تموِّله جمعية Kapni الكاثوليكية والبروتستانتية، إني حاقدٌ على الكنيسة الآشورية، لا أعلم على ماذا أحسدها أو أضمر لها الحقد؟
ورغم قصر الفيديو 1.37 دقيقة ولا يتجاوز 170 كلمة، لكن فيه الكثير، وليس من السهل فهم كلام ساكو من المسيحيين، فما بالك بغيرهم، لذلك سأشرحه وأبدأ بما يخص كتاباتي حيث أذكر دائماً أن الآشوريين والكلدان الحاليين، لا علاقة لهما بالقدماء، إنما هم سريان نساطرة، ولأغراض سياسية عبرية سمَّاهم الغرب كلداناً وآشوريين، فبعد انشقاق قسم كبير من السريان النساطرة واعتناقهم الكثلكة سنة 1553م، سَمَّت روما هذا الطرف المتكثلك، كلداناً، وثبت اسمهم في 5 تموز 1830م، أمَّا القسم الذي بقي نسطورياً فسمتهم إنكلترا، آشوريين سنة 1876م، وثبت اسم كنيستهم رسمياً آشورية في17 تشرين أول 1976م، وفي هذا الفيديو يؤكد البطرك ساكو كلامي حيث يقول مرتين: إن الفارق الزمني للانشقاق بين الكلدان والآشوريين هو 500 سنة، ويقصد من سنة 1553م، وقد أكد ذلك في التوضيح أيضاً في الفيديو اللاحق.
ولفهم كلام ساكو في الفيديو أقول: منذ مجمع أفسس الكنسي العالمي سنة 431م الذي حرم بطريرك القسطنطينية نسطور (وهو سرياني)، كانت الكنيسة السريانية الشرقية (الكلدان والآشوريون الحاليون) محرومة وتعتبر هرطوقية ومعزولة عن كل كنائس العالم الكاثوليكية والأرثوذكسية لأنها تبنت عقيدة نسطور، ومنذ أن اعتنق قسم من السريان النساطرة الكثلكة سنة 1553م وسَّمتهم روما كلداناً، زالت العزلة عنهم وأصبح لهم مكانة محترمة بين الكنائس الأخرى، وقد تم حذف كل الصلوات والطقوس والرموز التي تشير إلى النسطرة من كتب الكلدان، أمَّا القسم الذي بقي نسطورياً وسمَّى كنيسته آشورية سنة 1976م، فبقي في عزلة وعدم اعتراف واستخفاف من كل كنائس العالم، وبالذات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية العدو اللدود للكنيسة الآشورية، حيث كان الخلاف الرئيس سنة 431م هو بين بابا الأقباط كيرلس ونسطور، لذلك الكنيسة القبطية تستعمل سلطتها القوية وسوطها ضد الكنيسة الآشورية لحرمها من عضوية أو تمثيل في أي محفل كنسي مثل مجلس كنائس الشرق الأوسط وغيره، وبالطبع يساند الأقباط ضد النساطرة الآشوريين، كل من الكنائس الأرثوذكسية: السريان (بما فيها كنيسة الهند)، والأرمن والأحباش، لأن الأقباط والسريان والأرمن والأثيوبيين الأرثوذكس مرتبطين بإيمان واحد منذ سنة 431م.
وقد شكل هذا الحرم عقدة عند النساطرة في التاريخ، خاصة عندما لاحظوا أن أشقائهم الكلدان أصبحوا محترمين عندما تكثلكوا، فحاول الآشوريون النساطرة في القرن الماضي التقرب من روما الكاثوليكية لكي يخرجوا من عزلتهم، ووقعوا عدة اتفاقيات معها آخرها وأهمها سنة 1994م، وفي هذه الاتفاقية تنازل النساطرة عن أحد أهم الثوابت في عقيدتهم وهو الاعتراف والقبول بلقب والدة الله على مريم العذراء المستعمل في الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية، حيث كانت الكنيسة النسطورية تستعمل مع مريم العذراء لقب والدة المسيح فقط، وترفض أنها والدة الله، لكن مع ذلك لم تعترف روما بالشركة الإيمانية الكاملة مع الآشوريين لوجود خلافات أخرى، مثل خطئيه آدم، أسرار الكنيسة، طقس القداس، أجساد الموتى، وغيرها، وعلى المفاوضات أن تستمر، وبين فترة وأخرى تحاول روما الضغط على الآشوريين للتنازل والتوقيع على كل الخلافات بما يتفق مع العقيدة الكاثوليكية، أي تحاول كثلكة الآشوريين أسوة بالكلدان لتجعلهم أخيراً كنيسة كاثوليكية ويكون الاثنان تحت سلطتها، فبدأت روما تجامل الآشوريين كثيراً لكسبهم سريعاً، ويبدو أن الآشوريين احتجوا لدى روما أن البطرك ساكو يتمادى في التجديد، وأنه يلغي التقاليد والطقوس المشتركة قبل سنة 1553م، وهم يخشون أن تذوب تقاليدهم أسوةً بالكلدان إذا اعتنقوا الكثلكة، لذلك لاحظت روما أن الكنيسة الآشورية تتحذر وتتردد من التقرب من روما خشية أن تذوب تقاليدها مثل الكلدان.
لذلك قام السفير البابوي في بغداد في 20/ 10/ 2020م باستدعاء البطرك ساكو وتسليمه رسالة من المجمع الشرقي الفاتيكاني، يحتج فيها على كثرة تجديد الطقوس (الليتورجية)، وعلى ساكو الأخذ بعين الاعتبار طقوس الكنيسة الآشورية أيضاً، ومعروف أن كنيسة الكلدان أسقطت ليتورجية نسطور ومعلمه ثيودورس منذ سنة 1553م لأنهما محرومان وهرطوقيان من وجهة نظر الكاثوليك، وأبقت على طقسي أدي وماري، لكن الكنيسة الآشورية النسطورية لا تزال تستعمل طقسي نسطور وتيودورس، وهما طقسان طويلان تتخللهما صلوات رمزية منها تشبيه عرش الله محاط بالملائكة ذو الأجنحة الستة وعربات وخيل..إلخ، لذلك قال البطرك ساكو مستهزئاً: نحن لن نستعمل طقوس نسطور وثيودورس التي تشبه، حديقة الحيوانات، والأمر الطريف أن هؤلاء الأربعة: أدي، ماري، نسطور، تيودورس، هم سريان، لا آشوريين ولا كلدان، ويبدو أن بطرك الكلدان دلي +2014م صدق حين قال: إن عبارة كلدو وأثور ستجعلنا أضحوكة للعالم، مع ملاحظة أن هذا الوصف ليس المرة الأولى لبطرك سرياني شرقي (كلداني حديثاً)، فسلف ساكو البطرك يوسف+570م، شدَّ كهنته على أرسان الخيل وربطهم على المعالف وقال لهم اعلفوا إنكم حيوانات، وطرد الأساقفة وداس القربان أي جسد المسيح برجله، وأنظر ذلك في ص111 من كتاب الأب ألبير أبونا الكلداني واسمه: تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية (لا تاريخ كنيسة آشورية ولا كلدانية).