تعقيب على مشكلة المطارنة الستة الجزء الاول

يهتم بنشر أخبار كل الأبرشيات في الوطن والمهجر ولكل الطوائف
أضف رد جديد
بنت السريان
أديبة وشاعرة
أديبة وشاعرة
مشاركات: 16170
اشترك في: السبت يونيو 05, 2010 11:51 am

تعقيب على مشكلة المطارنة الستة الجزء الاول

مشاركة بواسطة بنت السريان »

مارس 07
, 2017 12:15 am

تعقيب على مشكلة المطارنة الستة
ومشاكل الكنيسة السريانية الارثوذكسية

الدكتور: أسعد صوما
ستوكهولم
الجزء الأول
انقشعت الغيمة السوداء التي ولدتها مشكلة المطارنة الستة الذين حجبوا ثقتهم عن بطريرك الكنيسة السريانية الارثوذكسية ثم أعادوا الثقة والشراكة الايمانية معه دون ان نعلم ماذا حصل بالفعل. لكن زوال تلك الغيمة الصغيرة من سماء الكنيسة لم يحل مشاكلها الجوهرية. لان بانقشاعها انكشفت خلفها غيمة داكنة عظيمة للغاية عمرها الكثير من السنوات حجبت سماء الكنيسة وأظلمت سبيلها.
تعاني الكنيسة السريانية الارثوذكسية منذ سنوات كثيرة من مشاكل متنوعة، صغيرة وكبيرة، مرئية وغير مرئية، كانت تتكون ببطء وتتراكم، دون ان يحاول مدبرو الكنيسة حلها بشكل جذري، أو ربما حاولوا لكنهم لم يفلحوا. وقد دفعت مجموعة المشاكل المتراكمة هذه الكنيسة للانحدار التدريجي نحو انحلال في أوصالها، وضعف عام في تماسكها تسلل اليها ببطء لكن بخطوات ثابتة فأوصلها إلى حافة انهيار وتفكك وشيك.
وقد اتسمت مسيرة الكنيسة في العقود الماضية بظهور صراعات ومشاكل في معظم ابرشياتها وخاصة في الغرب، فانعدمت الثقة بين الاكليروس لبعضهم البعض، وانقسمت بعض الابرشيات والكنائس على بعضها، وبرزت خلافات بين بعض المطارنة وقساوستهم، وخرج من الكنيسة كهنة اسقلوا بأمورهم أو التحقوا بكنائس أخرى، وقام بعض الرهبان يرغبون في ترك الرهبنة والكهنوت، وسيطر على المؤمنين استياء عام من إدارة المطارنة ومعاملة القساوسة ومن الصراعات الموجودة في الكنيسة.
كل هذه السلبيات والمشاكل التي طغت على الكنيسة في العقود الماضية وطبعتها بطابعها أفسدت مناخها الروحي. مما حدا بالعديد من الافراد المؤمنين الذين فقدوا أملهم باي اصلاح الى هجران الكنيسة. (ففي السويد مثلا هجر البعض من المؤمنين هذه الكنيسة بشكل فردي، واخذ بعضهم يتردد الى الكنائس السويدية والقبطية وغيرها، مما حدا بمطارنة السريان الأرثوذكس في السويد الى اصدار بيانات حينها لمعالجة الموضوع، لكن دون جدوى. كما ان غالبية السريان الأرثوذكس في السويد لا يترددون الى الكنائس إلا في المناسبات. لكن بفضل هجرة السريان المهاجرين الأخيرة الى السويد، عادت وامتلأت بعض الكنائس السريانية ثانية).
كانت هذه الكنيسة ولا زالت تتعرض بين الفينة والأخرى الى أزمات حادة لا تقوى عليها، فتخلف ورائها الكثير من الخراب المعنوي والتجافي الروحي والزعل بين الإكليروس أنفسهم من جهة، وبين الاكليروس والمدنيين من جهة اخرى، كما انها ولّدت انقسامات متنوعة في النفوس والعقول والكنائس والابرشيات، وأدت الى رسامات قساوسة ومطارنة بشكل غير لائق، وخلقت تكتلات متنافرة بين الاكليروس في اوروبا.
للأسف ان معظم مشاكل هذه الكنيسة هي بسبب ضعف ادارة الاكليروس وعدم مقدرتهم على حل المشاكل، لكن ايضاً بسبب فساد بعضهم حيث يفضلون مصلحتهم الشخصية على مصلحة الكنيسة فيبتزونها ويستعملونها كأداة لتقوية نفوذهم. وكأن همهم الأكبر، بعد الله، أصبح حب السلطة والسيطرة والغرور وجمع المال. وكل هذا تملك على عقولهم وقلوبهم بعد ان ابتعدوا كثيراً عن عبادة الله واتباع تعاليم الانجيل وتطبيقها في حياتهم اليومية. وبفضل هؤلاء (الفاسدين) من الاكليروس أصبحت هذه الكنيسة مؤسسة ضعيفة للغاية، مكبلة بالمشاكل، وتسير في نفق مظلم. لذلك ان الكنيسة اليوم بحاجة الى بطل سرياني مسيحي حقيقي لإصلاحها. فمن هو ذلك البطل المقدام الذي سيقوم بإصلاحها؟ أهو قداسة البطريرك؟
لكن الى جانب هؤلاء الكهنة، هناك بالمقابل مجموعة من القساوسة والمطارنة مما يتمتعون بأخلاق مسيحية حميدة وخصال انجيلية عالية، سرقوا قلوب الناس ومحبتهم بسبب ايمانهم وتواضعهم وأعمالهم المجيدة، فالتف المؤمنون حولهم ينهلون من محبتهم وايمانهم وعلومهم الكنسية.
لقد رسم المرحوم البطريرك زكا الأول عدداً كبيراً من المطارنة، فأصبح بعضهم عبئا ثقيلاً عليها وعلى مؤمنيها. لان البعض من هؤلاء المطارنة غير مناسب لهذه الدرجة الكنسية وغير قادر على إدارة ابرشية بشكل لائق. لذلك فشل البعض من هؤلاء المطارنة في إدارة الكنيسة وتدبير ابرشياتهم، لكنهم نجحوا في زعزعة الايمان في قلوب المؤمنين وابعادهم عن الكنيسة. وقد اضطر البعض من أبناء هذه الكنيسة الى اللجوء الى كنائس أخرى بحثاً عن الايمان "الإنجيلي"، وعن "حياة روحية" لم يجدوها في كنائسنا.
كان الطيب الذكر البطريرك زكا الأول انساناً مؤمناً جداً وكاهنا حقيقياً في ممارسة واجباته الكهنوتية من الصوم والصلاة والعبادة، يفضل الايمان والحياة الروحية على الإدارة والسياسة، ولم يشأ السيطرة على اكليروسه، فأعطاهم الحرية والثقة ليديروا ابرشياتهم وكنائسهم كما يشاؤوا لكن على أساس المحبة الانجيلية، فانفرد بعضهم في مواقعهم وتمردوا عليه، واخذت المشاكل تظهر هنا وهناك.
الكنيسة السريانية الارثوذكسية إذاً، ومنذ سنوات طويلة تعيش حالة انحدار بطيء نحو مصير قاتم مجهول النتائج. فوصلت الى ما هي عليه اليوم من حالة يرثى لها من ضعف عام سيطر على كل أمورها، يتسم بغياب النظام والانضباط بين جميع فئات اكليروسها وشمامستها والعلمانيين العاملين في مجالسها ولجانها وعدم احترامهم لبعضهم البعض. كما ان الفوضى العارمة في أروقتها وهياكلها وفي ممارسات طقوسها وتقاليدها وصلواتها قد بلغت حداً لا يطاق. ان عدم تقيد الاكليروس بأنظمتها وتجاوزهم لدستورها وخرق قوانينها وافتراءاتهم المعيبة على بعضهم، جعلهم ان يضيعوا بوصلتهم بالفعل. فانفلتت زمام الأمور بعد ان كثرت التناقضات في الكنيسة، وبات من الصعب لملمة اشلائها المبعثرة ولجم مهاترات اكليروسها، وقيادة دفتها نحو هدفها السامي. فعلى سبيل المثال لا يستطيع بطريرك الكنيسة ان ينتقد او يعاقب احداً من اكليروسه خوفا من ان يتمردوا عليه.
لم يكن بيان المطارنة الستة سبب المشاكل الجوهرية في الكنيسة كما يعتقد البسطاء رغم تسببه في خلق بعض القلاقل في المجتمع الكنسي، انما كان هذا البيان الطلقة المدوية التي سمع معظم السريان صداها، لأنها اصابت جسم الكنيسة المثخن بالجراح، فكشفت عورتها وحالة ضعفها وبؤس اكليروسها، وقلة ايمان هذا الاكليروس، وفشله الإداري والثقافي والايماني، وافلاس بعضهم من النعمة الروحانية التي بدونها لم تعد المسيحية مسيحية والكنيسة كنيسة والكهنوت كهنوت. فبيان المطارنة الستة الذي نشر غسيل الكنيسة على حبل وسائل الاعلام بطريقة سيئة، له الفضل في اجتذاب اهتمام الكثير من الناس الى موضوع الكنيسة ومشاكلها، فاكتشف الكثير منهم وضعها الحزين وضحالة اكليروسها، فبدأ المهتمون يفكرون بكيفية حل مشاكلها وجميعهم يرون بانه حان الوقت لبدء عملية إصلاح شاملة.
لكن إذا كان بيان المطارنة الستة يدل على شيء فانه يدل على ان مشاكل هذه الكنيسة كثيرة وكبيرة، وهي بحاجة الى حلول هادئة قائمة على برنامج إصلاحي جذري وشامل لكل طبقات الاكليروس ولجميع الأمور الكنيسة. ان مشاكل الكنيسة الجوهرية لا تُختزل باختلاف ستة مطارنة مع البطريرك حول بعض الأمور السطحية والشخصية، انما مشكلتها الأكبر تكمن بان الكثير من اكليروس هذه الكنيسة، قد ابتعد عن الله فنخرته الامراض والعيوب الكثيرة، وأصبح بعضهم كالرجل المريض النائم على سرير الموت، فإما معالجته ومداواته من مرضه وعيوبه، او تركه ليموت ويميت معه الكنيسة.
إذاً، اكليروس هذه الكنيسة وخاصة مطارنتها بحاجة الى إصلاح جذري ليكون الأساس في إصلاح الكنيسة لإيقاف نزيفها وانحدارها اليومي وتحريرها من عوامل الفساد والامراض، وانتشالها من حمأة الخطيئة والتخلف، والنهوض بها الى مراقي الايمان والسماء، ووضعها في طريق الايمان والاستقامة. وقبل كل شيء غرز بوصلة الانجيل مجدداً في عقول اكليروسها ليسيروا نحو أهدافها الروحية السامية.
كان المؤمنون سابقاً يحترمون الاكليروس احتراماً حقيقاً لان معظم الاكليروس كان مؤمناً جداً الى حد اجتراح المعجزات. لكن بعد التغييرات الكبرى التي اصابت السريان ومنها هجرتهم الى أوروبا، تغير معها الكثير من الاكليروس، رغم ان تعاليم الانجيل لا زالت هي هي كما كانت، ولم تتغير. فلم يعد الناس يحترمون الاكليروس غير المحترم، لا بل كلما اجتمع ثلاثة من المؤمنين كان الكثير من حديثهم عن سلبيات الاكليروس وقلة ايمانه وادارته الفاشلة وعيوبه الكثيرة.
لقد كشفت التلفزيونات السريانية في أوروبا وضع الاكليروس المأساوي من خلال البرامج التي شاركوا فيها. فانكشف ضعفهم وضعف ايمانهم وخمولهم الروحي أمام الناس أجمع، وبانت ضحالة فكرهم وثقافتهم للجميع وانكشف معها فتور ايمانهم وفتور محبتهم لله والانجيل، فاهتزت صورة الكثير من الكهنة في أعين المؤمنين واهتزت معهم الكنيسة، ففقدوا ثقتهم بهم.
انني على معرفة شخصية بالكثير من اكليروس هذه الكنيسة وأحب جميعهم وخاصة المحترمين منهم وأتمنى لجميهم كل الخير والتقدم في المسلك الروحي والنجاح في الخدمة. لكن كي ينجحوا في خدمتهم ينبغي على الكاهن، وخاصة المطران، ان يكون أكثر الناس ايماناً في كنيسته ورعيته وابرشيته. ويجب ان يكون أكثر شخص يعلم بوضع الكنيسة وطقوسها وايمانها وتاريخها وسير آبائها وقديسيها، ليصبح مرجعاً فيها وفي الاخلاق الحسنة لجميع المؤمنين. كما ينبغي على المطران ان يصبح قدوة ومرجعاً كبيراً لكهنته ولجميع افراد ابرشيته في المحبة المسيحية والتواضع وفي جميع الأمور الدينية والكنسية، وان يكون مثلاً حياً للجميع في الايمان والصلاة وممارسة الحياة الروحانية الصافية. وينبغي ان يكون ايمانه المسيحي بثقل الجبال وكبر البحار وعمق المحيطات، وبواسطته يستطيع ان يشق الصخور وان ينقل الجبال. وإلا، فعليه حزم حقائبه المليئة ويرحل.
للأسف ان البعض من الاكليروس ابتعد كثيراً عن هذه الصفات، فكيف سينجح في حياته الكهنوتية والإدارية وكيف سينال احترام الناس؟ على من تقع مسؤولية إصلاح الاكليروس؟
يتبع قريباً الجزء الثاني من المقال
الدكتور: اسعد صوما
ستوكهولم
أخوكم: أبن السريان

موقع نسور السريان

الله محبة صورة
بنت السريان
سعاد اسطيفان
أضف رد جديد

العودة إلى ”أخبار الأبرشيات“