الله دعاني . بقلم: فريد توما مراد .

أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
فريد توما مراد
عضو
عضو
مشاركات: 764
اشترك في: الجمعة أغسطس 31, 2012 9:00 am

الله دعاني . بقلم: فريد توما مراد .

مشاركة بواسطة فريد توما مراد »

(الله كان قد دعاني )
صورة
كانت جالسة هناك ، في غرفة الإنتظار ، تنتظر دورها
عندما سألتها إحداهنَّ من باب الفضول : لماذا أنتِ هنا ؟
أجابت : أتيتُ لأُسقط الجنين الذي أحمله في أحشائي ..!
كانت جاكلين البالغة قرابة الثلاثون من العمر ، إمرأة
لازالت تتحلّى بكامل صفات الأنوثة والجمال ، عندما عقدت
العزم ، وقررت عدم الأستمراريّة في الإنجاب ، فقد رزقها الله
وأنعم عليها بولدين ، وإبنتين ..فقالت بينها وبين نفسها : هذا يكفي
يجب أن أنظر إلى نفسي من الآن فصاعد ، لأنني لن أعيش إلاَّ حياة واحدة
على هذه الأرض ، وها هي الأيام والسنين تتوالى بسرعة ، والعمر يمضي
ومن حقي أن أتمتع وأرى نفسي بعض الشيء ، قبل فوات الأوان ، عندها
لايفيد الندم . لهذا وبالإتفاق مع زوجها ، قررت إجراء عملية
( تسكير المبايض ) لتضمن بذلك عدم وقوع الغلط ، فتستريح وتطمئن
على مسيرة حياتها الزوجيّة .
كانت جاكلين تعيش مع زوجها وأولادها الأربعة والسعادة تغمر قلبها
فالأولاد بصحة جيدة ، وزوجها يحبها ويدللها ويلبّي كل طلباتها ..فهي
لم تكن تطلب من الله بأكثر من ذلك ، ولكن لله دوماً في خلقه شؤون .
ففي ليلة من إحدى ليالي شهر تموز الدافئة ، وبينما هي في المطبخ
تحضِّر وجبة العشاء ، وزوجها بالقرب منها ، يحدَّثها عن عمله الجديد
شعرت بدوخة غير أعتياديّة ، وأحسّت بتقلّبات غير طبيعيّة في معدتها..
لاحظ زوجها من خلال التغيّرات التي طرأت على وجهها ، فقال :
أراكِ وكأنكِ على غير مايرام ، هل تشكين من حاجة ؟
أجابت : لا..لا .. مجرد قليل من الإرهاق والتعب وضيق النفس ، وربما
يعود السبب إلى ثقل حرارة الجو ، لهذا لاداعي للقلق أبداً ، سأكون بخير
عمَّا قريب ، لا تشغل بالك بشأني ...!
في الصباح تكرر الحدث مرّة أخرى مع جاكلين ، ومرّة أخرى أحسَّت
بنفس عوارض ليلة البارحة ، ثمَّ تكررت مراراً عديدة ، لهذا رأى زوجها
أن تعرض نفسها على الطبيب ، لمعرفة السبب .
في غرفة الطبيب كانت جاكلين وزوجها الذي أتَّخذ له مقعداً بجانبها
تجيب على أسئلة الطبيب اللتي كان يطرحها عليها ، ثم بعد ذلك طلب
أن يُجرى لها بعض الفحوصات الضروريّة ، للتمكن من تشخيص حالتها
ومعرفة الأسباب .
لم يمضي وقتاً طويلاً على نتيجة التحاليل ، حيث كانت جاكلين وزوجها
جالسين في غرفة الإنتظار ، عندما دعتهما الممرضة للدخول مجدداً لغرفة الطبيب
الذي إستقبلهما والإبتسامة تعلو على شفاهه ، ومن دون مقدَّمات
في الحديث ، قال : مبروك يامدام .... أنتِ حامل ..!!!
دُهشت جاكلين ، ولم تستوعب في البداية ماقاله الطبيب ، لأن هذا آخر
شيء تتوقعه ، فهي مطمئنّة جيداً من هذه الناحية ، لهذا صرخت وقالت :
لا..لا ..مستحيل يادكتور ..! فهناك إلتباس بالأمر ، فأنا لايمكن أن أكون
حامل .
- ولماذا هذا التأكد ؟ قال لها الطبيب .
- لأنني أجريت عمليّة تسكير المبايض .
- كوني على يقين يامدام بأنكِ حامل ، ومن المحتمل وقوع خطأً ما
عند إجراء العمليّة ، وهذا يحتاج إلى مراجعة المختصين لمعرفة السبب .
أصرت جاكلين على إسقاط الجنين ، رغم كل المحاولات التي قام بها
زوجها ، وتدخل الكثيرين من الأهل المقرَّبين ، والبعيدين ، ولكن دون جدوى
لقد قررت ولن ترجع عن قرارها ، حتى أضطرَّ زوجها في
النهاية ، وبعد فقدان الأمل من تغيير رأيها ، الطلب من كاهن الرعيّة كي
يتدخَّل ، فتكلّم معها مطوَّلاً ، وأوضح لها ، أن ماتقدم عليه يعتبر خطيئة
جسيمة ، لأنّها تقتل نفس ، وقتل النفس محرّم عند الله ، وجزاءه مرير.
كل هذا وجاكلين مصرّة على إجهاض الجنين ، حتى كان اليوم المحدد
للإجهاض ، وبينما هي منتظرة دورها ، سألتها تلك المرأة من باب الفضول :
لماذا أنتِ هُنا ؟
لترد عليها جاكلين وتقول : أتيتُ لأُسقط الجنين الذي أحمله في أحشائي ..!
فقالت لها المرأة : لماذا تفعلين ذلك ؟
أجابت جاكلين : لأنني لستُ بحاجة إليه ، لديَّ أربعة ، ولدان ، وإبنتان
وهذا يكفي .
إنحدرت دمعة من عين المرأة ، ثم تبعتها أخرى ، لتتوالى الدموع مدرارة
على خدّيها ، فلم تتمكن من حبس أنفاسها ، لتطلق لها العنان ، وتجهش
بالبكاء .
- أتمنّى أن لاأكون قد جرحتُ مشاعركِ في شيء .. قالت لها جاكلين .
- لا..لا ..أبداً .. ولكن كم قاسية هي الحياة أحياناً ، وغير منصفة ..
- لماذا ؟ سألتها جاكلين .
- لأنها تُعطينا من جهة ، وتحرمنا من جهة أخرى .. ! تصوّري يا ( هل
لي أن أتعرف عن أسمكِ ؟ ) فبادرتها جاكلين بإسمها .. فقالت : وأنا أسمي
كاترين .... تصوّري ياجاكلين نحن هنا نقيضان ، أنت أتيتي لإسقاط الجنين
وأنا هنا أسعى ليفرحني الله بجنين ..! ولكن هيهات ، فقد فقدت
الأمل من زمان . لقد وهبني الله خيرات وأموال طائلة ، ولكن كلها لاتساوي
عندي شيء ، مقابل كلمة ( ماما ) ..أرجوكِ ياجاكلين لاتجهضيه
أطلبي وتمنّي ماشئتِ من مال ، وليكن هذا الجنين من نصيبي ..!
ُذهلت جاكلين وصُعقت لِما سمعته من كاترين ، وكأنَّ صوتاً ضعيفاً مختنقاً
متقطِّعاً ، أتاها من أعماق أحشائها يقول : لماذا ياماما ؟ أيهون عليكِ قتلي
أيهون عليكِ بيعي ؟ وتكررَ النداء .. أيهون عليكِ قتلي ؟ أيهون عليكِ
بيعي ..أ ... أ.... فصرخت الأم : لا.. لا لن أقتلك ياإبني .... لن أبيعكَ
ياإبني ...... لقد غيَّرتُ رأيي .... لقد غيّرتُ رأيي .
بعد إنقضاء الأشهر المحددة ، أنجبت جاكلين طفلها (سيمون) هكذا أطلقوا
عليه في المعموديّة ، فترعرع الإبن بين أكناف والده ووالدته وأخويه وأختاه ،
وغمرته منذ نعومة أظفاره محبة الرب والكنيسة ، فعبَّر
عنها بتعلّقه الزائد بالصلوات والتسابيح والإبتهالات ، كان شمّاساً مطيعاً
ونشيطاً ومحبوباً من قبل الجميع ، وكلمَّا أزداد سيمون قامة ، أزداد تقرُّباً
للرب ، حتى أكتمل شباباً وبهاءاً وتهذيباً .
كانت العائلة كلّها مجتمعة عندما صدمَ كلام سيمون جميعهم ، حيثُ
أخبرهم بأنها الليلة الأخيرة التي يقضيها معهم .
أحتجّت الأم وصرخت : لا لن أسمح لكَ أبداً ، لقد أنجبتكَ ، وربّيتك ، وسهرتُ
عليك الليالي بالدموع والدعاء ، والآهات والحسرات ، لتأتي
أنت اليوم وبكل بساطة ، وبكل سهولة وتقول : لقد دعاني الله ، وحان
الوقت لكي أُلبّي الدعوة ، وأكون خادماً له إلى الأبد...!
أجاب سيمون وقال : لاتحزني عليَّ ياأمّاه ، كوني مؤمنة بمشيئته وإرادته
وتأكدي ياأمّي ، لستِ أنتِ من قرر وقتذاك عدم إجهاضي
وليست المرأة التي أوجدها الله في تلك اللحظة لتستعطفكِ بعدم إجهاضي
فكلاكنَّ كنتنَّ أداة أستخدمها الله لبقائي ، لأنه منذ أن كوَّنني
( كان قد دعاني ) .

فريد توما مراد
ستوكهولم - السويد
[/size]
صورة العضو الرمزية
كبرو عبدو
مشرف
مشرف
مشاركات: 2094
اشترك في: السبت مايو 15, 2010 9:42 pm

Re: الله دعاني . بقلم: فريد توما مراد .

مشاركة بواسطة كبرو عبدو »

مشكور جدا الاخ العزيز فريد توما مراد على القصة الله دعاني

وكما قال سيمون بالقصة
لاتحزني عليَّ ياأمّاه ، كوني مؤمنة بمشيئته وإرادته
,الله قادر على كل شي
صورة العضو الرمزية
إسحق القس افرام
مدير الموقع
مدير الموقع
مشاركات: 48828
اشترك في: السبت إبريل 17, 2010 8:46 am
مكان: السويد

Re: الله دعاني . بقلم: فريد توما مراد .

مشاركة بواسطة إسحق القس افرام »

لم اشبع من قراءة هذه القصة الحقيقية التي عمل الرب فيها
فهناك أسباب جوهرية.. تجعل عمل الله معنا ضرورة
منها قول الرب: ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة.. وقليلون هم الذين يجدونه (متي 7: 14)، فإن كان الأمر هكذا، فإن العدل الإلهي يقتضي أن توجد معونة إلهية، يمكننا بها أن نجتاز الباب الضيق.. ولهذا يقول الرب: بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا (يو 15: 5)
فالتوكل على الرب هو العمل الصالح والنتيجة هي الربح وليست الخسارة.
أشكرك جزيل الشكر أخي الحبيب والفريد أبو بول على هذه القصة التي هي بمثابة درس من الحقيقة لنا جميعاً.
ربنا يبارك حياتك على هذا الطرح الرائع والفريد من نوعه.
[/color]
:croes1: فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ :croes1:
صورة
صورة
صورة العضو الرمزية
فريد توما مراد
عضو
عضو
مشاركات: 764
اشترك في: الجمعة أغسطس 31, 2012 9:00 am

Re: الله دعاني . بقلم: فريد توما مراد .

مشاركة بواسطة فريد توما مراد »

أخي العزيز كبرو .. طاب يومك .
أشكر مرورك الطيّب ، النابع من لطفك
وشهامتك وكرمك .
لكَ منّي أجمل التحيّات .
بالتوفيق إنشاء الله .
فريد

[/size]
صورة العضو الرمزية
فريد توما مراد
عضو
عضو
مشاركات: 764
اشترك في: الجمعة أغسطس 31, 2012 9:00 am

Re: الله دعاني . بقلم: فريد توما مراد .

مشاركة بواسطة فريد توما مراد »

نعم الرب يقول : بدوني لاتقدرون أن تفعلوا شيئاً .
شكراً جزيلاً لكَ أيها الشمّاس العزيز .
مداخلتك كانت لطيفة وصادقة .
لك مودّتي وتقديري .
وفقك الرب .
فريد
[/size]
صورة العضو الرمزية
حنا خوري
عضو
عضو
مشاركات: 1252
اشترك في: السبت مايو 15, 2010 2:39 pm

Re: الله دعاني . بقلم: فريد توما مراد .

مشاركة بواسطة حنا خوري »

اخي وحبيبي ابو بولص
قرأتها اكثر من مرّة وفي كل مرّة أذرف حفنة دموع تعبيرية للمغزى العميق لهذه الخبرية الرائعة .. واعادتني هذه الأقصوصة الجميلة الى معن الأم ومعنى حضن الم ومدى تعلّق الولد بأحضان أمّه وووانتشيتُ بقصيدة رائعة مررتُ عليها في اوائل الستينات عن الشاعر القروي الذي بعد عدة عقود عاد الى سوريا من المهجر واستقبله أهله ومن بينه والدته .. فحضنها وبدأ في البكاء والأنفعال العاطفي واختلى لبضع دقائق في احدى الغرف في المطار وخرج بقصيدة ترجمت الى عدة لغات
عبارة عن محادثة بين الله تعالى والأنسان الذي خلقه فرأه كئيبا .. يسّر له المأكل والمشرب والجنّة واخيرا اهداه امرأة حوّاء ومع ذلك رأاهحزينا فسأله ما السبب ولديك كل ما يُبسطك ويُفرحك
ردّ عليه الأنسان .. اريد حضن امّي
استغرب الخالق عن هذا الطلب وهذه المنية التي لا تقدّر بثمن عند الأنسان
فقال في نفسه
لأجرّبن هذا الحضن ولو أُشنق ولو أُعدم ... وكانت ليلة وضحاها
فاذا به طفل في حضن مريم

اشكرك من القلب على هذه القصة الرائعة ووو
بركة عزرت آزخ معك
صورة العضو الرمزية
فريد توما مراد
عضو
عضو
مشاركات: 764
اشترك في: الجمعة أغسطس 31, 2012 9:00 am

Re: الله دعاني . بقلم: فريد توما مراد .

مشاركة بواسطة فريد توما مراد »

عزيزي الغالي أبولبيب .
مداخلتك اللذيذة أعجبتني وأغبتطني جدّاً ، خصوصاً وأنت
تستشهد بالشاعر القروي ( رشيد سليم الخوري ) في هذه
الكلمات العميقة المعنى والمغذى عن الأم وحنان الأم ..
وهو الذي قال أيضاً :
ولي أمٌّ حنونٌ أرضعتني ... لبانُ الحبِّ من صدرٍ أحنِّ .
نعم للأمومة طعمٌ ومذاقٌ مميّز ، ولحضن الأم حنانٌ
لايضاهيه حنان .. وها هو الإله بذاته ، يعيش تجربته
وهو طفلاً بين أحضان أمّه مريم .

تقبّل فائق شكري وتقديري
ولتحرسك عزرت آزخ .
فريد


[/size]
أضف رد جديد

العودة إلى ”منتدى الكاتب والراوي فريد توما مراد“