عيد القديس مار إغناطيوس النّوراني

أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
إسحق القس افرام
مدير الموقع
مدير الموقع
مشاركات: 48840
اشترك في: السبت إبريل 17, 2010 8:46 am
مكان: السويد

عيد القديس مار إغناطيوس النّوراني

مشاركة بواسطة إسحق القس افرام »

القديس مار إغناطيوس النّوراني (107+
تمهيد:
تُعدّ ترجمة حياة مار إغناطيوس النوراني، بطريرك أنطاكية الثالث، أقدم تاريخ بيعي بعد أسفار الكتاب المقدس. دوّنها من رافقه إلى رومية حيث نال إكليل الشهادة، كما أن الرسائل السبع التي كتبها وبعث بها إلى بعض الكنائس وإلى زميله بوليقربوس أسقف أزمير تلي الأسفار المقدسة أهمية في الكنيسة المسيحية من النواحي الروحية والعقيدية والشرعية والتاريخية.
أصله:
هو سرياني الأصل على رأي أغلب المؤرخين الثقات ويظن أنه ولد حوالي سنة 35م ويقول المؤرخ تيلمون في معرض كلامه عن رسائله: «إن إنشاء القديس (إغناطيوس) يتبع حركات حرارته أكثر من أصول النحو، ويظهر أن لسانه لم يكن يكفي للتعبير عن جلائل أفكاره. وفي هذا نرى سمواً، ناراً، وقوة، وجمالاً روحياً. لم يكن عاماً أبداً، حتى ارتاب فيها بعض العلماء وقالوا هل هذه الرسائل البديعة هي من يراعة صدر النصرانية؟ كلها ملأى عواطف وهي إحساسات عميقة تقتضي التأمل فيها لكي تعرف وتفهم جيداً. وأنّا نجد في إنشائه من المزايا ما يدعونا للاعتقاد بأنه سرياني المنبت أكثر منه يونانياً. فإن فوسيوس يلاحظ منها سجية السريان في امتداد حبل الصفات ووفور النعوت
أسماؤه:
تنصر إغناطيوس في أنطاكية، وتتلمذ على أيدي الرسولين مار بطرس في أنطاكية ومار يوحنا في آسيا الصغرى. وبالإضافة إلى اسمه الأصيل (إغناطيوس) وهو باللغة اللاتينية، وقد ترجم إلى السريانية فصار «نورونو» أي النوراني، اتّخذ له اسماً حقيقياً آخر هو (ثاوفوروس) ومعناه (حامل اللـه)، وإذا حوّرت هذه اللفظة اليونانية يصير معناها (الذي حمله اللـه). من هنا جاء رأي بعضهم[4] أن القديس مار إغناطيوس كان أحد الأطفال الذين احتضنهم الرب يسوع ليعطي رسله الأطهار مثالاً للتواضع المسيحي حيث قال لهم: «الحق أقول لكم: إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات» (مت18: 1 ـ 4 ولو9: 46 ـ 49)، أما مار يوحنا الذهبي الفم (407+) فيؤكد أن مار إغناطيوس لم يرَ الرب يسوع في الجسد قط، إنما كان تلميذ الرسولين بطرس ويوحنا[5].
وسمّى يوحنا الصوّام أسقف القسطنطينية في آخر القرن السادس[6]، مار إغناطيوس (بيت اللّـه ومسكنه) ومن هنا جاءت الخرافة التي دسّت قصته لدى اللاتين الذين زعموا أن قلبه كان بعد وفاته متقطعاً ووجد فيه اسم «يسوع المسيح» مكتوباً بأحرف ذهبية، الأمر الذي يرفض جملةً وتفصيلاً لأنه يخالف الواقع التاريخي الذي يؤكد أنه لم يفضل من جثمانه الطاهر بعد استشهاده إلا أغلظ العظام.
تسقّفه على أنطاكية:
قال أوسابيوس القيصري (340+) في تاريخه الكنسي: «كما اشتهر أيضاً إغناطيوس الذي اختير أسقفاً لأنطاكية خلفاً لبطرس والذي ما تزال شهرته ذائعة بين الكثيرين»[7] وارتأى بعض المؤرخين أنّ ظروف الكنيسة في أنطاكية قضت بأن يسام أفوديوس على المسيحيين الذين من أصل أممي وثني. ذلك أن اليهود المتنصرين كانوا إلى ذلك الزمن يمارسون بعض الفرائض التي تقتضيها شريعة موسى. فرئس أفوديوس وإغناطيوس معاً في أنطاكية حتى انتقال أفوديوس إلى الخدور العلوية، فوحد إغناطيوس الفريقين، وأطلق على الكنيسة صفة (الجامعة). وهو أول من استعمل هذه اللفظة كنعت للكنيسة المسيحية.
ذكر مار يوحنا الذهبي الفم (407+) أن مار إغناطيوس رسم أسقفاً على أنطاكية بأيدي الرسل وخاصة مار بطرس ومار بولس. وأما أوسابيوس القيصري (340+) فيعين تاريخ تسقف مار إغناطيوس إلى أنطاكية سنة 68م أي بعد استشهاد الرسولين مار بطرس ومار بولس، ويجعل مار أفوديوس أول أسقف لأنطاكية بعد الرسول بطرس. وللتوفيق بين الرأيين يرى بعضهم أن أوسابيوس أخطأ بتعيين تاريخ تسقف مار إغناطيوس، أو أن رسامته وأفوديوس أسقفين على أنطاكية تمت في آن واحد، كما ذكرنا، فصحَّ اعتبار مار إغناطيوس خليفة مار بطرس الرسول ومار أفوديوس في آن واحد.
مار أفوديوس بطريرك أنطاكية الثاني:
وهكذا يعتبر مار أفوديوس أول خليفة للرسول بطرس على الكرسي الرسولي الأنطاكي، ويعيّن أوسابيوس (340+) بدء رئاسته سنة 43، وقد سكت المؤرخون القدامى عن تفصيل ترجمة حياته، وينظّمه بعضهم في صف السبعين تلميذاً، ويسمونه رسولاً، ويعيّدون له، ويعتبره آخرون شهيداً، نال إكليل الشهادة في آخر عهد نيرون ويقول آخرون: إنه مات حتف أنفه. وينسب إليه كتاب يدعى (النور‎) وضع على شكل رسالة وهو مفقود، ولا يُعرف مضمونه.
مار إغناطيوس الأسقف وحالة الكنيسة على عهده:
في رسالته إلى رومية، يسمي مار إغناطيوس نفسه أسقف سورية. ذلك أن أنطاكية كانت عاصمة سورية القديمة.
كانت مهمة الأسقف صعبة جداً، في الظروف القاسية التي كانت كنيسة أنطاكية تجتازها عصرئذ. وكان مار إغناطيوس يترجم بالعمل ما كتبه بعدئذ إلى زميله الأسقف بوليقربوس في موضوع رسالة الأسقف قائلاً، ومعناه: «اعرف سمو مركزك واحرص على سير الأمور الزمنية والروحية، بصورة صحيحة (في الكنيسة). اهتم بوحدة (الرأي) فالوحدة من أعظم النعم. ساعد الجميع كما يساعدك الرب وتحملهم بمحبة. واظب على الصلاة واسأل اللّـه ليهبك باستمرار حكمة. كن يقظاً ولا تدع عقلك يغفو وينام أبداً. كن دائماً وفي كل الأمور حكيماً كالحية ووديعاً كالحمامة (مت10: 16) لا يضطرب قلبك وأنت تجابه أهل البدع والأضاليل… اثبت كالسندان تحت المطرقة… لا تهمل الأرامل بل اعتن بهنّ لأنك سندهن، بعد اللـه، إن المصارع البارع ينتصر في النهاية برغم ما تصيبه من ضربات قاسية، فكم بالحري يجب علينا أن نتحمل كل شيء في سبيل اللّـه كي يتحملنا بدوره، ضاعف الغيرة، ميّز، الأزمنة، ولا تسمح أن يجري شيء (في الكنيسة) بدون إذن منك. ولا تقدم على شيء بدون الرب الإله، لا تزدر بالعبيد، اهرب من الأعمال القبيحة، وأشهر حربك عليها» هذا ما كان يمارسه مار إغناطيوس في خدمته للكنيسة كأسقف. محارباً الخرافات والأضاليل اليهودية والوثنية، التي حاول بعضهم دسّها في صلب العقائد المسيحية، كما ناهض البدع والهرطقات العديدة التي ولدت الشكوك بضلالتها، وحاولت عرقلة مسيرة نشر البشارة الإنجيلية.
كانت السلطة الرومانية تتحيّن الفرص للإيقاع بأتباع السيد المسيح وقد استشهد عدد هائل منهم في اضطهادات أثارها ضدهم القياصرة الرومان، ذلك أن التنكّر لدين الدولة، كان لدى الرومان واليونان، يعادل التآمر مع أعدائها، وبالتالي فهو التورط في الخيانة العظمى للوطن. وكان المسيحيون يعرفون جيداً أن عبادتهم الرب يسوع كانت تتنافى كل التنافي مع مطالب الحكومة الرومانية من كل مواطن بأن يعبد الإمبراطور الروماني وكانت الدولة الرومانية على أثر اتساع رقعة استعماراتها قد اعترفت بآلهة الشعوب الداخلية في حكمها، واعتبرت الدين اليهودي ديناً شرعياً لليهود الذين لهم حريتهم باعتقادهم باله واحد. واعتبرت المسيحية فرقة من فرق اليهود. ولكن اليهود أبوا أن يشاركهم المسيحيون الامتيازات التي يتمتعون بها، فأعلنوا للدولة أن المسيحيين ليسوا يهوداً، فزادت شكوك الدولة بنيات المسيحيين وكراهيتها لهم وأخذت تدوّن أسماءهم، مفتشة عن زعمائهم لاسيما لما جبى الإمبراطور دمطيانوس (81 ـ 96) ضريبة الهيكل من اليهود، وأكره المسيحيين أيضاً على دفع هذه الضريبة وإرسالها إلى صندوق رومة. فأقلقت هذه الترتيبات بال القديس مار إغناطيوس وقضّت مضجعه لأن عدد المسيحيين كان آخذاً بالازدياد في سورية، وكان عددهم في أنطاكية وحدها قد بلغ نحو مئتي ألف نسمة وكانت المقاومة للمسيحية قد أخذت أشكالاً عامة من عداوة شعبية وحملات فكرية واضطهاد جسماني وكان مار إغناطيوس يكثر من الصلاة والصوم طالباً إلى اللّـه تعالى أن يخفف الشدة عن المؤمنين، وأن يهبهم نعمة الصبر ليتحملوا صنوف العذاب في سبيل الإيمان، وكي يكونوا مستعدين لتقبل إكليل الشهادة حباً بالمسيح يسوع ربنا، وكان مار إغناطيوس ذاته، إبان اضطهاد دومطيانوس، توّاقاً إلى نيل إكليل الشهادة ليحظى بالحياة الأبدية مع الرب يسوع.
ولما هلك دومطيانوس هدأت عاصفة الاضطهاد على عهد نرفا (96 ـ 98) الذي ارتقى عرش الإمبراطورية وهو طاعن في السن، وأبطل اضطهاد المسيحيين، فتنفست الكنيسة الصعداء فترة قصيرة من الزمن، ولكن لما ملك الامبراطور تراجانوس (98 ـ 117) وكان يبغض أتباع الرب يسوع بغضاً شديداً، كابد المسيحيون في أيامه ما كابدوه في أيام نيرون (54 ـ 68) ودومطيانوس (81 ـ 96) فقد وافق تراجانوس على تنفيذ قانون نيرون الذي يعتبر التمسك بالدين المسيحي خروجاً على القانون، وتميّز الاضطهاد الذي أثاره على المسيحية في تشديد الخناق على قادتها الروحيين. فاستشهد العديد منهم في أماكن شتى. فصلب سمعان أسقف أورشليم وقتل كرزونوس أسقف الإسكندرية وألقى إغناطيوس أسقف أنطاكية إلى الأسود، كما سنرى. وربط عنق أكليمنضس أسقف روما بمرساة وطرح في البحر. ويرى الذهبي الفم (407+) أن إبليس وهو يهاجم الأساقفة في شدة تراجانوس، كان يحاول تثبيط عزيمتهم باقتيادهم إلى أبعد المواضع ليعانوا عذاباً أقسى وهم يجدون أنفسهم يجاهدون منفردين بعيدين عن أبنائهم الروحين، وصفر من التشجيع والتعزية ولكن خاب ظن إبليس وأتباعه فقد أظهر الآباء الروحيون وكذلك سائر المؤمنين، بطولات روحية عميقة، كانت خير وازع لتشديد الضعفاء وجذب الغرباء إلى حظيرة المسيح فصّح القول إن دم الشهداء بذار الإيمان.
ومما يذكر بهذا الصدد أن بلينوس سكندس حاكم بيثينية وهو من أشهر الولاة في زمانه، أزعجته كثرة عدد الشهداء، ذلك أنه حكم على بعض المسيحيين بالموت وحرم البعض من حقوقهم المدنية، فثارت عليه الجماهير، فارتبك، وكتب إلى الامبراطور تراجانوس يستشيره، وأخبره في رسالته بوضوح عن العدد الوفير من المسيحيين الذين تقدموا إلى نيل إكليل الشهادة بفرح معترفين بإيمانهم، يطلب إليه ليعرّفه عما يجب اتخاذه في هذه الحالة، وما قاله في رسالته: «إنني لم أجد في المسيحيين ما يستوجب القتل، ولم أجد فيهم شيئاً مشيناً، أو مخالفاً لشريعة المملكة سوى أنهم يستيقظون باكراً، ويرتلون بعض الترانيم للمسيح ربهم. ومع هذا فهم يحرمون الزنى والقتل وأمثالهما من الجرائم الأخلاقية ويفعلون كل شيء وفق الشرائع» وأضاف قائلاً: «إن عدد المسيحيين كثير في كل مدن بيثينية وقراها، وإنه لا يعرف كيف يتصرف معهم». فأجابه تراجانوس: «بألا يجري التفتيش على المسيحيين كما كانت العادة في زمن أسلافه، بل عندما يؤتى إليك بأناس منهم، اسألهم إن كانوا بالحقيقة كذلك، فإن أجابوا بالإيجاب، تهددهم بالقتل، وان أصروا على أنهم خدام المسيح اقتلهم. وان أنكروا إيمانهم وذبحوا للأوثان، أطلقهم». ومن ذلك الوقت لم يَعد الاضطهاد على المسيحيين عنيفاً، ولكنهم لم يكونوا آمنين على أنفسهم ذلك أنّ أعداءهم، من الحكام والشعب، كانوا يتحينون الفرص للإيقاع بهم بتوجيه التهم إليهم بمخالفة الشريعة فيحكم عليهم بالموت، بعد أن يساموا صنوف العذاب، وبهذه الصورة حصلت اضطهادات محلية في مقاطعات عديدة واستشهد عدد هائل من المؤمنين حباً بالمسيح يسوع.
الحكم على مار إغناطيوس بالموت:
وُشي بالأسقف إغناطيوس إلى حاكم أنطاكية بأنه زعيم المسيحيين وقد جذب عدداً كبيراً من اليهود والوثنيين إلى حظيرة المسيح، فاستقدمه الحاكم، واستجوبه، فاعترف القديس إغناطيوس بالإيمان بشجاعة فائقة، فحكم عليه بأن يساق إلى رومية ويُطرح هناك للوحوش الضارية لتفترسه.
وهناك رواية تقول: إن الحكم على مار إغناطيوس بالموت صدر مباشرة من الامبراطور تراجانوس وهي السنة 106 وقد تعجرف جداً لما حازه من الغلبة في العام الماضي على الداقييين والسكيثيين وغيرهم من الأمم، أثار الاضطهاد الشديد على المسيحيين لجذبهم لعبادة الأبالسة، وأخذ يهدد الأساقفة خاصة بالموت الزؤام ما لم يقدموا الذبائح للأوثان. وبرح رومية في تشرين الأول من عام 106، واجتاز أرمينية الصغرى، وبلغ سلوقية في كانون الأول، ودخل أنطاكية يوم الخميس سابع يوم من كانون الثاني من السنة 107، ووشي إليه بأسقفها البار مار إغناطيوس، فاستدعاه، فأسرع القديس بالمثول أمامه لعله يفدي بنفسه رعيته ويجنبها الشدة. وسأله الإمبراطور قائلا: من أنت أيها الروح الشرير حتى تعصي أوامرنا وتحث الناس أيضاً على عصيانها؟.
فأجاب القديس مار إغناطيوس قائلاً: لا يسمي أحداً ثاوفوروس روحاً شريرة لأن الأرواح الشريرة تهرب من أمام خدام اللـه.
قال الإمبراطور: ما معنى ثاوفورس؟
أجاب القديس: الحامل اللّـه في قلبه.
قال الامبراطور: من يكون هذا الذي يحمل اللّـه في قلبه؟
أجاب القديس: إن كل من يؤمن باللّـه الآب وبابنه الوحيد يسوع المسيح، وبروحه القدوس، الإله الواحد، ويعمل الصلاح لأجل اللّـه وحباً به تعالى، فهو يحمل اللّـه في قلبه.
قال الإمبراطور: إذن أنت تحمل اللـه!؟
أجاب القديس: نعم أنا احمل اللّـه في قلبي، لأن ربنا يسوع المسيح وعدنا بقوله: «الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني، والذي يحبني يحبه أبي وأنا أحبه وأظهر له ذاتي… واليه نأتي وعنده نصنع منزلاً (يو14: 21 و23).
قال الإمبراطور: نحن أيضاً نحمل آلهتنا معنا في الحروب لتحارب عنا فنظفر بأعدائنا.
قال القديس: لا يمكن للأصنام عديمة الحس أن تكون آلهة.
قال الإمبراطور: دع عنك هذا الكلام واذبح للأصنام التي هي آلهتنا، فتظفر مني بالعطايا الفاخرة، وأجعل منك عظيم أحبار ديانتنا.
قال القديس: زادك اللّـه من غناه أيها الامبراطور الموقر، أنا خادم سيدي يسوع المسيح، وعبده، وكاهنه، وله وحده أقدم ذبائح الشكر، بل أنا على أتمّ الاستعداد لأقدم ذاتي ضحية على مذبح محبته.
ولما سمع الإمبراطور تراجانوس أجوبة القديس مار إغناطيوس استشاط غضباً وأصدر حكمه عليه بالموت، وأمر أن يكبل بالقيود الثقيلة ويساق إلى رومية حيث يطرح للوحوش الضارية في احتفالات الأعياد الوطنية، ليبتهج الشعب بمشاهدة الوحوش الشرسة وهي تفترسه بنهم، لعله يصير عبرة للآخرين فيقدمون الذبائح للأوثان.
فلما سمع القديس قرار الامبراطور، انبسطت أساريره وهش وبش، وقبّل الأغلال التي قيد بها، وهو يقول، أحمدك اللهم لأنك شهادة محبتي الكاملة لك، شرفتني أن أصفد بالأغلال الحديدية الثقيلة، مثل الرسول بولس صفيّك. وكل ما أتمناه الآن أن تسمح بأن تمزقني الوحوش سريعاً لأصل إليك… ثم صلى بدموع سخية لأجل كنيسة أنطاكية التي ساسها أربعين سنة، فلما شعر المؤمنون بذلك أسرعوا أفواجاً باكين، ومتبركين منه، مودعين إياه.
يشك بعض المؤرخين بصحة رواية محاكمة مار إغناطيوس أمام الامبراطور تراجانوس في أنطاكية. ذلك أن أوسابيوس القيصري (340+) ويوحنا فم الذهب (407+) يذكران أن القديس إغناطيوس حوكم أمام حاكم أنطاكية وليس الامبراطور. وبما أن الرواية تقول أن الامبراطور تراجانوس ذهب إلى أنطاكية لمناسبة الحرب الفرثية، وتعين تاريخ هذه الحرب في السنة 107 ويظهر لنا التناقض بمجرى حوادثها أنّ تلك الحروب وقعت بين السنتين 115 ـ 117 لا قبل ذلك فيكون شكوك بعض المؤرخين بصحتها هي في مكانها، لأننا حتى لو أخرنا تاريخ استشهاد مار إغناطيوس إلى السنة 110 كما يفعل بعضهم، فإننا لا نستطيع أن نوفّق بين حادثة الاستشهاد وزيارة تراجانوس لأنطاكية، فالرواية مليئة بالتناقضات مما يدل على أنها موضوعة.
لتكن صلواته سوراً لنا جميعاً
منقول عن دايرة الدراسات السريانية
:croes1: فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ :croes1:
صورة
صورة
أضف رد جديد

العودة إلى ”܀ طقسيات لأيــام الآحـــــاد & الأعيـــاد“