يتبع قصة المرأة السامرية : قصة وحوار وتأمل...! الأب رابولا صومي/ راهب سرياني ـ سوريا.

أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
Alrban Rabola
مرشد روحي
مرشد روحي
مشاركات: 300
اشترك في: الاثنين مارس 18, 2013 7:32 pm
مكان: سوريا

يتبع قصة المرأة السامرية : قصة وحوار وتأمل...! الأب رابولا صومي/ راهب سرياني ـ سوريا.

مشاركة بواسطة Alrban Rabola »



يتبع قصة المرأة السامرية : قصة وحوار وتأمل...!
الأب رابولا صومي/ راهب سرياني ـ سوريا.

النظرة الثالثة ـ الماء الينبوع الحي:
23 اب 2016م

من حق السامرية كامرأة قروية أن تتساءل، لأنها تعرف بئر سوكار لا يوجد بها عين حية، بل تحصل على المياه من ترشح الطبقات التربة المحيطة، ولذلك الماء الجاري من مصادر الينابيع هي أفضل بكثير من الماء الراكد في البئر العميق، وهكذا تشجعت المرأة بالسؤال: أيها المعلم ... أنت تقول ستقدم لي ماءً حياً جارياً، مَن أعطاك هذا الماء، وبأي سلطان ستمنحني، ومن أين ستأتي بهذا الماء الحي كقولك..؟! ثم تنتقل المرأة إلى مسألة " أبينا يعقوب " بما أنَّ السامريين كانوا يظنون أنهم من سلالة يوسف بن يعقوب أبو الاسباط من حفيديه أفرايم، ومنَسى. وكأني بالمرأة السامرية توجه سؤالاً ليسوع: هل تستخف من كرامة هذا البئر ومياهها الطاهرة التي لها تاريحُ قديم يمتزج بتقاليدنا وتراثنا السامري المجيد..؟ من تكون يا ترى ..؟ أهل أنت أعظم من أبينا يعقوب الذي عطش عبر التاريخ هو واسرته وبنوه وجاء لهذا البئر واخذ قصداً من الراحة ونال حاجته عن طريق هذا البئر العظيم.؟! " لم تدرك أن يسوع كان يتكلم عن حاجاتها الروحيَّة. فما كان يبحث في خاطرها وارضاءها، أنها كانت تريد هذا النوع من الماء لكي تتجنَّب من المجيئ المتكرر لبئر يعقوب." أجاب يسوع وقال لها: " كُلُّ من يشربُ من هذا الماء يعطشُ أيضاً. ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد. يو 4: 13 "
الماء، في العالم القديم كان يشير الى قوة الله ونقاوة الله وعبادة الله في سرِّ الحياة، ولذلك دخل في مفهوم عبادات بعض الشعوب حيث وجدوا فيه النِعم والبركات وقوة الله الغير منظورة في هذا المنظور، كالفراعنة مثلاً قدسوا ينابيع نهر النيل كقول هيرودت المؤرخ المشهور: " مصر هي هبة النيل " وعندما نقرأ عن نعمان الارامي " السرياني رئيس جيش ملك آرام، لوقا 4: 27 " و " ملوك الثاني 5: 12" في حادثة تطهيره من برَصهِ في نهر الأردن على يد اليشع النبي أعترض قائلاً: أليس أبانَةُ وفَرفَرُ نهرا دمشقَ احسنَ من جميع مياهِ إسرائيلَ " ( نهر أبانة هو نهر برد اليوم، كان ينبع من جبال لبنان ويجري نحو دمشق. أما نهر فرفر فكان يجري شرقاً من جبل حرمون أو الشيخ إلى الجنوب من دمشق، فإنَّ هذين النهرين ممتازان مقارنة بنهر الأردن المُوحِل، هذا ما قصد القائد نعمان الآرامي، ولكن المسألة لا تتعلق بنوعيَّة الماء بقدر ما هي طاعة كلمة الله ) ونفس المفهوم يخاطب الرب يسوع نيقوديموس بقوله: " المولدُ من الجسدِ حسدٌ هو، والمولودُ من الروحِ هو روحٌ . يوحنا 3: 6 " أي كما أن المياه تعطي حياة التطهير الروحي للجسد أو تطهير النفس في عالم العبادات القديمة، هكذا اليوم في الكنيسة يعمله الروح القدس بواسطة " كلمة " الله ، لحظة الخلاص لأجل الانتماء إلى ملكوت يسوع المسيح." راجع أفسس 5: 22، وتيطس 3: 5 " فالروح القدس إذاً هو سرُّ الحياة الروحية في الروح الإنسانية فيخلق من الانسان خليقة جديدة. فإن كانت المياه سر الحياة في الجسد بسر المعمودية وبعمل الروح القدس، فالروح القدس هو سر الحياة في الروح والقلب والفكر، وكأنَ المسيح يربط العالمين السماوي والارضي بواسطة هذا الماء. بل يعيد بالسامرية الى ذاكرة الكتاب المقدس بقول الرب لموسى النبي في بدء سفر الخليقة: " وكانت الأرض خربة وخالية وخاوية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه. تكوين 1: 2" فالوحي الإلهي هنا يحدثنا عن: الطبيعة البشرية التي كانت مشوشة ومتخبطة وفاسدة وملوثة ومعدومة ادبياً، بسبب بُعدها من فكر الله .... وحب الله ..... ومجد الله .... وقداسة الله، فجاء روح الله القدوس فقدسها وطهرها ونقاهّا من ادران الخطية وفساد الطبيعة البشرية.
يسوع يكشف النقاب عن خطايا المرأة بأسلوب راقي غير جارح، من خلال حوارهِ معها وهي تطلب الماء الحي لأنَّ الروح القدس سوف يرتقي بفكرها وروحها وضميرها، فقال لها: اذهبي وادعي زوجك ..... ليس لي زوج ..... لأنه كان لكِ خمسة أزوج والذي لك الآن ليس هو زوجك، إذاً تعيشين في الخطية وفساد الفكر والطبيعة ....؟!
تعترف المرأة بأنه نبي ياسيد وتترجم يارب كما هي العادة في ذلك العصر خضوع المرأة للرجل.
تنتقل السامرية إلى موضوع العبادة وتريد الاستفسار عن هل العبادة، تكون في أورشليم المكان الوحيد الفريد للخلاص حسب مفهوم واعتقاد اليهود آنئذٍ، أم في جبل جرزيم..؟ يجيبُ السيد المسيح يامرأة أي ياسيدة، صدقيني إنه ستاتي ساعة لا في هذا الجيل ولا في أورشليم تسجدون للآب، أي الابتعاد عن الله. فليس المهم المكان والزمان والتقيد به بل أن نعبد الله بالروح والقلب والفكر والحق والعمل المستمر.
لم يتقيد المسيح بالطقوس والمظاهر الدينية، بل بروح النص الإنجيلي لأن تغيير الانسان يتم من الداخل كقول المرنم قديماً: " قلباً نقياً اخلق فيَّ يا الله، وروحاً مستقيماً جدد في داخلي ـ أحشائي. 51: 10 "
عجبٌ عجاب من شخصية المسيح، نراه صديقاً للزناة ... يقبل الخطاة .... يجالس العشارين بعكس مقاييس بشر اليوم، وهذا كان مرفوضاً رفض النواة في ذاك المجتمع الضيق وإلى يومنا كما نقرأ في الانجيل المقدس عن الفريسيين وزمرة من الكتبة والصدوقيين يحاججون يسوع عن هذه المسألة...؟! نجد المرأة تترك الجرة .... جرة الماء أي تركت أعمالها القديمة وذهب تبشر أهل مدينتها، وهنا قوة تأثير الناصري وقوة الانتباه تُهيّمن على فكر وروح وضمير السامرية وهكذا يصل الخلاص لها ولبني قومها وقريتها. لا فقط قبلت المرأة المسيح مخلصاً بل هو أيضاً قبلها مع أهل سوخار جملةً. فعلينا أن نتخطى الحواجز اللاهادفة التي تمنع الخلاص للبشر والتركيز على الكلمة " كلمة الحياة " بهدوء وسكينة مثل الخميرة التي تُخمر العجين ولا يراها أي محسوس منظور. كما أنَّ يسوع لم يُظهر عيوبها بطريقة شنيعة كأبناء العالم، بل بحكمة ووداعة: أين هو زوجك ..؟
يسوع يتحدث بلغة الأنسان الروحي .... لغة الأقناع .... لغة الآدب الراقي ..... لغة الروح والفكر، يُحدثُهَا بمشكلتها المستعصية ما يخص حالتها ، يشارك أحزانها ، أتعابها ، نفسيتها المضطربة وروحها القلقة .... يريدُ أن يتفقدها ويُنقذها من براثين الخطية ويأتي بها إلى حظيرة النعاج فتنال الخلاص الأبدي وتكون في عداد مَن يرثوا ملكوته السماوي.
أضف رد جديد

العودة إلى ”܀ منتدى المرشد الروحي للأب الربّان رابولا صومي.“