المرأة السامرية ويسوع الناصري قصة وحوار وتأمل " يوحنا 4: 1 ـ 30 " تأمل لراهب سرياني / الأب الربَّان رابولا صومي ـ سوري

أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
Alrban Rabola
مرشد روحي
مرشد روحي
مشاركات: 300
اشترك في: الاثنين مارس 18, 2013 7:32 pm
مكان: سوريا

المرأة السامرية ويسوع الناصري قصة وحوار وتأمل " يوحنا 4: 1 ـ 30 " تأمل لراهب سرياني / الأب الربَّان رابولا صومي ـ سوري

مشاركة بواسطة Alrban Rabola »


.
النظرة الثالثة ـ الماء الينبوع الحي:

من حق السامرية كامرأة قروية أن تتساءل، لأنها تعرف بئر سوكار لا يوجد بها عين حية، بل تحصل على المياه من ترشح الطبقات التربة المحيطة، ولذلك الماء الجاري من مصادر الينابيع هي أفضل بكثير من الماء الراكد في البئر العميق، وهكذا تشجعت المرأة بالسؤال: أيها المعلم ... أنت تقول ستقدم لي ماءً حياً جارياً، مَن أعطاك هذا الماء، وبأي سلطان ستمنحني، ومن أين ستأتي بهذا الماء الحي كقولك..؟! ثم تنتقل المرأة إلى مسألة " أبينا يعقوب " بما أنَّ السامريين كانوا يظنون أنهم من سلالة يوسف بن يعقوب أبو الاسباط من حفيديه أفرايم، ومنَسى. وكأني بالمرأة السامرية توجه سؤالاً ليسوع: هل تستخف من كرامة هذا البئر ومياهها الطاهرة التي لها تاريحُ قديم يمتزج بتقاليدنا وتراثنا السامري المجيد..؟ من تكون يا ترى ..؟ أهل أنت أعظم من أبينا يعقوب الذي عطش عبر التاريخ هو واسرته وبنوه وجاء لهذا البئر واخذ قصداً من الراحة ونال حاجته عن طريق هذا البئر العظيم.؟! " لم تدرك أن يسوع كان يتكلم عن حاجاتها الروحيَّة. فما كان يبحث في خاطرها وارضاءها، أنها كانت تريد هذا النوع من الماء لكي تتجنَّب من المجيئ المتكرر لبئر يعقوب." أجاب يسوع وقال لها: " كُلُّ من يشربُ من هذا الماء يعطشُ أيضاً. ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد. يو 4: 13 "
الماء، في العالم القديم كان يشير الى قوة الله ونقاوة الله وعبادة الله في سرِّ الحياة، ولذلك دخل في مفهوم عبادات بعض الشعوب حيث وجدوا فيه النِعم والبركات وقوة الله الغير منظورة في هذا المنظور، كالفراعنة مثلاً قدسوا ينابيع نهر النيل كقول هيرودوت المؤرخ المشهور: " مصر هي هبة النيل " وعندما نقرأ عن نعمان الارامي " السرياني رئيس جيش ملك آرام، لوقا 4: 27 " و " ملوك الثاني 5: 12" في حادثة تطهيره من برَصهِ في نهر الأردن على يد اليشع النبي أعترض قائلاً: أليس أبانَةُ وفَرفَرُ نهرا دمشقَ احسنَ من جميع مياهِ إسرائيلَ " ( نهر أبانة هو نهر برد اليوم، كان ينبع من جبال لبنان ويجري نحو دمشق. أما نهر فرفر فكان يجري شرقاً من جبل حرمون أو الشيخ إلى الجنوب من دمشق، فإنَّ هذين النهرين ممتازان مقارنة بنهر الأردن المُوحِل، هذا ما قصد القائد نعمان الآرامي، ولكن المسألة لا تتعلق بنوعيَّة الماء بقدر ما هي طاعة كلمة الله ) ونفس المفهوم يخاطب الرب يسوع نيقوديموس بقوله: " المولدُ من الجسدِ حسدٌ هو، والمولودُ من الروحِ هو روحٌ . يوحنا 3: 6 " أي كما أن المياه تعطي حياة التطهير الروحي للجسد أو تطهير النفس في عالم العبادات القديمة، هكذا اليوم في الكنيسة يعمله الروح القدس بواسطة " كلمة " الله ، لحظة الخلاص لأجل الانتماء إلى ملكوت يسوع المسيح." راجع أفسس 5: 22، وتيطس 3: 5 " فالروح القدس إذاً هو سرُّ الحياة الروحية في الروح الإنسانية فيخلق من الانسان خليقة جديدة. فإن كانت المياه سر الحياة في الجسد بسر المعمودية وبعمل الروح القدس، فالروح القدس هو سر الحياة في الروح والقلب والفكر، وكأنَ المسيح يربط العالمين السماوي والارضي بواسطة هذا الماء. بل يعيد بالسامرية الى ذاكرة الكتاب المقدس بقول الرب لموسى النبي في بدء سفر الخليقة: " وكانت الأرض خربة وخالية وخاوية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه. تكوين 1: 2" فالوحي الإلهي هنا يحدثنا عن: الطبيعة البشرية التي كانت مشوشة ومتخبطة وفاسدة وملوثة ومعدومة ادبياً، بسبب بُعدها من فكر الله .... وحب الله ..... ومجد الله .... وقداسة الله، فجاء روح الله القدوس فقدسها وطهرها ونقاهّا من ادران الخطية وفساد الطبيعة البشرية.
يسوع يكشف النقاب عن خطايا المرأة بأسلوب راقي غير جارح، من خلال حوارهِ معها وهي تطلب الماء الحي لأنَّ الروح القدس سوف يرتقي بفكرها وروحها وضميرها، فقال لها: اذهبي وادعي زوجك ..... ليس لي زوج ..... لأنه كان لكِ خمسة أزوج والذي لك الآن ليس هو زوجك، إذاً تعيشين في الخطية وفساد الفكر والطبيعة ....؟!
تعترف المرأة بأنه نبي ياسيد وتترجم يارب كما هي العادة في ذلك العصر خضوع المرأة للرجل.
تنتقل السامرية إلى موضوع العبادة وتريد الاستفسار عن هل العبادة، تكون في أورشليم المكان الوحيد الفريد للخلاص حسب مفهوم واعتقاد اليهود آنئذٍ، أم في جبل جرزيم..؟ يجيبُ السيد المسيح يامرأة أي ياسيدة، صدقيني إنه ستاتي ساعة لا في هذا الجيل ولا في أورشليم تسجدون للآب، أي الابتعاد عن الله. فليس المهم المكان والزمان والتقيد به بل أن نعبد الله بالروح والقلب والفكر والحق والعمل المستمر.
لم يتقيد المسيح بالطقوس والمظاهر الدينية، بل بروح النص الإنجيلي لأن تغيير الانسان يتم من الداخل كقول المرنم قديماً: " قلباً نقياً اخلق فيَّ يا الله، وروحاً مستقيماً جدد في داخلي ـ أحشائي. 51: 10 "
عجبٌ عجاب من شخصية المسيح، نراه صديقاً للزناة ... يقبل الخطاة .... يجالس العشارين بعكس مقاييس بشر اليوم، وهذا كان مرفوضاً رفض النواة في ذاك المجتمع الضيق وإلى يومنا كما نقرأ في الانجيل المقدس عن الفريسيين وزمرة من الكتبة والصدوقيين يحاججون يسوع عن هذه المسألة...؟!
. نجد المرأة تترك الجرة .... جرة الماء أي تركت أعمالها القديمة وذهب تبشر أهل مدينتها، وهنا قوة تأثير الناصري وقوة الانتباه تُهيّمن على فكر وروح وضمير السامرية وهكذا يصل الخلاص لها ولبني قومه وقريتها. لا فقط قبلت المرأة المسيح مخلصاً بل هو أيضاً قبلها مع أهل سوخار جملةً. فعلينا أن نتخظى الحواجز التي تمنع الخلاص للبشر والتركيز على الكلمة " كلمة الحياة " بهدوء وسكينة مثل الخميرة التي تُخمر العجين ولا يراها أي محسوس منظور. كما أنَّ يسوع لم يُظهر عيوبها بطريقة شنيعة كأبناء العالم، بل بحكمة ووداعة: أي هو زوجك ..؟
يسوع يتحدث بلغة الأنسان الروحي .... لغة الأقناع .... لغة الآدب الراقي ..... لغة الروح والفكر، يُحدثُها بمشكلتها المستعصية ما يخص حالتها ، يشارك أحزانها ، أتعابها ، نفسيتها المضطربة وروحها القلقة .... يريدُ أن يتفقدها ويُنقذها من براثين الخطية ويأتي بها إلى حظيرة النعاج فتنال الخلاص الأبدي وتكون في عداد مَن يرثوا ملكوته السماوي.



النظرة الرابعة ـ شمولية الخلاص.

يطمئن يسوع المرأة ، أن الخلاص هو لجميع الناس. لم يُذكرها بالماضي الأسود ولا بالحاضر المحزن والندم على المستقبل. كما لم يتوعدها بأي وعيدٍ كالنار والهلاك والجحيم بل أعطاها الأمان والثقة وأنها ستكون في عداد الصالحين.
إذن السيد المسيح يخاطب الأنسان بمشكلتهِ التي يعاني منها وتعذبت نفسه وروحه وفكره، كما يهمه خلاصه ويبحث عن الخروف الضال.
كانت المرأة تعرف الكتب المقدسة جيداً ولا غرو التوراة السامرية، كقولها ليسوع: " أنا أعلم أنَّ مسيَّا الذي يُقالُ له المسيح يأتي. فمتى جاء ذاك يُخبرنا بكل شيء ..... فانبرى يسوع ونظر إليها نظرته التاريخية وقال: أنا الذي أُكلّمكِ هو ... هو الماسيَّا ، مشيحو، ماشيحا Messiah يوحنا 4: 29 " الذي تنتظرنهُ والبشرية جملةً...!!
انتهى هنا الكلام بين يسوع والسامريَّة أي آمنت ونالت صك الغفران تمهيداً لغفران الصليب العظيم، لأنها انتظرت الماسيَّا فها أنَّ الماسيا يخاطبها وجهاً لوجه ويُعرِّفها على كل شيء، أما التلاميذ كغيرهم من المنغلقين على حرية قبول الآخر يقول عنهم الإنجيل المقدس: " وكانوا يتعجَّبون أنهُ يتكلَّم مع امرأةٍ ..؟!! 4: 27 "

النِظرة الخامسة الوعظ والعظة يُجدد الانسان الداخلي.

نهتف مع الرسول بولس قائلين: " إذاً إن كان أحدُ في المسيح فهو خليقةٌ جديدةٌ. الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكلُّ قد صار جديداً. 2كورنثوس 5: 17 " أجل تغيرت المرأة إلى انسانة جديدة. لم تخجل أبداً من معاصيها وأخطائها التي اقترفتها بحق الله ونفسها والأنسان، هذا هو التجديد والولادة الروحية الثانية بعينها، بكل صراحة وإقدام تقول وتكشفُ وتعلن عن ضعفاتها وضألة طبيعتها وسوء فهمها، وتكرِّس نفسها لاسم المسيح القدوس كخادمة للكلمة، كما يحدثنا الانجيل على لسانها: " هلمُّوا وانظروا إنساناً قال لي كلَّ ما فعلت العلَّ هذا هو المسيح .... فخرجوا من المدينة وأتوا إليه أي نجحت في جذب الناس الى يسوع.
فوتين " السامرية": تبسط يد الضرَّاعة للعزة الصمدّانية، وترفع نظرها للسماء : أَمِل ياربُ أُذنَيكَ إلي أنا الخاطئة وأستجب لهذا الشعب البائس المسكين عبيدك أبناء قريتي وعشيرتي وقومي المتكلين عليك، واهدهم الصراط المستقيم، إنك لصالحٌ وغفورٌ ورؤوفٌ ورحيمٌ يا راحم الراحمين والمترأف على المترأفين." خروج 33: 19 "
حقاً ليس من السهل أن يخرج أهل السامرة للقاء رجلاً يهودياً كالمسيح، فهذا يدلُ على أنَّ العداوة بدأت تزول وتَحوُلُ بشخص وقوة تأثير المسيح.
الجموع الغفيرة بصوت واحد. آمين.
فوتين مرةً ثانية: يا سيد نريد منك وصية.
المسيح: يا فوتين وصيتي أن يحب بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم، هذه هي أعظم الوصايا ومثلها قريبك كنفسك.
شاوول الكاهن السامري: ما أعظم .... وما أجمل .... وما أروع هذا الكلام أيها المعلم الصالح ....! ليس لأجل كلام فوتين نؤمن بك وبتعاليمك وبشخصك وإنما من أجل الروح التي تَبثُهَا في روحها وضميرها، ومن أجل كلامك الالهي الذي حرك روح الله في نفوسنا وأحشاءنا وعروقنا ومشاعرنا وضمائرنا أنت انت بالحقيقة الماسيَّا مخلص العالم .... منقذ العالم ..... مُحرر الانسان ومن يؤمن بك سينجو من الهلاك والموت الابدي. كقول المرنم قديماً: " آه يارب خلِص. آه ياربُ أنقذ. مبارك الآتي باسم الرب. باركنكم من بيت الرب. مز 118" 25 "
المسيح وبأعلى عقيرتهِ: أيها الناس .... أنا أنا هو الطريق والحق والحياة من آمن بي وإن مات فسيحيا ومن لا يؤمن سيدان.
التلاميذ المتعجبون: انذهال واستغراب شديد، في الفترة التي تحدَّث فيها سيدهم مع السامرية بعد عودهم من سوق سوكار يبتاعوا طعاماً، " وكانوا يتعجَّبون " وهذه العبارة وردت في الانجيل بصيغة الاستمرار لتفيد أنَّ تعجبهم كان متواصلاً. أما سبب هذا التعجب، فهو أن معلمهم كان يتكلم مع امرأة وقد رأوا يسوع يخاطبها بفرح وسعادة وسلام ويسمع لها كقول الانجيل: " لم يَقُل أحدٌ ماذا تطلب أو لماذا تتكلم معها. يوحنا 4: 27 ".
أجل كان من حقهم أن يتعجبوا، لو رأوا سيدهم يتكلم مع رجل سامريّ. فكيف إن كان هذا الرجل السامري امرأة،" لأن اليهود لا يعاملون السامريين. يو 4: 9 " والمرأة كانت محتقرة لدى اليهود. يظهر هنا حتى التلاميذ كانوا من نفس التقليد والطقس والشريحة المتعصبة يَخضعوُنَ لعوائد وأشياء لا قيمة لها ولا ثمن لِمَا تسلَّموُه من أباءهم واجدادهم كما جاء في التلمود: " لا ينبغي أن يتحدث الرجل الى امرأة في الطريق حتى لو كانت زوجتَهُ الشرعية أو شقيقته أو نجلتهُ ، وفي الصلاة الصباحية، يقف الرجل اليهودي مُصَلياً في الهيكل قائلاً: " أبارك اسمك أيها الرب خالق العالمين، لأنك خلقتني يهودياً، لا أممياً ـ وثني. وحراً لا عبداً ورجلاً لا امرأة " . أما المرأة المسكينة كانت تقف في بيتها ـ تصلي لأنه غير مسموح لها أن تدخل هيكل الله ـ وتقول بنغمة شَجيَّة مؤلمة " أحمدك اللهّم لأنك خلقتني كما أردت. " كما كان يعتقد اليهودي أنَّ حرق الشريعة أفضل من تسليمها إلى امرأة. إذاً فلا عجب اذا كان التلاميذ قد تعجبوا، غير أنَّ تعجبهم كان صامتاً...؟! فلم يقل أحدهم " ماذا تطلب أو لماذا تتكلم معها " وهذا الصمت نشأ من احترامهم الزائد لمعلمهم، وعدم قدرتهم على المواجهة والشجاعة الكافية لاستجوابه ومسائلته. والأهم في هذه المعادلة، أنَّ المرأة لم تعبأ بتعجبهم، بل مضت في سبيلها.
وأيضاً في تعاليمهم : " في كل مرة يُطيلُ المرء حديثهُ مع امرأة، يجلب الشر على نفسهِ، وينحرف عن وصايا الناموس، وفي النهاية يرثُ جهنم " كما كانت المرأة قديماً تمشي اثرَ زوجها مُغطاة بالنقاب.
فيسوع بنظر التقاليد وشيوخهم وكبار اليهود والرابيين " حاخامات اليهود ـ معلمين " قد ارتكب أبشع جريمة عرفتها البشرية عصرئذٍ، ولكن حبهُ العميق للخاطئ وليس للخطيئة ممَّا جَعلهُ أن يُحطم أكبر الحواجز الفولاذية التي كونتها العقلية الرجعية ورسبتها العداوة الكامنة لسنين طويلة بين الانسان وأخيه الانسان. الآن جاء المسيح ومن أي جاء .... جاء من قلب الازل ليُهشمَ عقائدهم المصطنعة الفانية الباليَّة على صخرة الايمان والحب والجمال والمعرفة والآدب الراقي ليرفع المرأة من كبوتها وبؤسها وحزنها وذلِّهَا اللامتناهي لتكونَ بمستوى الرجل فتفرح وتسعد بسعلدةٍ لا توصف ...؟!

النِظرة السادسة المرأة تترك الجرة.
ثلاث نقاظ تتجلَّى بالسامرية في لحظة ترك الجرة: قوة التأثير ، قوة الانتباه ، قوة الكلمة.
أولاً: السامرية مبشرة: بعد أن شبعت من نهر الحياة لم تبق بحاجة إلى استعمال الجرَّة، فتركتها ومضت مُسرعة لتبشر أهل سوكار للمشاركة في عملية الخلاص ونيل البركة، والتمتع برؤية المسيح .... جمال المسيح .... حنان المسيح واهتمام المسيح، بقولها للناس: " هلّمُوا وانظروا انساناً قال لي كل ما فعلت "
ثانياً: حركتها وموقفها وقرارها يدلُ، على أنها قدمت خير دليل سوف تعود ثانية لتكمل المسيرة مع الناصري نحو الجلجثة، إلى جانب تركها الحياة القديمة .
تضحيتها: " تركت جرَّتها ـ الحياة القديمة " كما ترك التلاميذ شباكهم وتبعوا المسيح.
غيرتها : " مضت " إنها ركضت بقدمين تسبقان أجنحة الطائر بسيرها.
شجاعتها، وطنيتها: " تتجه نحو المدينة " لا نستطيع أن نقدر شجاعة السامرية إلاَّ اذا عدنا إلى تاريخها وتقدير أهل بيتها ومدينتها لها. لقد شعرت أنها مُحملَّة برسالة سامية لابدَّ أن تبلغها لأهل مدينتها أولاً. وهذه الغيرة والشجاعة تدل على وطنيتها وحبها للأرض والانسان.
رسالتها: " هلموا وانظروا انساناً قال لي كل ما فعلت "
حكمتها: " لم تحاول السامرية أن تكلمهم عن شخص المسيح، خوفاً من عدم اقناعهم، ولذلك رأت أفضل طريقة هي أن تُحضرهم اليه وتواجههم به. لا تريد أن تصبح هي "الجرة " تحمل اليهم ماء الحياة بل ارادت أن تأتي بهم الى النبع أصل الحياة " النهر الصافي ـ يسوع المسيح " ليشربوا بأنفسهم ويرتووا.
لقد شبعت من الماء الحي وفتحت الطريق للغير ليشبعوا، لكي تقتل انانيتها وحب الذات في طبيعتها الفاسدة، واستقت من الينبوع الإلهي الفيّاض لتتحول بدورها إلى رافدٍ نميرٍ من روافد رياض الله الغزير يتفجر من صخرة يسوع الحي فيسقي عطش الاخر في عالم الانسان الظمآن بقفار الألم والعذاب والخلاص.
بركة خدمتها: " فخرجوا من المدينة وأتوا اليه ـ أي أهل سوكار والسامرة " وهذا أعظم نجاح قدمتهُ للبشريَّة وللسماء ما من دونه نجاح من بعد نجاح بعض الرسل.
إذاً نحن أمام شخصيةِ عجيبة منفردة من نوعها في كتاب الله القدوس ... إنها السامرية: الخاطئة ..... المتَّعظة ..... التلميذة ..... التائبة .... والمبشرة. لا نحسدك أيتها العظيمة لأن وضعك لا يُحسد عليه،غير أنَّ جرأتك وإيمانك وتواضعك استطعت أن تقتحمي أرفع وأعرض الخطوط الحمراء التي كونتها الايادي الإنسانية الضئيلة المندحرة أمام قوة وعظمة ارادتك المريدة، وكأنك عروس روحية لذاك العريس السماوي فيتم فيك قول سليمان الحكيم في نشيده: " هذا حبيبي وهذا خليلي يا بنات أورشليم. نش 5: 16 "
أجل لم تحسب حساب لأي ردت فعل ، َمن كان بمكانها لتراجع وتقهقر وضعف، لأنها كانت منبوذة ومرفوضة من الكل، الجميع يطاردونها ويبتعدون منها ولا يتعاملون معها.
هذا كان السبب بأن تذهب إلى بئرٍ بعيد عن الأنظار في ساعات القيلولة تتحمل عناء السير على الاقدام في حرّ النهار لتصلَ بئرَ يعقوب، رغم كان يوجد بئرٍ في قريتها سوكار. ولكن الرب كان له مخطط سابق وهدف سامي بعيد من فكر الانسان الزمني المحدود كقول الرسول بولس : " اذ سبق فعيَّننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرَّة مشيئتهِ. افسس1: 5 "
وعندما قابلت يسوع تحولت حياتها وتبدلت طبيعتها فأسرعت ودخلت المدينة بكل قوة وايمان وإقدام لأنها نالت قوة جديدة وطبيعة جديدة وإنسانية جديدة.
قديماً كانت تسير وكيف تسير ...... تسيرُ بخطوات هادئة وصوتٍ خافت لكي لا يراها أحد لأن الجميع يتحاشها ..... تسيرُ منقّبة ونظرها يرنو إلى الأرض. أما الآن تدخل المدينة رافعة الرأس، ناصعة الجبين وفي لسانها ألف كلمة وألف وقافية ونشيد وتصرخ بأعلى صوتها وتقول: أنا هي المرأة السامرية، فوتين الناصري تلميذة يسوع لقد وجدت الرجل الذي كشف عيوبي وأوزاري وآثامي ، هذا الذي يمتاز عن أنبياء الله وأتقياء لله وكهنة الهيكل ومعلمي الشريعة والناموس. وهكذا هدأت نفسيتها وارتقت روحها وتسامت معرفتها بمعرفة المسيح وفكر المسيح ، ونالت قوة عظيمة لا مثيل لها بين نساء سوكار والسامرة. تريد أن تقول لنا هنا أنا خجلي هو من الله الغير منظور وليس من البشر المنظورين والمدركين.
هذه هي النعمة الربانيَّة الخفيَّة التي تفتقدها الإنسانية بين فَينٍ وفين، هذا هو الطبيب الحاذق الذي جاء ليشفي أمراضنا وينهض بكبوتنا وضعفنا ويعالج نقائصنا مانحاً إيَّانا الداء والدواء.
إنه المنقذ ..... إنه الطبيب فالمعلم ..... هو يسوع ..... هو الماسيَّا مشتهى الأجيال ابن الناصرة البار والمبرّر.

تتيمة الختاميَّة:
الحوار الختامي في قصة امرأة ورجل .....!!
صورة العضو الرمزية
إسحق القس افرام
مدير الموقع
مدير الموقع
مشاركات: 48843
اشترك في: السبت إبريل 17, 2010 8:46 am
مكان: السويد

Re: المرأة السامرية ويسوع الناصري قصة وحوار وتأمل " يوحنا 4: 1 ـ 30 " تأمل لراهب سرياني / الأب الربَّان رابولا صومي ـ س

مشاركة بواسطة إسحق القس افرام »

:croes1: فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ :croes1:
صورة
صورة
أضف رد جديد

العودة إلى ”܀ منتدى المرشد الروحي للأب الربّان رابولا صومي.“