يســـــــــــوع المصلوب
مرسل: الأربعاء إبريل 11, 2012 4:05 pm
من كثرة ما يُكتب من مواضيع دينية .. حسدتُ رفاقي وعدتُ الى مكتبتي المتواضعة والى مقالة أعتبرها خالدة من مقالات المبدع جبران خليل جبران في ما كتبه في احدى الجمع العظيمة التي عاشها في حياته ... فاختصرتها بكل تواضع لئلاّ تكون مملّة على القارىء ... يقول فيها .
اليوم تستيقظ الأنسانية من رقادها العميق ناظرة بعيون مغلّفة بالدموع نحو جبل الجلجلة لترى الناصري معلّقا على خشبة الصليب ... وعندما تغيب الشمس .. تعود الأنسانية فتركع مصلّية امام الأصنام المنتصبة على قمّة كل رابية .
واليوم تقود الذكرى أرواح المسيحيين الى جوار اورشليم محدّقين الى شبح مكلّل بالأشواك باسط ذراعيه امام اللانهاية ... ويترك الفلاسفة كهوفهم المظلمة والمفكّرون صوامعهم الباردة والشعراء اوديتهم الخيالية .. يقفون جميعهم على جبل عال مصغين الى صوت فتى يقول لقاتليه ـ يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يدرون ما يفعلون ـ
والنساء المشغولات ببهجة الحياة يخرجن اليوم من منازلهن ليشاهدن المرأة الحزينة الواقفة امام الصليب وقوف الشجرة الليّنة أمام عواصف الشتاء .. ويقتربن منها ليسمعن أنينها العميق وغصّاتها الأليمة .
الأنسانية امرأة يلذ لها البكاء والنحيب على أبطال الأجيال ... ولو كانت الأنسانية رجلا ... لفرحت بمجدهم وعظمتهم.
الأنسانية ترى يسوع الناصري مولودا كالفقراء .. عائشا كالمساكين مهانا كالضعفاء .. مصلوبا كالمجرمين .. فتبكيه وترثيه وتندبه .. وهذا كل ما تفعله لتكريمه .
ولكن ... ما عاش يسوع مسكينا خائفا .ز ولم يمت شاكيا متوجّعا بل عاش ثائرا وصٌلب متمردا .. ومات جبّارا .
لم يكن يسوع طائرا مكسور الجناحين .. بل كان عاصفة هوجاء تكسر بهبوبها جميع الأجنحة المعوجّة .
لم يجىء يسوع ليجعل الألم رمزا للحياة بل جاء ليجعل الحياة رمزا للحق والحرية .
لم يخف يسوع مضطهديه ولم يخشَ أعداءه . ولم يتوجّع أمام قاتليه .. بل كان حرا على رؤوس الأشهاد جريئا امام الظلم والأستبداد .. يرى البثور الكريهة فيبضعها ، ويسمع الشر متكلّما فيخرسه .. ويلتقي الرياء فيصرعه .
لم يهبط يسوع ليهدم المنازل ويبني من حجارتها الأديرة والصوامع .. ويستهوي الرجال الأشدّاء ليقودهم قسوسا ورهبانا .. بل جاء ليبثّ روحا جديدة تقوّض قوائم العروش المرفوعة على الجماجم وتهدم القصور المتعالية وتسحق الأصنام المنصوبة على اجساد الضعفاء المساكين .
لم يجىء يسوع ليعلّم الناس بناء الكنائس الشاهقة والمعابد الضخمة في جوار الأكواخ الحقيرة والمنازل الباردة المظلمة .. بل جاء ليجعل قلب الأنسان هيكلا ونفسه مذبحا وعقله كاهنا .
فلو عقل البشر لوقفوا اليوم فرحين متهلّلين منشدين أهازيج الغلبة والأنتصار .
فأنت ايها الجبّار المصلوب الناظر من اعالي الجلجلة الى مواكب الأجيال ، السامع ضجيج الأمم الفاهم أحلام الأبدية ، انت على خشبة الصليب المضرّجة بالدماء .... أكثر أجلالا ومهابة من ألف ملك على ألف عرش في ألف مملكة ... بل انت بين النزع والموت ... أشدّ هولا وبطشا من ألف قائد في ألف جيش في ألف معركة .
انت بكآبتك أشدّ فرحا من الربيع بأزهاره ... انت بأوجاعك أهدأ بالا من الملائكة بسمائها ... وانت بين الجلاّدين أكثر حرية من نور الشمس .
ان اكليل الشوك على رأسك هو أجل وأجمل من تاج بهرام ... والمسمار في كفّك أسمى وأفخم من صولجان المشتري ... وقطرات الدماء على قدميك أسنى لمعانا من قلائد عشتروت ...
فســـــامح هؤولاء الضعفاء الذين ينوحون عليك .. لأنهم لا يدرون كيف ينوحون على أنفسهم .... واغفر لهم لأنهم لا يعلمون .. انّك صرعت الموت بالموت ........ ووهبت الحياة لمن في القبور
مختصرة بقلم حنا خوري