صوتُ صفيرِ البلبل . بقلم : فريد توما مراد

أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
فريد توما مراد
عضو
عضو
مشاركات: 764
اشترك في: الجمعة أغسطس 31, 2012 9:00 am

صوتُ صفيرِ البلبل . بقلم : فريد توما مراد

مشاركة بواسطة فريد توما مراد »

صوتُ صفير البلبلِ

كما تفرح الأم بمولودها الجديد
هكذا يفرح الشاعر بمولوده الجديد أيضاً
وكما تهفو الأم على إبنها فترعاهُ وتهبهُ الحب والحنان
وترى فيه مستقبل حياتها وسعادتها
هكذا الشاعر أيضاً يهفو على مولوده ويعطيه كل الحب
والحنان ، ويرى فيه مستقبل حياته وسعادته
الأم والشاعر كلاهما واحد ، يملكان نفس المشاعر
والأحاسيس تجاه مولودهم ، والفرق بين تلكَ وذاكْ
هو مدّت الحمل ! فتكون عند الأم تقريباً محددة
أما عند الكاتب فهي غير محددة ، قد تكون أيام أو أشهر أو سنين !.
في الماضي البعيد كانت القبيلة والعشيرة تفتخر
بشعرائها ، كان للشاعر مكانة كبيرة ، ومنزلة رفيعة
ويقال عندما كان أحّدهم يمر بجانب قرية ما ، كان
أهلها يسرعون ويهرعون للقاءهذا الشاعر ، وكانوا
يقدمون إليه الهدايا ، ويتحايلون عليه كي يُعرّج
ويكون ضيفهم ، لا بل في بعض الأحيان كانوا
يتمنوا أن يصاهرهم ويتكرم ويأخذ إحدى بناتهم.
لم تكن مكانة الشعراء فقط عند العوام ، بل عند
الأمراء والسلاطين والملوك والخلفاء.....أيضاً
وكانوا يتفاخرون ويتسابقون بإكرامهم وخلع الهدايا
عليهم من المال والذهب والفضّة ، خصوصاً في
قصائد المدح لهم ، والقذح لأعدائهم .
يُقالْ أن الخليفة أبي جعفر المنصور كان حريصاً
جدّاً على بيت المال ، فلا يُكرم الشعراء بحسب
العادة المتّبعة وكما يُليق بهم ، وكان قد أتّخذ حيلة
يُجريها عليهم ، فكان يشترط على الشاعر قبل أن
يقول قصيدتهُ ، إذا لم يكن قد سمعها قبل هذه المرّة
فسوف يعطيهِ ذهباً بمقدار وزن ما كُتبت عليه
القصيدة ، أمّا إذا سمعها هو أو أحّداً غيره من
قبل فلا يأخذ شيئاً ! وُيقال أن الخليفة كان يحفظ
القصيدة من أول مرّة ، وعنده غلاماً يحفظها من
ثاني مرّة ، وجارية تحفظها من ثالث مرّة ، فعندما
يقول الشاعر قصيدته وينتهي ، يقول له الخليفة :
هذه قد سمعتها سابقاً ، ويبدأ بإلقائها عليه ، وعندما
ينتهي يقول: إذا أردّتَ أن تتأكد أكثر فلديَّ غلام
وجارية قد سمِعاها أيضاً ، (ويكونان قد إختبأَ
خلف الستارة وسمِعا كل شيء ) فَيأمر بإحضارهم
فيقولان القصيدة كما هي ، فيعود الشاعر المسكين
خائباً حزيناً .

كان الشعراء جالسون وعلامات الكلل والملل
بادية عليهم ، عندما دخل عليهم الشاعر الأصمعي
ورآهم هكذا فقال: مابكم ؟ فأخبروه بقصتهم مع الخليفة
وهم في يأسٍ شديد ، و قالوا: الأغرب ما في الأمر إننا
نكتب القصيدة في المساء ، ونذهب في الصباح لنلاقي
القصيدة قد سُرقت وقيلت من قبل .!
فعلِمَ الأصمعي أن في الأمر حيلة ، وكان ذكيَّاً جدّا.ً
بعد أيام قلائل طلب الأصمعي أن يؤذن له بالدخول
على الخليفة ليلقي عليه قصيدته ، فأُذن له ، فدخل
فقال له الخليفة : أتعرف الشروط ياأصمعي ؟
فقال : نعم أعرفها جيّداً يامولاي .
فقال له الخليفة : هاتْ إذاً إسمعنا مالديك .
فقال الأصمعي : قصيدتي يامولاي هي بعنوان
( صوتُ صفير البلبلِ )
فقال الخليفة بينه وبين نفسه لابدَّ أنها سهلة وهذا واضحٌ
من مطلعها .
فقال الأصمعي :
صوتُ صفير البلبلِ
هيَّجَ قلبي الثملِ

الماءُ والزهرُ معاً
مع زهر لحظِ المقلِ

وأنتَ ياسيدَ لي
وسيدي ومولى لي

فكم فكم تيّمُ لي
غزيّلٌ عُقيقلي

قطفتهُ من وجنة
من لثمِ وردِ الخجلِ

فقالَ: لالالالالا
وقد غدا مُهرولِ

والخودُ مالت طرباً
من فعلِ هذا الرجلِ

فولولت وولولتْ
فلي ولي ياويلا ليْ

فقلتُ لاتولولي
وبيّني اللؤلؤ ليْ

قالت له حينا كذا
أنهض وجِد بالمُقلِ

وفتيةٍ سقوا نني
قهوةٌ كالعسلَ لي

شممتها بأنفي
أزكى منَ القرنفلِ

في وسطِ بستانٍ حلي
بالزهرِ والسرور لي

والعودُ دنْ دنْ دنا لي
والطبلُ طبْ طبَ لي

طب طبطب طب طب
طبطب طب طابَ لي

والسقفُ سق سقَ لي
والرقصُ قد طابَ لي

شَوى شتوى وشاه شو
على ورق سفرجلِ

وغرّد القمري يصيح
مَللٌ في مللِ

ولو تراني راكباً
على حمارٌ أهزلِ

يمشي على ثلاثةٍ
كمشيةَ العرنجلي

والناسُ ترجم جملِ
في السوقِ بالقلقللي

والكلُ كعكع كعي كع
خلفي ومن حويللي

لكن مشيتُ هارباً
من خشيتِ العقنقلي

إلى لقاءِ ملكٍ
معظّمٍ مُبجلِ

يأمر لي بخلعةٍ
حمراءُ كالدم دَملي

أجرُ فيها ماشياً
مُبغدداً للذيلِ

أنا الأديب الألمعي
من حي أرض الموصلِ

نظمتُ قطعاً زُخرفت
يعجزُ عنها الأدبلي

أقولُ في مطلعها
صوتُ صفير البُلبُلِ .

عندما إنتهى الأصمعي من إلقاء قصيدتهُ ، وقفَ الخليفة
في حيرة ووضع يده على ذقنه وأخذ يصفن ، لأنه لم
يحفظ منها شيئاً سوى مطلعها فقط ، وهو قد يحتاج لأيّام
عديدة لكي يستطيع أن يحفظ الطبطبات والكعكعات
المذكورة فيها ، فقال: إندهوا ليّ على الغلام والجارية
فلمّا حضروا بين يديه قالَ للغلام : أسمِعتَ من قبل
قصيدة مطلعها صوتُ صفير البلبلِ ؟ فقال الغلام :
صوتُ صفير البلبل هيّج قلبي ال......ثمَّ بدأ يتلعثم
في الكلام ، فقالَ لهُ الخليفة : إخرس ! قبَّحَ الله وجهك
وأنتِ أيّتها الجارية هل سمعتيها من قبل ؟ فقالت :
أبداً يامولاي ! فقال: إغربا من أمام وجهي .
ثمَّ قال : هات ياأصمعي وأعطينا ماكتبتَ عليهِ
قصيدتكَ لنزنْ لكَ بثقله ذهباً ، فقالَ الأصمعي :
إنني يامولاي قد ورثتُ من أبي لوحَ رخام فنقشتُ
عليه قصيدتي ، وهوعلى ظهرِ الجمل ويحتاج إلى
أربعٌ من جنودكَ لحمله ! فاإندهش الخليفة ولكنه قبل
أن يقولَ شيئاً قالَ لهُ الأصمعي : أظنّكَ يامولاي
لم تشترط من قبل على ماذا يجب أن تكتبْ القصيدة
فأمرَّ الخليفة القائم على بيت المال أن يُعطي الأصمعي
حقَّهُ ، فقالَ له : ولكن يامولاي إذأ أعطيته هذا فسوف
تفرغ خزينة بيت المال ! فماذا سنعطي للفقراء
والمحتاجين ؟ وكيفَ ستسير الأوضاع ؟و.....وأ .
وهُنا تتدخّل الأصمعي وقالْ : إنني يامولاي مُستعدٌّ
أن أتنازل عن حقي ولكن بشرط ؟ فقال لهُ الخليفة:
وما هو شرطكَ ياأصمعي ؟ قالَ : شرطيَ ياأمير
المؤمنين هو أن تنصف الشعراء وتعطيهم مايستحقون
ولاتبخل عليهم ! فقال : لقد قبلتُ الشرط . !
لم تكن غايتي أبداً من سرد هذه القصَّة التي أنا واثقٌ
قد قرأها الكثيرون مسبقاً أو سَمِعوا بها ، سوى أن
أصلْ من خلالها بمقارنة سريعة بينَ ما جرى للشعراء
في الماضي مع أبو جعفر المنصور ، وما يجري
اليوم مع شعراء العصر ! وأنا برأيِّ أنَ لافرقَ بما
جرى ، وما يجري .! فأبو جعفر المنصور كانَ
حريصاً على بيت المالْ ، ولا يُريد أن يفرّط به
خصوصاً للشعراء ، لهذا كانَ قد إبتدعَ تلكَ الحيلة .
ويظهر أن غالبية الناس اليوم حريصون على
بيت المال ، ولا يُريدون أن يفرّطوا به خصوصاً
للشعراء ، فهذا الشاعر المسكين الذي يبذلْ قصارة
جهدهُ ، ويضع عصارة أفكارهُ ، ليُخرج كتاباً
بعدَ جهدٍ جهيد ، ويفرح بهِ كفرحة الأم بمولودها
ويأتي ليقدّمه للمجتمع ، وكلّهُ أملاً وثقة أن يلقى
إعجاب وإقبال الناس ، أوحتى كلمة شكر وثناء.
يصطدم بالواقع المرير ، عندما يرى الجمود
وعدم الإهتمام واللامبالات ، فيشعر وكأنّه
في وادٍ ، وهم في وادٍ آخر ، لا بلْ في بعض
الأحيان يُنعتْ هذا الشاعر بالجنون ، أو
بالخروج عن المألوف ( ولو علِموا بأن مرتبة
الشعراء تأتي الثانية بعد الفلاسفة ) لما فعلوا
ذلكْ ، ولكن من أين لهم ليعلمون ، لطالما
هم في عالم والشاعر في عالمٍ آخر ، هم
في عالم الماديَّات والشاعر قد حلَّقَ بعيداً
عن هذا العالم ، طالما هدفهم الوحيد هو السعي
وراء المال والغوص في كنوزهِ ، وهو قد
غاص بأعماق الكلمة وأبحرَ في محيطاتها
نعم هذا الشاعر التعيسْ الذي برغم مجهودهُ
الفكري والمعنوي ، قد يكلِّفهُ هذا الكتاب
المبلغ الغير مُستهانٍ به ، في الحال الذي
قد يكون هوَ بغاية الحاجة إليه ،لكنه يُكابد
من أجل خدمة العلم والإنسانيّة ، من أجلِ
أن يحترق هو ليُسعدْ الآخرين ، فعندما
لايلقى إقبالٌ من قِبلِهمْ ، يضطر للنزول
إليهم بنفسه ، ليعرض عليهم( بضاعتهُ)
عصارة جهدهُ ، فيجاملهم ويستلطفهم
ويتحايل عليهم لتصريف ما إستطاع
من هذه البضاعة ، فالكثيرين منهم يقدّمون
الحجج والأعذار ، فهذا ليسَ عندهُ مجال
للقراءة ، وهذا يقول سأشتريه لاحقاً ، ولا
يفعل ، وآخرٌ يحسبها بينه وبين نفسه ويقول:
ماذا سأفعل بالكتاب ، ولو إبتعتُ ورقة يانصيب
بهذا المبلغ ربّما ربحتُ ، وآخرٌ يقول أيضاً
بينه وبين نفسه : سوف أشتري بهذا المبلغ
( كروز دخّان ) يكفيني أسبوعاً على الأقل !
وهلمّا جرى من الحجج والأعذار والبدائل
تهرُّباً من إقتناء الكتاب ، جميعهم حريصون
على بيت المالْ ، القلّة القليلة فقط التي تفرح
وتبتهج وتشجِّع وتقتني . نحنُ اليوم في عصر
أبو جعفر المنصورالثاني ، فالأغلبيّة صارت
أبو جعفر المنصور، ولكن أينَ لنا من حضور
الأصمعي اليوم لنجدة الشعراء ! ليتحايل
على هؤلاء الحريصون على بيت المال
ويأخذ بحقهم ؟!
أو هل يجب على الشعراء ذاتهم أن يتحولوا
إلى أصمعيّاً ثانٍ ويخاطبوا الناس بنفس
الأسلوب كي تفتح لهم طاقة الفرج ؟!
أو ربمّا يُحوّلوا قصائدهم كلها إلى قصيدة
واحدة معقَّدة وصعبة وسطحيّة وساذجة
كقصيدة :
( صوتُ صفيرِ البلبلِ )
والسؤال يبقى مطروحاً وقابل للنقاش !!!


فريد توما مراد
صورة العضو الرمزية
ابن السريان
مراقب عام
مراقب عام
مشاركات: 1881
اشترك في: الجمعة إبريل 16, 2010 7:22 pm

Re: صوتُ صفيرِ البلبل . بقلم : فريد توما مراد

مشاركة بواسطة ابن السريان »

سلام الرب معك
أشكرك أخي الحبيب فريد على طرحك الهام والرائع
كان للكلمة مكانة في عهد غابرة فكان لها أثرها
فكان يقال عن الرجل الحقيقي أنه صاحب كلمته
فكانت الكلمة مقياس الشرف والبطولة والمكانة
ومن الطبيعي كان صااحب الكمة موقراً بين الجميع
من شاعر او كاتب أو معلم أو مؤرخ وووو
فمن الكلمة الشعر كما ذكرت لقد تحول لسلعة
بعد ان تحول الشعر لغناء فشابه الكثير من الشوائب
فبتنا نسمع كلام لا معنى له لأن صاحبه صفه لأجل اللحن فقط
والكل يرقص على أنغامه غير مبالي بالكلمة من هنا فقدت مكانتها
وكما قلت الشعر الحقيقي غرق في هموم الدنيا وأطماعها
فتحول مقياس السعادة من السعادة الروحية إلى السعادة الجسدية
التي تعتمد بدورها على المتع الدنيوية وعصبها المال
بعد اليوم نادراً نجد من يهتم بالكلمة ومعناها وكيف ولدت
لم يبالي أحد في ولادة قصيدة من رحم الحياة والمعاناه والتجربة
لأن الكثير أصبح يعتقد ولادتها اصطناعية مثل الأغاني الهابطة
لن أقارن بأغاني زمان واليوم لأنه لا يجوز المقارنة مطلقاً
ربما أتكلم من حرقة قلبي لأنني أحدهم من حرقته نار التجاهل
فقد على سبيل المثال ( نشر مباركة لشخص بعيد ميلاده
على موقع وكانت الردود أكثر من 20 رد )
أما لو نشرت قصيدة أو مقالة لن تجد اكثر من ردين أو ثلاث
وأعتقد لا يوجد حجة لمن رد على ذاك الموضوع واهمل الثاني
صحيح من واجبنا تبادل التهاني لكن أعتقد من واجبنا تجاه الجهد
الكبير المبذول لصياغة هذا المقال أو الشعر .
لا أعرف أين هي المعضلة في الكلام أم في الأشخاص ؟
لكن أضعف الأيمان هو كلمة ( شكراً لك ) فهي تأخذ وقتاً منه
أرجو أن نشاهد الكثير من الردود لأغناء المناقشة
بركة الرب معك

بركة الرب معكم
أخوكم: ابن السريان


صورة
صورة العضو الرمزية
سعاد نيسان
مشرف
مشرف
مشاركات: 15671
اشترك في: الأربعاء أكتوبر 27, 2010 5:08 pm

Re: صوتُ صفيرِ البلبل . بقلم : فريد توما مراد

مشاركة بواسطة سعاد نيسان »

الله يرحم أيام زمان عندما كنا نقول :الكتاب خير صديق خير أنيس
ربما تكون صح عند أقلية من الناس .ولكن دائماً نرى المكاتب تكتب عبارة ترخيص 50% ما حدا شايف,
أما محلات الألبسة يا ساتر.أوتزيلات على المواد الغذائية الله يستر.
على كل :العلم نور والجهل ظلام
شكراً لك على موضوعك الرائع,نحن بانتظار كتابلتك الرب يوفقك
ام تغلات
أقتن الذهب بمقدار أما العلم فاكتسبه بلا حد لأن الذهب يكثر الآفات أما العلم فيورث الراحة و النعيم .
صورة العضو الرمزية
فريد توما مراد
عضو
عضو
مشاركات: 764
اشترك في: الجمعة أغسطس 31, 2012 9:00 am

Re: صوتُ صفيرِ البلبل . بقلم : فريد توما مراد

مشاركة بواسطة فريد توما مراد »

أخي العزيز ( إبن السريان ) الأصيل . سلام ونعمة

كنتُ أعلم حقَّ اليقين عندما كتبتُ مقالتي هذه ونشرتها
أنها لن تلقى أيُ ردود ، لأن موضوعها حسَّاسٌ للغاية
وربما لهذا السبب أنهيتها بهذه الكلمات :
( ويبقى السؤال مطروحاً وقابل للنقاش )
أنا أعلم جيّداً بأنَّ الحقيقة مُرّة ، ومن أجل الحقيقة
وقعتُ بينَ أمرَّين ، إما أن أسكتْ وأبلع وأتحسَّر
وإمَّا أن أكتب وأريّح نفسي مقابل أن ( أتمرمرْ )
من قبل البعض ،وهذا الأخير لا يهم أبداً لأنَّ الحق
يجب أن يُقال مهما كان الثمن وكانت النتيجة .
وأعلم يا أخي إنني عندما كتبتُ هذه المقالة ، لم أستوحيها
من عالم الغيب ، بل من الواقع المرير الذي نعيشهُ
وأنا لا أُجيد لغة الثرثرة والكلام الفارغ بالكتابة
وإذا وصلتُ لا سمح الله في يوم من الأيام إلى هذا
المستوى ، فخيرٌ ليَّ أن أتوقّفْ ، لكن عندما كتبتها
كانت من خلال تجربة أو واقعة حدثتْ معي بالذَّات
قبل أسابيع من كتابتها .
نعم قبل أسابيع كانَ أحّد الأصدقاء قد أصدرَ كتاباً لهُ
( وكان هذا العمل الأول لهُ والفرحة الأولى التي يفرحها
بعدَ التعب والجهد الذي بذلهُ لغاية رؤية نتاجهُ النور )
كانت علامات الفرحة والسعادة بادية على وجههِ
وبما أنَّ الإقبال على الكتاب في هذه الديار التي نعيشها
أصبحَ قليلاً جدّاً وفاتراً ، لهذا أضّطر صاحبنا للنزول
برجليهِ إلى الناس ، علاَّ وعسى يستطيع تصريف
( بضاعتهُ ) وعُذراً إذا أسميتها هكذا ، لأنه لو كانت
بالفعل بضاعة رخيصة الثمن ، لأقبلَ الناس عليها
أكثر ، وتسارعوا لشرائها ، المهم كنّا جالسين في لوكال
الكنيسة ، وصاحبنا هذا يتنقّل هنا وهناكْ ، يستلطفُ هذا
ويسايرُ ذاكَ والإبتسامة لا تفارق مبسمهُ
يحاول أن يشرح ويتكلّم عن محتويات كتابهُ
وكم أخذ منه هذا العمل من وقتٍ مضني وساعاتٍ
طوال ، كل ذلك على أمل أن يقنعهم بشرائه .!
لكن الشيء الذي لفتَ إنتباهي وأقلقني وأزعجني
جدّاً جدّاً ، هو ملاحظتي لإثنان من الذينَ كانوا
مدرسين ومعلمين ومربيين للأجيال هُناك في بلدهم
عندما كانَ صاحبنا هذا يكلِّمهم ويتناقش معهم عن
الكتاب ، وربما كانوا يجاملونهُ في تلكَ اللحظة
ولكن بمجرَّد أن ودَّعهم وأدارَ ظهرهُ لهم ، أخذوا
يتغامزون ويكتمون ضحكاتهم ،وبدتْ منهم حركات
تدل وكأنهم كانوا أمام مهرِّج أو إنسان غير طبيعي.
( هذا المشهد بالتحديد هو الذي دعاني لكتابة ما كتبتُ )
أجل ياأخي هؤلاء المعلمين والمثقَّفين حيثُ كُنَّا نبجِّلهم
ونحترمهم ، ولا نلفظ إسمهم قبل أن نضعْ أمامهُ كلمة
(أستاذ .!) هؤلاء أصبحوا اليوم يستهزئون ويتغامزون
ويشمتون ويسخرون من الِعلمْ وصاحب العِلمْ
(فسبحان الذي غيَّر الأحوالْ ).!!
أمَّا أنا فلهؤلاء أقول : أفعلوا ما طابَ لكم ، ولكن
تذكَّروا دوماً أننا كسريان إن أفتخرنا بتاريخ أجدادنا
فبعلمهم وثقافتهم وأدبهم نفتخر، وبتلكَ الكنوز القيِّمة
التي قدَّموها للإنسانيَّة ، أمثال أفرام السرياني ، والرهاوي
والسروجي ، وإبن العبري ، وغيرهم أعدادٌ كبيرة لا مجال
لذكرهم جميعاً ، ومن المؤَّكد مرَّ في تاريخ السريان العديد
من الأغنياء والتّجار والساعيين وراء المال ، ولكن أينَ
هوَ ذِكرهمْ الآن ؟ لقد غيَّبهم التاريخ وطوى معالمهم .
ونحنُ إن أفتخرَ بنا غداً أولادنا وأحفادنا فبماذا يفتخرون ؟
هل سيقولون عنّا بأننا كُنَا نملكْ (مطاعم ومتاجر وفنادق
ومحلاَّت لبيع السيَّارات ومقاهي وديسكوهات ... ألخ )
والحديث في هذا المجال يطول ، ولكن يبقى
السؤال مطروحاً وقابل للنقاش.!!!
شكراً لكَ أخي ( إبنَ السريان ) وفَّقكَ الرب
وغمركَ بمزيد من المعرفة والعطاء.
أنتَ كتبتَ مقالة وعنونتها( بأم تُغتصبْ أمام عيون أولادها )
وأنا كان من الأفضل أن أُعنونْ مقالتي( بأخ يُجرح أمام عيون إخوتهُ)

أخاكَ بالرب
فريد
[/size]
صورة العضو الرمزية
فريد توما مراد
عضو
عضو
مشاركات: 764
اشترك في: الجمعة أغسطس 31, 2012 9:00 am

Re: صوتُ صفيرِ البلبل . بقلم : فريد توما مراد

مشاركة بواسطة فريد توما مراد »

أختي العزيزة ( أم تغلات ) سلام بالرب يسوع
شكراً جزيلاً على مداخلتكِ القيَّمة ، وهذا دليل
على مدى تمسُّككِ بجذوركِ وأصالتكِ ، ولن
تُضيِّعي أتعاب السنوات الخوالي التي كنتِ قد كرَّستيها
للعلم والمعرفة والثقافة ، والدليل أنكِ تكتبين وتشاركين
وتصيبينْ الهدف في صميمه ، ومعكِ أقول :
رحمَ الله أيام زمان

شكراً لكِ مرَّة أُخرى
ودمتِ بأمان الله

أخاكِ بالرب
فريد
[/size]
أضف رد جديد

العودة إلى ”منتدى الكاتب والراوي فريد توما مراد“