حدّثني أبي الكاهن . بقلم : فريد توما مراد
مرسل: الأربعاء مارس 20, 2013 9:21 pm
حدَّثني أبي الكاهن .
كنتُ قبل بضعة سنوات ، في بعض الأحيان عندما أستقل الباص
من محل عملي ، عائداً إلى منزلي .. ألتقي بأحّد الآباء
الخوارنة الأفاضل .. أطال الله بعمره ..كنا قد أصبحنا بمثابة أصدقاء
وفي غياب أحدنا ، كان الآخر يسأل عليه ويتمنى أن يكون المانع خيراً..
وبالطبع كنا كلما ألتقينا في الباص ، وجلسنا بجانب بعضنا البعض ، يأخذنا
الحديث فنتكلم في أمور شتىَّ ريثما يصل كلٌ منَّا إلى محطة نزوله ...
حدثني مرّة وقال : كنت جالساَ في إحدى المرّات مثلَ هذه الجلسة
وكنتُ قد وضعت محفظتي بجانبي حيث كان فارغاً ، التي كانت تحتوي
على الكتاب المقدس والهرّاروصليب وبعض الأوراق المتنوعة
وقليلاً من البخور ، وكما تعلم الأشياء التي نحتاجها في الخدمة ..
وإذا بأحدهم يصعد الباص ( وبرغم وجود أماكن كثيرة فارغة )
أتى مباشرة ولم يحلو له الجلوس إلاَّ فوق محفظتي ...! وراح ينظر بين
الفينة والأخرى إلى الصليب الذهبي المعلق على صدري ، المتدلي من خلال
سلسالاً ذهبيّاً، الشيء الذي أغراهُ وجعله يظنَّ بأنه من الذهب الخالص .. فبدأ
يجول بنظره بين الصليب المتدلي علىصدري ، وبين وجهي ، وأحياناً يُلقي
بنظرة خاطفة على لباسي! المهم طلبتُ منه
بكل أدب أن يقفْ بعض الشيء ، لأتمكن من سحب محفظتي ..حاولت معه
المستحيل ، ولكن دون جدوى .. لا بل تمركزَ عليها وثبَّت جلسته أكثر
وكأنه بهذا يتحداني ويقول: أفعل ما تشاء .. فما أنا بقائم ...
كان شاباً في حوالي الثلاثين من عمره .. لم تكن بادية عليه علامات
الفلتنة والأنصياع .. حتى منظره الخارجي لم يكن يوحي بذلك ..
وعندما كان يتكلّم ، يتكلم بهدوء وبثقة عالية بالنفس ... وكما تعلم
يا (فريد) ، فلغتي السويدية هي على قد الحال .. لهذا حاولت قدر الإمكان
أن أشرح له بأنني( كاهن ) وهذه الجنطة التي تمركزت عليها ليس
بداخلها سوى الكتاب المقدّس وصليب وبعض الأوراق ..و... الخ
كما حاولت أن أقنعه بأن الصليب الذي على صدري هو من النوع
التقليد وليس ذهباً ...نعم بلغتي السويدية البسيطة المتواضعة
كنتُ أكلمه ، وكانت الأفكار والتوقعات العديدة تدور في مخيِّلتي
فكنت أقول بيني وبين نفسي : أخشى ونحن نقترب إلى أقرب
محطة وقوف ، أن يفعل فعلته ، فينتشل الصليب من على صدري
ويأخذ المحفظة ويهرب ، وأنا بالطبع لن أتمكن من الجري خلفه
وأنا في هذه الثياب ، ناهيك عن تراكم الثلوج التي بكل تأكيد
ستعرقل مسيرة اللِحاق به ..والشيء الذي أرعبني أكثر هو
ما سمعته منذ أيامٍ قلائل عن مثل هذه الحوادث التي تحصل ، ثم
تقيَّد في النهاية ضد مجهول ...لهذا أول مافعلتهُ ، قمتُ بخلع
الصليب من حول رقبتي ووضعه في جيبي ، لا لقيمته المادية
بل لقيمته المعنويّة أولاً ، ثم بالدرجة الثانية (وأعترف بذلك )
خشيتُ على سلامة رقبتي ، خصوصاً عندما تخيَّلت المشهد
وكيف هو بقبضته يشدني شدّاً ، والجنزير الثخين يأبى الإنقطاع ..
حاولت أن أتكلّم معه للمرّة الأخيرة مستسمحاً ومترجيّاً أن
يقوم من على ممتلكاتي ..لكنه هزَّ رأسه بإشارة توحي إلى النفي
وهنا لمحتُ بأنَّ الباص يقترب من إحدى المواقف ، ولم يبقى
إلاَّ دقائق معدودات حسب ظني على وقوع الكارثة ..!
وضعتُ يدي اليمنى داخل القفَّاز الأيمن ..وكذا فعلتُ باليسرى
وكأني بهذا أجهز نفسي للنزول إلى حلبة الملاكمة ..تنفستُ الصعداء
ودعوتُ إلى الله أن يعطيني القوّة ، وأن يغفر ليَّ فعلتي إذا فعلتها
وبعد أن رسمتُ علامة الصليب على وجهي ، قلتُ له ، ولكن هذه
المرّة بنبرة مختلفة جدّاً عن سابقاتها ، وبلهجة سويديّة أختلطت
معها العربيّة والسريانيّة ، وبصوتٍ حادٍ صرختُ فيه وقلتُ :
(بما معناه) لاتريد القيام من على جنطتي .. إذاً ...خُذ .. موجهاً
إليه بيدي اليمنى لكمة قويّة ، تدفق على أثرها الدم من أنفه ..
في هذه اللحظة وصل الباص إلى الموقف ، وتوقف ...
وفي هذه اللحظة كان باب الباص قد فتح ، ليترك الشاب
كل شيء ، ويهرب بريشه ودمه .
قلتُ له مازحاً : ولكن لماذا لبستَ ياأبونا القفَّاز ؟
تبسَّم وقال : لكي لاتظهر بصمات يدي على وجههُ ...!!
أيها الأحبة : أريد أن أتوجه من خلال هذه القصّة الحقيقيّة
بسؤال إلى الجميع وأقول :
هل خالف هذا الكاهن وصية السيد المسيح بفعلته هذه ..أم
أنهُ تصرّف كما كانَ يجب عليه أن يتصرَّف ؟
أسعفوني بردكم .
أخاكم بالرب
فريد
[/size]كنتُ قبل بضعة سنوات ، في بعض الأحيان عندما أستقل الباص
من محل عملي ، عائداً إلى منزلي .. ألتقي بأحّد الآباء
الخوارنة الأفاضل .. أطال الله بعمره ..كنا قد أصبحنا بمثابة أصدقاء
وفي غياب أحدنا ، كان الآخر يسأل عليه ويتمنى أن يكون المانع خيراً..
وبالطبع كنا كلما ألتقينا في الباص ، وجلسنا بجانب بعضنا البعض ، يأخذنا
الحديث فنتكلم في أمور شتىَّ ريثما يصل كلٌ منَّا إلى محطة نزوله ...
حدثني مرّة وقال : كنت جالساَ في إحدى المرّات مثلَ هذه الجلسة
وكنتُ قد وضعت محفظتي بجانبي حيث كان فارغاً ، التي كانت تحتوي
على الكتاب المقدس والهرّاروصليب وبعض الأوراق المتنوعة
وقليلاً من البخور ، وكما تعلم الأشياء التي نحتاجها في الخدمة ..
وإذا بأحدهم يصعد الباص ( وبرغم وجود أماكن كثيرة فارغة )
أتى مباشرة ولم يحلو له الجلوس إلاَّ فوق محفظتي ...! وراح ينظر بين
الفينة والأخرى إلى الصليب الذهبي المعلق على صدري ، المتدلي من خلال
سلسالاً ذهبيّاً، الشيء الذي أغراهُ وجعله يظنَّ بأنه من الذهب الخالص .. فبدأ
يجول بنظره بين الصليب المتدلي علىصدري ، وبين وجهي ، وأحياناً يُلقي
بنظرة خاطفة على لباسي! المهم طلبتُ منه
بكل أدب أن يقفْ بعض الشيء ، لأتمكن من سحب محفظتي ..حاولت معه
المستحيل ، ولكن دون جدوى .. لا بل تمركزَ عليها وثبَّت جلسته أكثر
وكأنه بهذا يتحداني ويقول: أفعل ما تشاء .. فما أنا بقائم ...
كان شاباً في حوالي الثلاثين من عمره .. لم تكن بادية عليه علامات
الفلتنة والأنصياع .. حتى منظره الخارجي لم يكن يوحي بذلك ..
وعندما كان يتكلّم ، يتكلم بهدوء وبثقة عالية بالنفس ... وكما تعلم
يا (فريد) ، فلغتي السويدية هي على قد الحال .. لهذا حاولت قدر الإمكان
أن أشرح له بأنني( كاهن ) وهذه الجنطة التي تمركزت عليها ليس
بداخلها سوى الكتاب المقدّس وصليب وبعض الأوراق ..و... الخ
كما حاولت أن أقنعه بأن الصليب الذي على صدري هو من النوع
التقليد وليس ذهباً ...نعم بلغتي السويدية البسيطة المتواضعة
كنتُ أكلمه ، وكانت الأفكار والتوقعات العديدة تدور في مخيِّلتي
فكنت أقول بيني وبين نفسي : أخشى ونحن نقترب إلى أقرب
محطة وقوف ، أن يفعل فعلته ، فينتشل الصليب من على صدري
ويأخذ المحفظة ويهرب ، وأنا بالطبع لن أتمكن من الجري خلفه
وأنا في هذه الثياب ، ناهيك عن تراكم الثلوج التي بكل تأكيد
ستعرقل مسيرة اللِحاق به ..والشيء الذي أرعبني أكثر هو
ما سمعته منذ أيامٍ قلائل عن مثل هذه الحوادث التي تحصل ، ثم
تقيَّد في النهاية ضد مجهول ...لهذا أول مافعلتهُ ، قمتُ بخلع
الصليب من حول رقبتي ووضعه في جيبي ، لا لقيمته المادية
بل لقيمته المعنويّة أولاً ، ثم بالدرجة الثانية (وأعترف بذلك )
خشيتُ على سلامة رقبتي ، خصوصاً عندما تخيَّلت المشهد
وكيف هو بقبضته يشدني شدّاً ، والجنزير الثخين يأبى الإنقطاع ..
حاولت أن أتكلّم معه للمرّة الأخيرة مستسمحاً ومترجيّاً أن
يقوم من على ممتلكاتي ..لكنه هزَّ رأسه بإشارة توحي إلى النفي
وهنا لمحتُ بأنَّ الباص يقترب من إحدى المواقف ، ولم يبقى
إلاَّ دقائق معدودات حسب ظني على وقوع الكارثة ..!
وضعتُ يدي اليمنى داخل القفَّاز الأيمن ..وكذا فعلتُ باليسرى
وكأني بهذا أجهز نفسي للنزول إلى حلبة الملاكمة ..تنفستُ الصعداء
ودعوتُ إلى الله أن يعطيني القوّة ، وأن يغفر ليَّ فعلتي إذا فعلتها
وبعد أن رسمتُ علامة الصليب على وجهي ، قلتُ له ، ولكن هذه
المرّة بنبرة مختلفة جدّاً عن سابقاتها ، وبلهجة سويديّة أختلطت
معها العربيّة والسريانيّة ، وبصوتٍ حادٍ صرختُ فيه وقلتُ :
(بما معناه) لاتريد القيام من على جنطتي .. إذاً ...خُذ .. موجهاً
إليه بيدي اليمنى لكمة قويّة ، تدفق على أثرها الدم من أنفه ..
في هذه اللحظة وصل الباص إلى الموقف ، وتوقف ...
وفي هذه اللحظة كان باب الباص قد فتح ، ليترك الشاب
كل شيء ، ويهرب بريشه ودمه .
قلتُ له مازحاً : ولكن لماذا لبستَ ياأبونا القفَّاز ؟
تبسَّم وقال : لكي لاتظهر بصمات يدي على وجههُ ...!!
أيها الأحبة : أريد أن أتوجه من خلال هذه القصّة الحقيقيّة
بسؤال إلى الجميع وأقول :
هل خالف هذا الكاهن وصية السيد المسيح بفعلته هذه ..أم
أنهُ تصرّف كما كانَ يجب عليه أن يتصرَّف ؟
أسعفوني بردكم .
أخاكم بالرب
فريد