مقتطفات من كتاب أنتم الناس أيها الشعراء . لأنيس منصور
مرسل: السبت مارس 23, 2013 11:34 pm
مقتطفات من كتاب (أنتم الناس أيها الشعراء) لأنيس منصور:
في اللغات الأوربية يصفون الشاعر بأنه كالبجعة.. لأن
أبولوإله الشعر كان يتحول من حين إلى حين إلى بجعة
لكي ينظم شعراً ويتغنى به .. ويقال أن البجعة تطلق
أجمل صيحاتها عندما تموت .. فالشعر دليل على أن
الشاعر قد قارب النهاية ، وكل الشعر هو نشيد الوداع
فكأن الشعراء ولدوا ليموتوا وتعيش ألحانهم بعدهم إلى الأبد.
ويقال أن الشاعر مثل ( طائر الشوك ) ذلكَ الطائر الغريب
الذي يظل يطير بعيداً بعيدا .. دون طعام أو شراب .. حتى
يرهقه الطيران .. ويختار من كل الأشجار شجرة كثيرة
الأشواك .. ومن كل الأشواك أطولها وأعلاها .. ويروح
يلقي بنفسه على هذه الشوكة الطويلة .. ويظل يفعل ذلك
حتى تنفذ الشوكة إلى قلبه ، فيطلق آخر وأروع صيحاته
ويموت ،. لقد قال كلمته عند قمة شجرة ، ومات في قمّة
اللياقة الغنائيّة .. لقد أدخر ماتبقّى من قوّة لكي يفجِّر بها
الدم والشعر معاً .. ولآخر مرة ! .
كان العالم الإغريقي فيثاغورس يرى أن الكواكب كلها
موسيقة العلاقات .. فالله قد ربط الكون كله بموسيقى واحدة
والكون كله في إنسجام دائم .. والشعراء هم الكورس
في هذه السمفونيّة الكونيّة ..
وكان الفيلسوف أفلاطون يرى أن على كل كوكب شاعراً
أو موسيقيّاً يعزف اللحن الذي أختاره الله له .
في سفر أيوب بالكتاب المقدس هذه الآية العجيبة :
( إن نجوم الصباح تغني معاً !.)
الشعراء مثل دودة القز .. لايفرزون إلاَّ خيوطاً من حرير
ثم يموتون .. إنهم ينسجون أكفانهم وقبورهم أيضاً . لماذا ؟
إنهم لايعرفون ، كما أن دودة القز لاتعرف ..
يومَ هاجم المتنبي أحد خصومه ، بعثَ إليه بمن يطارده ويقتله.
وقد قتلوه .. وكان في نيّة المتنبي أن يهرب لولا أن خادمه
أستنكر ذلك فقال له : كيف تهرب وأنتَ القائل:
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم !
إن المتنبي رب الورق والقلم .. لا شكَّ في ذلك .. ولكن لا الخيل
ولا الحرب تعرفه .. وهو لا يصدّق ذلك .. ولكن خادمه أحرجه
ولم يشأ أن يبدو كاذباً أو مبالغاً ، إنها لحظة صدق فرضت عليه
فتوهم أنه المقاتل المحارب ، فسقط ميّتاً .
مسكين هذا العبقري لقد صدّق بيتاً واحداً من ألوف أبياته الجميلة .
يصف الشاعر الألماني ريلكه ( 1875-1926 ) المعاني في
شعره ويقول : إن هذه المعاني مثل سحبٍ تجيء من بلاد بعيدة
هذه السحب كانت قطرات من الماء في بلاد لا أعرفها ، تبخرت
تحتَ أشعة شمس لم أراها .. فارتفعت في الجو فكانت سحاباً ..
وجاءت الرياح فدفعت السحاب فوقي ليسقط مطراً أنظمه شعراً .
النقد يقتل الشعر لأنه يحاول أن يُعيد ترتيب المعاني وربط الصور
بينما الشعر ليس ترابطاً .. إنه صور متتالية كما تجيىء في الأحلام
إن الشعر تداعيات موسيقية غنائية .
عندما درس العقاد شعراء مصر جعلهم نوعين :
شعراء المجالس ، أي الشعراء الظرفاء .
وشعراء المطابع ، أي الذين يطبعون دواوينهم ، فلا يرون
قراءهم ، ولا يتأثرون بهم ، وإن كانوا يتخيلونهم .
ولم يعش العقاد ليرى النصف الثالث : شعراء التلفزيون
أي الذين يراهم الناس ، ولا يرون هم أحداً .. ولكنهم في
نفس الوقت يدخلون بيوت الناس ويكون لهم أو ضدهم رأي عام.
هناك نوعان من العذاب :
أن تقرأ شعراً رديئاً ..
وأن تقرأ شعراً حرّاً ..
وكان العقاد إذا جاءه شعر حر يحيله إلى لجنة النثر .
فالشعر عنده موسيقى .. وزن وقافية .. أما الشعراء بلا قافية
فكان العقاد يرى أنهم عاجزون مفلسون .. جهلة .
عندما زارَ الزعيم الروسي خرشوف معرضاً للفن السريالي
قال : إن الفنانين قد رسموا هذه اللوحات بذيل حمار !.
فخرشوف رجل منطق حديدي ، رجل واقعي .. لا يفهم إلاّ
الذي يراه ، ولا يرا إلاّ الذي له فائدة .
( للمتعة والأستفادة )
فريد
[/size]في اللغات الأوربية يصفون الشاعر بأنه كالبجعة.. لأن
أبولوإله الشعر كان يتحول من حين إلى حين إلى بجعة
لكي ينظم شعراً ويتغنى به .. ويقال أن البجعة تطلق
أجمل صيحاتها عندما تموت .. فالشعر دليل على أن
الشاعر قد قارب النهاية ، وكل الشعر هو نشيد الوداع
فكأن الشعراء ولدوا ليموتوا وتعيش ألحانهم بعدهم إلى الأبد.
ويقال أن الشاعر مثل ( طائر الشوك ) ذلكَ الطائر الغريب
الذي يظل يطير بعيداً بعيدا .. دون طعام أو شراب .. حتى
يرهقه الطيران .. ويختار من كل الأشجار شجرة كثيرة
الأشواك .. ومن كل الأشواك أطولها وأعلاها .. ويروح
يلقي بنفسه على هذه الشوكة الطويلة .. ويظل يفعل ذلك
حتى تنفذ الشوكة إلى قلبه ، فيطلق آخر وأروع صيحاته
ويموت ،. لقد قال كلمته عند قمة شجرة ، ومات في قمّة
اللياقة الغنائيّة .. لقد أدخر ماتبقّى من قوّة لكي يفجِّر بها
الدم والشعر معاً .. ولآخر مرة ! .
كان العالم الإغريقي فيثاغورس يرى أن الكواكب كلها
موسيقة العلاقات .. فالله قد ربط الكون كله بموسيقى واحدة
والكون كله في إنسجام دائم .. والشعراء هم الكورس
في هذه السمفونيّة الكونيّة ..
وكان الفيلسوف أفلاطون يرى أن على كل كوكب شاعراً
أو موسيقيّاً يعزف اللحن الذي أختاره الله له .
في سفر أيوب بالكتاب المقدس هذه الآية العجيبة :
( إن نجوم الصباح تغني معاً !.)
الشعراء مثل دودة القز .. لايفرزون إلاَّ خيوطاً من حرير
ثم يموتون .. إنهم ينسجون أكفانهم وقبورهم أيضاً . لماذا ؟
إنهم لايعرفون ، كما أن دودة القز لاتعرف ..
يومَ هاجم المتنبي أحد خصومه ، بعثَ إليه بمن يطارده ويقتله.
وقد قتلوه .. وكان في نيّة المتنبي أن يهرب لولا أن خادمه
أستنكر ذلك فقال له : كيف تهرب وأنتَ القائل:
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم !
إن المتنبي رب الورق والقلم .. لا شكَّ في ذلك .. ولكن لا الخيل
ولا الحرب تعرفه .. وهو لا يصدّق ذلك .. ولكن خادمه أحرجه
ولم يشأ أن يبدو كاذباً أو مبالغاً ، إنها لحظة صدق فرضت عليه
فتوهم أنه المقاتل المحارب ، فسقط ميّتاً .
مسكين هذا العبقري لقد صدّق بيتاً واحداً من ألوف أبياته الجميلة .
يصف الشاعر الألماني ريلكه ( 1875-1926 ) المعاني في
شعره ويقول : إن هذه المعاني مثل سحبٍ تجيء من بلاد بعيدة
هذه السحب كانت قطرات من الماء في بلاد لا أعرفها ، تبخرت
تحتَ أشعة شمس لم أراها .. فارتفعت في الجو فكانت سحاباً ..
وجاءت الرياح فدفعت السحاب فوقي ليسقط مطراً أنظمه شعراً .
النقد يقتل الشعر لأنه يحاول أن يُعيد ترتيب المعاني وربط الصور
بينما الشعر ليس ترابطاً .. إنه صور متتالية كما تجيىء في الأحلام
إن الشعر تداعيات موسيقية غنائية .
عندما درس العقاد شعراء مصر جعلهم نوعين :
شعراء المجالس ، أي الشعراء الظرفاء .
وشعراء المطابع ، أي الذين يطبعون دواوينهم ، فلا يرون
قراءهم ، ولا يتأثرون بهم ، وإن كانوا يتخيلونهم .
ولم يعش العقاد ليرى النصف الثالث : شعراء التلفزيون
أي الذين يراهم الناس ، ولا يرون هم أحداً .. ولكنهم في
نفس الوقت يدخلون بيوت الناس ويكون لهم أو ضدهم رأي عام.
هناك نوعان من العذاب :
أن تقرأ شعراً رديئاً ..
وأن تقرأ شعراً حرّاً ..
وكان العقاد إذا جاءه شعر حر يحيله إلى لجنة النثر .
فالشعر عنده موسيقى .. وزن وقافية .. أما الشعراء بلا قافية
فكان العقاد يرى أنهم عاجزون مفلسون .. جهلة .
عندما زارَ الزعيم الروسي خرشوف معرضاً للفن السريالي
قال : إن الفنانين قد رسموا هذه اللوحات بذيل حمار !.
فخرشوف رجل منطق حديدي ، رجل واقعي .. لا يفهم إلاّ
الذي يراه ، ولا يرا إلاّ الذي له فائدة .
( للمتعة والأستفادة )
فريد