قصص قصيرة .بقلم : فريد توما مراد
مرسل: الاثنين مايو 06, 2013 11:28 pm
قصص قصيرة ....
قصص قصيرة جدّاً ...
منها رأيتها بعيني ....
ومنها سمعتها بأذني ....
لعنة السماء
نادى صديقه وقال : ( ينعلْ سماكْ ) ليَشْ تأخرت ؟
سمعه آخر وقال : لماذا تلعن السماء؟
أجابه الأول وقال : وما دخلكَ أنت َ ؟
أجاب الثاني : السماء ليست ملكاً لك وحدكَ ، لكي تلعنها ؟
أجابه الأول : إذاً دعني ألعنْ فقط القسم الذي هو ملكٌ لي ؟
تقدمَ ذاكَ .. وتقدم الآخر ...!
رفع الأول يده ..فرفع الثاني يده أيضاً ..!
وبينَ هذا وذاك ..وجدتني أقف في الوسط لأقول :
( عيب عليكن يا جماعة ..!)
نظرتُ إلى السماء ، فرأيتها متلبِّدة بالغيوم .
*******
الحكواتي
كانَ قد أتوا به ليوَّنسهم ... برغم أعتراضه في بادىء الأمر
على المجيء ، لأنه كان على خصام مع ربَّة البيت ، التي كانت
قد نعتتهُ في إحدى المرّات ، وكسرتْ بخاطره .. وافق في النهاية
كرامة للذين ألحوا عليه وترجوه ...وكرامة للمريض الذي كان يُنازع .
كان( مراد كانون) وهذا إسمه ، رجلاً حكواتيّاً ، في زمن لم تعرف
فيه آزخ السينما والراديو والتلفزيون والأنترنيت ...والخ من هذه
التكنولوجيا المتقدمة ... فكانَ مراد كانون هذا بمثابة هذه الأشياء
كلها ... هو الذي يُدير السهرات العامرة ، يتحدث والكل ينصُتْ
إليه بآذانٍ صاغية ، وعيونٍ شاغفة ، وكان قبل أن يبدأ بسرد قصته
يقول : إذا كان أحداً منكم يريد أن يقضي حاجة فليفعلها .. لأنني
إذا بدأتُ ، لا أتوقف حتى نهاية القصّة ...!
كان المريض مُسجَّى على الفراش المبسوط في أحّد أركان الغرفة الترابيّة ...
وكانَ كافة الأهل من حوله ، جالسين على مدار جدران
الغرفة الأربعة ... عندما دخل عليهم العم مراد ، وأخذَ مجلسهُ وتمركز .
بعد قليل ، وبعد إعطاء المعلومات اللازمة ، فتح العم مراد فمهُ وقال:
كان ياماكان كان في قديم الزمان ..........................وطالت القصّة!
طالت القصّة .. وبدأ البعض يتململ ، ويسرق نفسه ، ويغادر الغرفة
والعم مراد لازال مستمرّاً في قصّته، زهِق آخرون وخرجوا ولكن لا يهم
دعهم يخرجون .. القصة لم تنتهي بعد ... طال الوقت ... وطالت القصّة
وها هو الفجر قد لوَّح .. والدّيكة بدأت تصيح .. وقصة العم مراد لا زالت
مستمرّة ...
نظر الشخص الأخير المتبقي مع العم مراد ( وكان إبناً للمريض )
نظرفي وجه والده فرآهُ قد فارق الحياة ... والقصّة لم تنتهي....
وهنا صرخ وقال:
لقد مات أبي يا عمو مراد ..!
ردَّ عليه العم مراد وقال ماتْ ... ماتْ ..الله يرحمو .. بس گيا
وگيا فأم اليقوم من هون إلى ما خلّص حكُّويتي )
رواها جدي ، رحمه الله
گيا ( باللهجة الأزخينيّة ) = تعني : هيكْ أو هكذا
***********
الثأر
كنا نعمل سويّة في ذات المعمل .... وكنا قد أتفقنا على مناصفة
الذهاب إلى العمل ..أي أسبوع بسيارتي ، وأسبوع بسيارته ..
صديقي هذا كانَ بطيء الأستيقاظ في الصباح ..وتستطيع أن
تقول من الذين يطيب لهم الأسترخاء في الفراش صباحاً .
حذَّرته مرات كثيرة على هذا التأخير ، ولكن دون جدوى ..!
في النهاية توعدتهُ إذا كررها مرة أخرى ، فسوف أتركه نائماً
وأذهب ...! وربما لم يأخذ الأمر بمحمل الجد ، حتى جاء اليوم
الذي أنتظرته فيه لينزل ، فلم يفعل .. فتركته نائماً ، ولم أصعد
كالعادة لأطرق الباب وأوقظه ، بل قدتُ سيارتي متجهاً إلى العمل ..
أستيقظ صديقي بعد حوالي الساعة ، ودُهشَ للتأخير ، فقاد سيارته
وأتى إلى العمل ...
رآني .. فضحكتُ منه ساخراً ..! فقال : الله كريم ..غداً سيأتي
دوري ..والأيام طويلة بيننا ..وستلقى إنشاء الله مني نفس المصير ..
فرفعتُ نبرة ضحكتي وقلتُ : لقد نبّهتكَ أكثر من مرة ، ولكنكَ
لن تسمع ....
كان يوماً من أيام الشتاء المظلمة ، عندما أستيقظ صديقي ، ونزل
إلى السيارة ، وأدارها ، وجلس ينتظرني ريثما أنزل ..
تأخرت في النزول ..فنظر إلى نافذة دارنا التي كان لابدَّ أن تكون
مُضاءة في مثل هذا الوقت .. ولكنهُ وجدها مظلمة ، فقال لنفسه :
لقد جاء دورك لتأخذ بثأركَ ..!
أدار محرّك سيارته واتجه بها نحو المعمل ، كانت المسافة بين
البيت والمعمل حوالي العشرون دقيقة بالسيّارة ..
وصل صديقي .. ولكن فوجىء عندما رأى الباب الكبير للمعمل
مغلقاً ، فقال بينه وبين نفسه : ربما المسئول المناوب قد تأخر قليلاً
الأفضل أن أجلس بسيارتي وأنتظره ...
ولكن للأسف فتوقعات صديقي كانت خاطئة ..!
فما أن جلس في السيارة ، ووقعت عيناهُ على الساعة المتمركزة
وراء المقود مباشرة ، ونظر إلى الساعة في يده ، حتى صرخ وقال:
لا .. لا .. مستحيل !!
وكيف لايصرخ صديقي والساعتان تشيران إلى الخامسة صباحاً
وهذا يعني أنه قد وصل قبل ساعة من بدأ العمل ..
وهذا يعني أنه قد دقت ساعة المنبِّه بالبيت ساعة قبل موعدها
وهو المسئول على توقيتها خطأً ..
فكر صديقي قليلاً .. أيعود إلى البيت .. أم ينتظر ؟
قرر في الأخير الأنتظار في سيارته أمام باب المعمل
ريثما يحين الوقت .
ما هذا التجمهر أمام باب المعمل ، الذي بدى ليَّ من بعيد..!
عندما أقتربتُ قليلاً ، توضحت الصورة أكثر ...
إنها سيارة صديقي ..ولكن ماذا يحدث ؟ ولماذا ألتفَّ الناس
حولها ؟
وصلتُ .. وبسرعة أوقفتُ سيارتي على جانب الطريق ، وهرعتُ
نحو المكان ..
ياله من منظر ، ويالها من نومة هنيئة ، قد غطَّ فيها صديقي
ناهيكَ عن صدى شخيره الذي كان يصطدم بزجاج السيّارة
فيولِّد خرخرات ورجرجات موسيقيّة صاخبة عديمة الوزن والإيقاع
فمن ناحية كانت مزعجة ، ولكن من ناحية أخرى كانت تدل على أن
صاحبنا لازالَ على قيد الحياة .
في النهاية وبعد الطرق والخبط الشديد على نوافذ السيارة أستيقظ صديقي
من أحلامه وغفوته العميقة ، ونظر إلى الكل حوله ، فبُهت ..
فتح باب السيارة ونظر إليَّ وابتسم ...
قلتُ : مابكَ ؟ ... ماذا حصل ؟
قال : أردتُ أن أأخذ بثأري منكَ ، ولكن يظهر أني ثأرتُ من نفسي ..
حفرتُ لكَ حفرةً ، فوقعتُ أنا فيها .
***
الثرثار
كانا يسيران ....هي تتكَّلم ، وهو ساكت ..
مضت نصف ساعة ..هي تتكلَّم ، وهو ساكت ..
قالت له : الحمد لله لأنَّ إبننا لم يأتي عليكَ ثرثاراً .!
***
فريد توما مراد
ستوكهولم - السويد
[/size]قصص قصيرة جدّاً ...
منها رأيتها بعيني ....
ومنها سمعتها بأذني ....
لعنة السماء
نادى صديقه وقال : ( ينعلْ سماكْ ) ليَشْ تأخرت ؟
سمعه آخر وقال : لماذا تلعن السماء؟
أجابه الأول وقال : وما دخلكَ أنت َ ؟
أجاب الثاني : السماء ليست ملكاً لك وحدكَ ، لكي تلعنها ؟
أجابه الأول : إذاً دعني ألعنْ فقط القسم الذي هو ملكٌ لي ؟
تقدمَ ذاكَ .. وتقدم الآخر ...!
رفع الأول يده ..فرفع الثاني يده أيضاً ..!
وبينَ هذا وذاك ..وجدتني أقف في الوسط لأقول :
( عيب عليكن يا جماعة ..!)
نظرتُ إلى السماء ، فرأيتها متلبِّدة بالغيوم .
*******
الحكواتي
كانَ قد أتوا به ليوَّنسهم ... برغم أعتراضه في بادىء الأمر
على المجيء ، لأنه كان على خصام مع ربَّة البيت ، التي كانت
قد نعتتهُ في إحدى المرّات ، وكسرتْ بخاطره .. وافق في النهاية
كرامة للذين ألحوا عليه وترجوه ...وكرامة للمريض الذي كان يُنازع .
كان( مراد كانون) وهذا إسمه ، رجلاً حكواتيّاً ، في زمن لم تعرف
فيه آزخ السينما والراديو والتلفزيون والأنترنيت ...والخ من هذه
التكنولوجيا المتقدمة ... فكانَ مراد كانون هذا بمثابة هذه الأشياء
كلها ... هو الذي يُدير السهرات العامرة ، يتحدث والكل ينصُتْ
إليه بآذانٍ صاغية ، وعيونٍ شاغفة ، وكان قبل أن يبدأ بسرد قصته
يقول : إذا كان أحداً منكم يريد أن يقضي حاجة فليفعلها .. لأنني
إذا بدأتُ ، لا أتوقف حتى نهاية القصّة ...!
كان المريض مُسجَّى على الفراش المبسوط في أحّد أركان الغرفة الترابيّة ...
وكانَ كافة الأهل من حوله ، جالسين على مدار جدران
الغرفة الأربعة ... عندما دخل عليهم العم مراد ، وأخذَ مجلسهُ وتمركز .
بعد قليل ، وبعد إعطاء المعلومات اللازمة ، فتح العم مراد فمهُ وقال:
كان ياماكان كان في قديم الزمان ..........................وطالت القصّة!
طالت القصّة .. وبدأ البعض يتململ ، ويسرق نفسه ، ويغادر الغرفة
والعم مراد لازال مستمرّاً في قصّته، زهِق آخرون وخرجوا ولكن لا يهم
دعهم يخرجون .. القصة لم تنتهي بعد ... طال الوقت ... وطالت القصّة
وها هو الفجر قد لوَّح .. والدّيكة بدأت تصيح .. وقصة العم مراد لا زالت
مستمرّة ...
نظر الشخص الأخير المتبقي مع العم مراد ( وكان إبناً للمريض )
نظرفي وجه والده فرآهُ قد فارق الحياة ... والقصّة لم تنتهي....
وهنا صرخ وقال:
لقد مات أبي يا عمو مراد ..!
ردَّ عليه العم مراد وقال ماتْ ... ماتْ ..الله يرحمو .. بس گيا
وگيا فأم اليقوم من هون إلى ما خلّص حكُّويتي )
رواها جدي ، رحمه الله
گيا ( باللهجة الأزخينيّة ) = تعني : هيكْ أو هكذا
***********
الثأر
كنا نعمل سويّة في ذات المعمل .... وكنا قد أتفقنا على مناصفة
الذهاب إلى العمل ..أي أسبوع بسيارتي ، وأسبوع بسيارته ..
صديقي هذا كانَ بطيء الأستيقاظ في الصباح ..وتستطيع أن
تقول من الذين يطيب لهم الأسترخاء في الفراش صباحاً .
حذَّرته مرات كثيرة على هذا التأخير ، ولكن دون جدوى ..!
في النهاية توعدتهُ إذا كررها مرة أخرى ، فسوف أتركه نائماً
وأذهب ...! وربما لم يأخذ الأمر بمحمل الجد ، حتى جاء اليوم
الذي أنتظرته فيه لينزل ، فلم يفعل .. فتركته نائماً ، ولم أصعد
كالعادة لأطرق الباب وأوقظه ، بل قدتُ سيارتي متجهاً إلى العمل ..
أستيقظ صديقي بعد حوالي الساعة ، ودُهشَ للتأخير ، فقاد سيارته
وأتى إلى العمل ...
رآني .. فضحكتُ منه ساخراً ..! فقال : الله كريم ..غداً سيأتي
دوري ..والأيام طويلة بيننا ..وستلقى إنشاء الله مني نفس المصير ..
فرفعتُ نبرة ضحكتي وقلتُ : لقد نبّهتكَ أكثر من مرة ، ولكنكَ
لن تسمع ....
كان يوماً من أيام الشتاء المظلمة ، عندما أستيقظ صديقي ، ونزل
إلى السيارة ، وأدارها ، وجلس ينتظرني ريثما أنزل ..
تأخرت في النزول ..فنظر إلى نافذة دارنا التي كان لابدَّ أن تكون
مُضاءة في مثل هذا الوقت .. ولكنهُ وجدها مظلمة ، فقال لنفسه :
لقد جاء دورك لتأخذ بثأركَ ..!
أدار محرّك سيارته واتجه بها نحو المعمل ، كانت المسافة بين
البيت والمعمل حوالي العشرون دقيقة بالسيّارة ..
وصل صديقي .. ولكن فوجىء عندما رأى الباب الكبير للمعمل
مغلقاً ، فقال بينه وبين نفسه : ربما المسئول المناوب قد تأخر قليلاً
الأفضل أن أجلس بسيارتي وأنتظره ...
ولكن للأسف فتوقعات صديقي كانت خاطئة ..!
فما أن جلس في السيارة ، ووقعت عيناهُ على الساعة المتمركزة
وراء المقود مباشرة ، ونظر إلى الساعة في يده ، حتى صرخ وقال:
لا .. لا .. مستحيل !!
وكيف لايصرخ صديقي والساعتان تشيران إلى الخامسة صباحاً
وهذا يعني أنه قد وصل قبل ساعة من بدأ العمل ..
وهذا يعني أنه قد دقت ساعة المنبِّه بالبيت ساعة قبل موعدها
وهو المسئول على توقيتها خطأً ..
فكر صديقي قليلاً .. أيعود إلى البيت .. أم ينتظر ؟
قرر في الأخير الأنتظار في سيارته أمام باب المعمل
ريثما يحين الوقت .
ما هذا التجمهر أمام باب المعمل ، الذي بدى ليَّ من بعيد..!
عندما أقتربتُ قليلاً ، توضحت الصورة أكثر ...
إنها سيارة صديقي ..ولكن ماذا يحدث ؟ ولماذا ألتفَّ الناس
حولها ؟
وصلتُ .. وبسرعة أوقفتُ سيارتي على جانب الطريق ، وهرعتُ
نحو المكان ..
ياله من منظر ، ويالها من نومة هنيئة ، قد غطَّ فيها صديقي
ناهيكَ عن صدى شخيره الذي كان يصطدم بزجاج السيّارة
فيولِّد خرخرات ورجرجات موسيقيّة صاخبة عديمة الوزن والإيقاع
فمن ناحية كانت مزعجة ، ولكن من ناحية أخرى كانت تدل على أن
صاحبنا لازالَ على قيد الحياة .
في النهاية وبعد الطرق والخبط الشديد على نوافذ السيارة أستيقظ صديقي
من أحلامه وغفوته العميقة ، ونظر إلى الكل حوله ، فبُهت ..
فتح باب السيارة ونظر إليَّ وابتسم ...
قلتُ : مابكَ ؟ ... ماذا حصل ؟
قال : أردتُ أن أأخذ بثأري منكَ ، ولكن يظهر أني ثأرتُ من نفسي ..
حفرتُ لكَ حفرةً ، فوقعتُ أنا فيها .
***
الثرثار
كانا يسيران ....هي تتكَّلم ، وهو ساكت ..
مضت نصف ساعة ..هي تتكلَّم ، وهو ساكت ..
قالت له : الحمد لله لأنَّ إبننا لم يأتي عليكَ ثرثاراً .!
***
فريد توما مراد
ستوكهولم - السويد