حكايتي مع الآيفون (الهاتف الذكي ) بقلم : فريد توما مراد .
مرسل: الأربعاء يوليو 17, 2013 12:29 am
حكايتي مع الآيفون (الهاتف الذكي).

أترغبون سماع حكايتي مع أول جهاز ( آيفون ) يُقدَّم إليَّ هديَّة ؟
إذاً فإليكم بتفاصيلها ....
لم تظهر عليّ علامات الفرح والإندهاش ، عندما قدّم إليّ
أبني جهاز ( الآيفون ) وقال : تفضل يابابا .. كل عام وأنتَ بخير..
ولم أبدي الأهتمام الزائد لهذه الهدية ، التي أعتبرتها الهدية
الغير مناسبة للرجل الغير مناسب لها ، فأنا أعلم حق اليقين
بأنني ضعيف في هذا العالم ( عالم الإلكترونيات ) خاصة
منها تلكَ الأشياء الحسَّاسة التي لاتعمل ولا تتجاوب معكَ
إلاّ عن طريق اللمس .. وأي لمس ..! اللمس الدقيق جداً
الذي يتطلب أصابع ناعمة وحنونة .. وأنا والحمد لله ، أصابعي
فقدت مرونتها منذ سنوات عديدة .. لكن ماذا أفعل ؟ لابدَّ لي
أن أقبل الهدية ، فهي أولاً وآخراً هدية ..! ومن أبني الغالي ..
رحم الله أيام زمان... أيام التي عرفتْ فيها ديريك التلفون لأول مرة
كان بالنسبة لنا كأطفال نراه شبه أعجوبة .. وكنا نتساءل مندهشين
كيف يتكلم الواحد من هنا ، ويسمعه الثاني في الطرف الآخر البعيد ؟
أو كنا نقف في حيرة عن كيفية إنتقال الصوت عبر ذاك السلك الممدود
على تلكَ الأعمدة الخشبيّة إلى مسافات بعيدة جدّاً ...!!
بعد أن قام أبني بإعطائي دورة سريعة على كيفية فتح وإغلاق الهاتف
وكيفيّة الرد على المكالمات .. وكيفيّة التكلم .. وبرغم أنني كنتُ متردداً
فيما يقوله ، وفيما سأقوم أنا به لاحقاً .. ومدى الصعوبات والمشقات التي
ستواجهني في الأيام القادمة ، إلاَّ أنني قلت له : لا تأكل همّاً مطلقاً ، سأبذل
قصارى جهدي ..والباقي على الله ....
لم تمضي سوى بضعة أيام على أمتلاكي هذا الهاتف الذكي كما يسمونه
وربما يكون ذكيّاً ...لا أعلم ..! لكن بالحقيقة لم يكن معي بهذا المستوى
من الذكاء ..وأحتمال كبير يكون أنا من هو السبب ..وليس صاحبي ..
كانت الساعة تشير إلى حوالي الحادية عشر مساءً عندما طلبت مني زوجتي كي
أتصل بإبننا الصغير البالغ من العمر السابعة عشر وبضعة أشهر ، ولكن ماذا نفعل
فهو لازالَ صغيراً في نظر أمّه.. لهذا طلبت مني أن أتصل به وأستفسر عن سبب
تأخرّه لغاية هذه الساعة ..
وأين هو .. ومتى سيعود إلى البيت ؟ ( إنها الأم ماذا نفعل .!
وقلب الأم دوماً على ولدها ..) .
بحثتُ عن صاحبي الجديد .. فوجدته فوق مكتبي .. أخرجته من
حافظته ..ورحتُ متبعاً التعليمات التي كان قد علَّمني إيَّاها أبني
في كيفيّة الفتح والإغلاق ..الحمد لله ها هي الشاشة قد نوّرت ..
ولم يبقى لديّ سوى عملية البحث على الأسم المطلوب للتكلم معه
طبعاً كانت كل الأسماء محفوظة بداخله .. ويعود الفضل فيها أيضاً
إلى أبني الذي كان قد قام بهذه المهمّة ...والآن لم يبقى عليَّ سوى
أن أمرر لمسات أصبعي الحنونة على الشاشة الرقيقة .. الحسَّاسة..
حتى أتمكن من الوصول إلى أسم أبني الصغير بحسب نظر أمّه ..
قلنا من البداية أن هذا الهاتف الذكي يحتاج إلى حنيّة وملمس ناعم
فأحتمال كبير وأنا منهمك في عملية البحث على أسم أبني ، فقد
أصبعي قليلاً من الحنان ، وراح ضاغطاً على سطح الشاشة
الحسَّاس ... وكانَ ما كان .... وحدثَ ما حدثْ ...!!!
آلو ...!! جاءني هذا الصوت من أعماق صاحبي الجديد ..
في البداية قلت قد أكون أتوهَّم .. أو هكذا خُيّلَ إليّ ...
آلو... آلو ..!! تكرر النداء مرةً أخرى ..إنها حقيقة ، وليس وهمٌ..
قرَّبتُ صاحبي الجديد إلى أذني .. ولا زالتْ الألو تتكرر ..وصارَ مع
كل آلو يتردد ذكر أسمي هذه المرّة .. أصغيتُ جيداً إلى الصوت..
لا..لا .. فهو ليس صوت أبني .. إنه صوت( عمّي) .. ياللهول..!!
ما العمل ؟ والساعة متأخرة .. ولكن لابدّ أن أكلمه ...
يصفونني أحياناً بسرعة البديهة ( وقد لا أكون هكذا ) ويقولون :
كل سؤال له عندك جواب ( وأيضاً هذه أنكرها عليَّ ) .. ولكن في
هذه المرّة لا أنكر .. لأنني ربما كنتُ أذكى من هذا الهاتف اللعين
الذي يسمونه ( الهاتف الذكي ) ....
رديتُ أخيراً على الألو القادمة من طرف عمّي ..
وقلتُ : آلو..آلو..
قال : خير ؟ حصل مكروه لاسمح الله ؟
قلتُ : لا..لا.. أطمئن .. ليس هناك إلاّ الخير ( وهنا في هذه اللحظة
تذكرتُ بأنني كنت قد أتصلتُ اليوم مع بيت عمّي القس في حلب ، حيثُ
كان القصف عنيف بجوار حي السريان ) فراودتني مباشرة هذه الفكرة
فقلتُ له : أُردتُ أن أطمئنكَ فقط على الأهل في حلب .. إنهم بخير ..!!
بعد أن تكلمنا مطوّلاً .. وكان لابدّ لنا أن نتكلم .. لأن الأوضاع كانت
متوترة جدّاً في سوريّة .... نظرتُ إلى الساعة بعد أنتهاء الحديث..
إنها تشير إلى الحادية عشر والربع .. وهذا يعني أننا تكلمنا خمسة
عشر دقيقة .. سرقنا فيها الوقت وكأنها دقيقة واحدة ...
بعد الحمد والشكر لله على أنقاذي من تلك الورطة بفضله أولاً
وبفضل سرعة بديهتي ثانيا ، كما يصفوني بها ، وأنا غير مقتنع ..
بعد هذا تذكرتُ بأنني مكلّف بمهمة البحث على أبني الصغير
البالغ السابعة عشر وبضعة أشهر ، ولكنه لازالَ صغيراً في
أعين أمه.. ماذا نفعل إنها الأم .. وقلب الأم دوماً على ولدها ....
ضغطتُ على الزر المكلف بإضاءة الشاشة وعملية البحث على
الأسم المطلوب .. مررتُ أصبعي الذي عمدتُ أن يكون أكثرَ حنيّة
هذه المرّة ، حتى لا أقع ثانية بنفس الخطأ ..بدأتُ عملية التمرير
والبحثْ .. ها هي الأسماء تتسارع وتتوالى أمام ناظري .. وأنا أردد
بيني وبين نفسي أسم أبني ، وكأنني أذكّر صديقي الذكي بضالتي
وهدفي .. لا بل لأقول له : هذا من أريد أن أكلمه ...!!
وفجأةً حدثَ أمراً غير أعتيادي .. لقد شلتْ حركة الشاشة وتوقفت ..
ها هو رمز الهاتف باللون الأخضر يُضيء .. وهذا يدل على أستقبال
المكالمة ، كما شرح لي أبني .. الأسم الظاهر على الشاشة واضحاً
تماماً .. إنه ليس أسم أبني ... إنه أسم صديقي .. ياإلهي مالعمل ..
إنني أسمع رنَّاتْ التلفون .. إنه يبعث إشارة سهميّة إلى الطرف الآخر ..
ماذا أفعل .. وكيف أوقف هذا الإرسال اللعين .. لا.. لا .. لقد تأخر
الوقت .. فها هي ( الألو ) ثانية تنادي .. وتكررت الألوات .. آلو ..آلو
لا ..لابدَّ أن أرد عليها ، فمن المؤكد أنه عرفني من خلال أسمي الظاهر
عنده على الشاشة الفضَّاحة .. وقرَّبتُ صاحبي الجديد إلى أذني
وقلتُ : آلو..!
قال : آلو .. خير .. عسى أن يكون خير في هذا الوقت المتأخر ..!
قلتُ : خير إنشاءالله خير .. وليسَ هناكَ إلاَّ الخير..!
ومرّة أخرى حرَّكتُ ذاكرتي بسرعة عجائبيّة ..ورحتُ مستخدماً سرعة
بديهتي ، التي ينعتوني بها ، وأنا لستُ مقتنعاً ...وجَّهتُ ( رادار عقلي )
إلى أحداث اليوم ..فاستحضرني فجأةً بأنَّ ( حمي صديقي هذا ، أي والد
زوجته قد أُدخلَ اليوم إلى المستشفى بسبب تدهور حالته الصحيّة )
فقلتُ مباشرةً : أتصلتُ لكي أطمئن على صحت حميكَ .. كيفَ هو الآن ؟
أجاب : الحمدلله إنهُ أحسن ، فقد زال الخطر من عليه ...!
نظرتُ مرّة أخرى إلى الساعة بعد أنتهاء المكالمة ، والأطمئنان على
صحة المريض ، والدخول في مواضيع أخرى متعددة ... إنها تشير
إلى الحادية عشر والنصف .. وهذا يعني أننا تكلمنا خمسة عشر دقيقة ..
لم أنسى طلب زوجتي أبداً ، الذي كلفتني به ، للأتصال بإبننا الصغير
البالغ سبعة عشرعاماً وبضعة أشهر.. ولكنه لازالَ صغيراً في نظرها..
إنها الأم .. ماذا نفعل ..! والأم دوماً قلبها على إبنها ..
بعد ترديدي عبارات ( لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ... والله مطوِّلكْ ياروح
والله يصبِّركْ ياقلب .. وغيرها ..وغيرها ) أخذتُ صديقي الجديد مرّة
أخرى بين يديَّ .. وقلتُ لا بدّ أن أكون هذه المرّة أكثر حناناً عليه ..
يجب أن أتعامل معه بأرق الأحاسيس وأنعم اللمسات .. إنه ذكيّاً ..
والأذكياء لا يقبلون الخطأ أبداً .. وبينما أنا على هذه الحالة المحيّرة
وإذ بزوجتي تفتح عليّ الباب لتقول : هل أتصلت بإبنكَ ...؟؟؟!!
قلتُ : لا ..!
قالتْ : إذاً مع من كنتَ تتكلم طيلة الوقت ..!
قلتُ : كنتُ أبحث عنه هُنا وهناكْ ...
فريد توما مراد
ستوكهولم - السويد
[/size]أترغبون سماع حكايتي مع أول جهاز ( آيفون ) يُقدَّم إليَّ هديَّة ؟
إذاً فإليكم بتفاصيلها ....
لم تظهر عليّ علامات الفرح والإندهاش ، عندما قدّم إليّ
أبني جهاز ( الآيفون ) وقال : تفضل يابابا .. كل عام وأنتَ بخير..
ولم أبدي الأهتمام الزائد لهذه الهدية ، التي أعتبرتها الهدية
الغير مناسبة للرجل الغير مناسب لها ، فأنا أعلم حق اليقين
بأنني ضعيف في هذا العالم ( عالم الإلكترونيات ) خاصة
منها تلكَ الأشياء الحسَّاسة التي لاتعمل ولا تتجاوب معكَ
إلاّ عن طريق اللمس .. وأي لمس ..! اللمس الدقيق جداً
الذي يتطلب أصابع ناعمة وحنونة .. وأنا والحمد لله ، أصابعي
فقدت مرونتها منذ سنوات عديدة .. لكن ماذا أفعل ؟ لابدَّ لي
أن أقبل الهدية ، فهي أولاً وآخراً هدية ..! ومن أبني الغالي ..
رحم الله أيام زمان... أيام التي عرفتْ فيها ديريك التلفون لأول مرة
كان بالنسبة لنا كأطفال نراه شبه أعجوبة .. وكنا نتساءل مندهشين
كيف يتكلم الواحد من هنا ، ويسمعه الثاني في الطرف الآخر البعيد ؟
أو كنا نقف في حيرة عن كيفية إنتقال الصوت عبر ذاك السلك الممدود
على تلكَ الأعمدة الخشبيّة إلى مسافات بعيدة جدّاً ...!!
بعد أن قام أبني بإعطائي دورة سريعة على كيفية فتح وإغلاق الهاتف
وكيفيّة الرد على المكالمات .. وكيفيّة التكلم .. وبرغم أنني كنتُ متردداً
فيما يقوله ، وفيما سأقوم أنا به لاحقاً .. ومدى الصعوبات والمشقات التي
ستواجهني في الأيام القادمة ، إلاَّ أنني قلت له : لا تأكل همّاً مطلقاً ، سأبذل
قصارى جهدي ..والباقي على الله ....
لم تمضي سوى بضعة أيام على أمتلاكي هذا الهاتف الذكي كما يسمونه
وربما يكون ذكيّاً ...لا أعلم ..! لكن بالحقيقة لم يكن معي بهذا المستوى
من الذكاء ..وأحتمال كبير يكون أنا من هو السبب ..وليس صاحبي ..
كانت الساعة تشير إلى حوالي الحادية عشر مساءً عندما طلبت مني زوجتي كي
أتصل بإبننا الصغير البالغ من العمر السابعة عشر وبضعة أشهر ، ولكن ماذا نفعل
فهو لازالَ صغيراً في نظر أمّه.. لهذا طلبت مني أن أتصل به وأستفسر عن سبب
تأخرّه لغاية هذه الساعة ..
وأين هو .. ومتى سيعود إلى البيت ؟ ( إنها الأم ماذا نفعل .!
وقلب الأم دوماً على ولدها ..) .
بحثتُ عن صاحبي الجديد .. فوجدته فوق مكتبي .. أخرجته من
حافظته ..ورحتُ متبعاً التعليمات التي كان قد علَّمني إيَّاها أبني
في كيفيّة الفتح والإغلاق ..الحمد لله ها هي الشاشة قد نوّرت ..
ولم يبقى لديّ سوى عملية البحث على الأسم المطلوب للتكلم معه
طبعاً كانت كل الأسماء محفوظة بداخله .. ويعود الفضل فيها أيضاً
إلى أبني الذي كان قد قام بهذه المهمّة ...والآن لم يبقى عليَّ سوى
أن أمرر لمسات أصبعي الحنونة على الشاشة الرقيقة .. الحسَّاسة..
حتى أتمكن من الوصول إلى أسم أبني الصغير بحسب نظر أمّه ..
قلنا من البداية أن هذا الهاتف الذكي يحتاج إلى حنيّة وملمس ناعم
فأحتمال كبير وأنا منهمك في عملية البحث على أسم أبني ، فقد
أصبعي قليلاً من الحنان ، وراح ضاغطاً على سطح الشاشة
الحسَّاس ... وكانَ ما كان .... وحدثَ ما حدثْ ...!!!
آلو ...!! جاءني هذا الصوت من أعماق صاحبي الجديد ..
في البداية قلت قد أكون أتوهَّم .. أو هكذا خُيّلَ إليّ ...
آلو... آلو ..!! تكرر النداء مرةً أخرى ..إنها حقيقة ، وليس وهمٌ..
قرَّبتُ صاحبي الجديد إلى أذني .. ولا زالتْ الألو تتكرر ..وصارَ مع
كل آلو يتردد ذكر أسمي هذه المرّة .. أصغيتُ جيداً إلى الصوت..
لا..لا .. فهو ليس صوت أبني .. إنه صوت( عمّي) .. ياللهول..!!
ما العمل ؟ والساعة متأخرة .. ولكن لابدّ أن أكلمه ...
يصفونني أحياناً بسرعة البديهة ( وقد لا أكون هكذا ) ويقولون :
كل سؤال له عندك جواب ( وأيضاً هذه أنكرها عليَّ ) .. ولكن في
هذه المرّة لا أنكر .. لأنني ربما كنتُ أذكى من هذا الهاتف اللعين
الذي يسمونه ( الهاتف الذكي ) ....
رديتُ أخيراً على الألو القادمة من طرف عمّي ..
وقلتُ : آلو..آلو..
قال : خير ؟ حصل مكروه لاسمح الله ؟
قلتُ : لا..لا.. أطمئن .. ليس هناك إلاّ الخير ( وهنا في هذه اللحظة
تذكرتُ بأنني كنت قد أتصلتُ اليوم مع بيت عمّي القس في حلب ، حيثُ
كان القصف عنيف بجوار حي السريان ) فراودتني مباشرة هذه الفكرة
فقلتُ له : أُردتُ أن أطمئنكَ فقط على الأهل في حلب .. إنهم بخير ..!!
بعد أن تكلمنا مطوّلاً .. وكان لابدّ لنا أن نتكلم .. لأن الأوضاع كانت
متوترة جدّاً في سوريّة .... نظرتُ إلى الساعة بعد أنتهاء الحديث..
إنها تشير إلى الحادية عشر والربع .. وهذا يعني أننا تكلمنا خمسة
عشر دقيقة .. سرقنا فيها الوقت وكأنها دقيقة واحدة ...
بعد الحمد والشكر لله على أنقاذي من تلك الورطة بفضله أولاً
وبفضل سرعة بديهتي ثانيا ، كما يصفوني بها ، وأنا غير مقتنع ..
بعد هذا تذكرتُ بأنني مكلّف بمهمة البحث على أبني الصغير
البالغ السابعة عشر وبضعة أشهر ، ولكنه لازالَ صغيراً في
أعين أمه.. ماذا نفعل إنها الأم .. وقلب الأم دوماً على ولدها ....
ضغطتُ على الزر المكلف بإضاءة الشاشة وعملية البحث على
الأسم المطلوب .. مررتُ أصبعي الذي عمدتُ أن يكون أكثرَ حنيّة
هذه المرّة ، حتى لا أقع ثانية بنفس الخطأ ..بدأتُ عملية التمرير
والبحثْ .. ها هي الأسماء تتسارع وتتوالى أمام ناظري .. وأنا أردد
بيني وبين نفسي أسم أبني ، وكأنني أذكّر صديقي الذكي بضالتي
وهدفي .. لا بل لأقول له : هذا من أريد أن أكلمه ...!!
وفجأةً حدثَ أمراً غير أعتيادي .. لقد شلتْ حركة الشاشة وتوقفت ..
ها هو رمز الهاتف باللون الأخضر يُضيء .. وهذا يدل على أستقبال
المكالمة ، كما شرح لي أبني .. الأسم الظاهر على الشاشة واضحاً
تماماً .. إنه ليس أسم أبني ... إنه أسم صديقي .. ياإلهي مالعمل ..
إنني أسمع رنَّاتْ التلفون .. إنه يبعث إشارة سهميّة إلى الطرف الآخر ..
ماذا أفعل .. وكيف أوقف هذا الإرسال اللعين .. لا.. لا .. لقد تأخر
الوقت .. فها هي ( الألو ) ثانية تنادي .. وتكررت الألوات .. آلو ..آلو
لا ..لابدَّ أن أرد عليها ، فمن المؤكد أنه عرفني من خلال أسمي الظاهر
عنده على الشاشة الفضَّاحة .. وقرَّبتُ صاحبي الجديد إلى أذني
وقلتُ : آلو..!
قال : آلو .. خير .. عسى أن يكون خير في هذا الوقت المتأخر ..!
قلتُ : خير إنشاءالله خير .. وليسَ هناكَ إلاَّ الخير..!
ومرّة أخرى حرَّكتُ ذاكرتي بسرعة عجائبيّة ..ورحتُ مستخدماً سرعة
بديهتي ، التي ينعتوني بها ، وأنا لستُ مقتنعاً ...وجَّهتُ ( رادار عقلي )
إلى أحداث اليوم ..فاستحضرني فجأةً بأنَّ ( حمي صديقي هذا ، أي والد
زوجته قد أُدخلَ اليوم إلى المستشفى بسبب تدهور حالته الصحيّة )
فقلتُ مباشرةً : أتصلتُ لكي أطمئن على صحت حميكَ .. كيفَ هو الآن ؟
أجاب : الحمدلله إنهُ أحسن ، فقد زال الخطر من عليه ...!
نظرتُ مرّة أخرى إلى الساعة بعد أنتهاء المكالمة ، والأطمئنان على
صحة المريض ، والدخول في مواضيع أخرى متعددة ... إنها تشير
إلى الحادية عشر والنصف .. وهذا يعني أننا تكلمنا خمسة عشر دقيقة ..
لم أنسى طلب زوجتي أبداً ، الذي كلفتني به ، للأتصال بإبننا الصغير
البالغ سبعة عشرعاماً وبضعة أشهر.. ولكنه لازالَ صغيراً في نظرها..
إنها الأم .. ماذا نفعل ..! والأم دوماً قلبها على إبنها ..
بعد ترديدي عبارات ( لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ... والله مطوِّلكْ ياروح
والله يصبِّركْ ياقلب .. وغيرها ..وغيرها ) أخذتُ صديقي الجديد مرّة
أخرى بين يديَّ .. وقلتُ لا بدّ أن أكون هذه المرّة أكثر حناناً عليه ..
يجب أن أتعامل معه بأرق الأحاسيس وأنعم اللمسات .. إنه ذكيّاً ..
والأذكياء لا يقبلون الخطأ أبداً .. وبينما أنا على هذه الحالة المحيّرة
وإذ بزوجتي تفتح عليّ الباب لتقول : هل أتصلت بإبنكَ ...؟؟؟!!
قلتُ : لا ..!
قالتْ : إذاً مع من كنتَ تتكلم طيلة الوقت ..!
قلتُ : كنتُ أبحث عنه هُنا وهناكْ ...
فريد توما مراد
ستوكهولم - السويد