الغرور المدمِّر. بقلم : فريد توما مراد
مرسل: الخميس أغسطس 01, 2013 9:04 pm
الغرور المُدمِّر .
مجرد نقاش عادي جدّاً دار بيني وبينه .. هو يحترمني .. وأنا أيضاً
أكنُّ له كل الأحترام والتقدير ..
صديقي هذا يعتبر نفسه من النوع المثقّف ..وأنا لا أنكر هذا أبداً عليه ..
لكن للأسف لغاية هذه الساعة ، لا بل لغاية هذه اللحظة التي أكتب فيها
لم يقدِّم صديقي هذا أي عمل للقراء .. وأيضاً لا أنكر عليه أبداً ، قد يكون
لديه أعمال مخفيّة يحتفظ بها لذاته ..وربما قد لاتسعفه الجرأة ليعلن عنها
وكثيرين هم أمثاله .. فهذا ليس عيباً ، إنما قد يعود سببه إلى الخجل وعدم
الجرأة كما ذكرنا ، أو يعود إلى الغرور الشخصي ، وبمفهوم آخر نستطيع
أن نسميه بالتعالي .... ومع أسفي الشديد فصاحبي هذا يبدو أنه من النوع
الأخير ......
تعرّفتُ عليه منذ سنوات عديدة ، لكن لم تربطني معه صداقة متينة ودائمة
كنا نلتقي أحياناً في بعض المناسبات ، فنتحدّث ونتناقش في أمورٍ شتّى ..
ولكن بمجرد أفتراقنا لم يكن بيننا أتصالات هاتفيّة أو ماشابه ذلك ، لغاية
لقاءنا مصادفة مرّة أخرى ..
قبل أيام جمعتني الصدفة بصديقي هذا ، الذي كان قد مضى على أفتراقنا
آخر مرّة ، بضعة أشهر ...وكالعادة جرّنا الحديث ثانية إلى الكتابة وآخر
المستجدات من أعماله التي يحتفظ بها لنفسه .. والتي لغاية هذه اللحظة
لم ترى النور ..إنها تعيش في ظلمة حالكة قد يصعب عليها الخروج مباشرة
إلى أشعة الشمس الساطعة ، فهي كالسجين في زنزانة مظلمة
لمدة طويلة من الزمن ...
قلتُ له من باب المزاح : ما هي آخر أعمالك التي كتبتها وقدمتها لذاتك ؟
لم أكن أبداً متوقعاً منه بأنه سيُدخل يده اليمنى في جيب جاكيته الداخلي
ليُخرج منه ورقة بيضاء ليفتحها بكل هدوء ويقول : أسمع هذا الشعر الذي
كتبته مؤخَّراً .. وراحَ يُسمعني ...وأنا أزداد شوقاً لسماع المزيد ...
سأكون عديم الإحساس والشعور والتذوّق إن لم أعترف بقدرة صاحبي
وأمكانياته العالية ، وإحساسه المرهف في كتابة القصيدة الشعرية ...
إنه جدير بالثناء عليه ...فهو وبكل تواضع أقولها : يستحق لقب ( شاعر )
دون منازع ..
جميل....ورائع...ومذهل .. ما سمعته منكَ ياصديقي ..!! إنكَ مبدعاً للغاية
ورقيق الحس ..ولكنكَ بالمقابل أنت ظالماً وقاسياً ..! قلتُ له بعد أنتهائه
من إلقاء قصيدته ُعليَّ ...
قال : كيف ؟... ولماذا ؟
قلتُ : لأنكَ تقسو على أشعاركَ ، بنفسكَ ، وتحرم الآخرين من سماعها ..!
قال : وماذا تريدني أن أفعل ؟
قلتُ : أنشرهم ياأخي .. فهناك عدة وسائل وطرق للنشر .. وهناك على
سبيل المثال لا الحصر العديد من المواقع تستطيع أن تتفاعل معها ..!
أجابني صديقي وقال : بالحقيقة لم أرى لغاية الآن الموقع الذي أرغبه ..
فأغلب المواقع بعيدة عن النهج الثقافي ، ولا تجد فيها إلاَّ العدد القليل الذي
يهتم في هذا المجال ... أما الأغلبيّة فمعظم كتاباتهم هي عن الأكل والرياضة ونقل
الأحداث والتهاني والتعازي ....والخ من هذه الأمور التي
قد تكون لاتعني ليَّ الكثير ...!!
فقلتُ له : ربما ما تقوله صحيحاً من وجهة نظرك ..
( علاوةً على وجود مواقع تهتم فقط بالأدب والثقافة ) ولكن أسمح لي أن أعطيك مثالاً بسيطاً
تخيّل يا صديقي وأنت تدخل حديقة في يومٍ ربيعيٍ جميل
لتروِّح عن نفسكَ ، وتريِّح أعصابكَ ...وعند دخولكَ لاتجد فيها إلاَّ
نوعاً واحداً من الزهور ..! فأخذت تتجول وتتمشى علك ترى نوعاً آخراً
ولكن دون فائدة ..! فالحديقة بطولها وعرضها لاتحوي سوى نوعاً واحداً.
حتماً ياأخي ستشعر بعد فترة من الزمن بالملل ..وستزهق من رؤية المكان
مهما كانت هذه الزهور جميلة وخلاّبة ، وفوَّاحة للعطر ..
وهكذا ياصديقي يكون ( الموقع ) .. فإذا لم يكن متنوِّعاً ، حتماً سيُصاب
الزائر بالملل والإرهاق .. وربما لا يُعاود الكرّى إليه .
أصابع يدكَ كلها ليست متساوية ..هكذا أرادها الله ليكون لكل واحدة منها
مهمتها الخاصّة ... وهكذا الإنسان ياصديقي .. فلو كل الناس كتبت شِعراً
لأصبح هذا الشِعر ضيقاً وكآبة على الجميع .... لكل واحد رغبته الخاصة
في الحياة ...ولكل واحد أتجاهاته المحببة لديه في هذه الحياة .. وهكذا تتكامل
وتتكافىء معادلة الحياة .. كل واحد بالدور الذي يلعبه ....!!
لستُ متأكداً من أن صديقي أقتنع من كلامي هذا ..لأنه كان يهزَّ رأسه فقط
وأنا أتكلّم ولم يبدي أيُّ رأياً .. سلبيّاً كان ، أم أيجابيّاً ........
واليوم وبعد مرور أشهر على لقاءنا الأخير ، وأنا أتجوّل بين المواقع المتعددة
علّني ألمح قصيدة شِعريّة لصديقي ...ولكن عبثاً أفعل ...!!
على كل حال سأنتظر أكثر ... يقولون في العجلة الندامة ..
لا أتمنى أبداً أن أضطر في يوم من الأيام وبعد الأنتظار الطويل ، وبعد
فقدان الأمل ..وعندما تجمعنا الصدفة ثانيةً .......... أن أقول له متأسِّفاً :
لقد دمّركَ ( غروركَ ) ياصديقي ...!!!
فريد توما مراد
ستوكهولم - السويد
[/size]مجرد نقاش عادي جدّاً دار بيني وبينه .. هو يحترمني .. وأنا أيضاً
أكنُّ له كل الأحترام والتقدير ..
صديقي هذا يعتبر نفسه من النوع المثقّف ..وأنا لا أنكر هذا أبداً عليه ..
لكن للأسف لغاية هذه الساعة ، لا بل لغاية هذه اللحظة التي أكتب فيها
لم يقدِّم صديقي هذا أي عمل للقراء .. وأيضاً لا أنكر عليه أبداً ، قد يكون
لديه أعمال مخفيّة يحتفظ بها لذاته ..وربما قد لاتسعفه الجرأة ليعلن عنها
وكثيرين هم أمثاله .. فهذا ليس عيباً ، إنما قد يعود سببه إلى الخجل وعدم
الجرأة كما ذكرنا ، أو يعود إلى الغرور الشخصي ، وبمفهوم آخر نستطيع
أن نسميه بالتعالي .... ومع أسفي الشديد فصاحبي هذا يبدو أنه من النوع
الأخير ......
تعرّفتُ عليه منذ سنوات عديدة ، لكن لم تربطني معه صداقة متينة ودائمة
كنا نلتقي أحياناً في بعض المناسبات ، فنتحدّث ونتناقش في أمورٍ شتّى ..
ولكن بمجرد أفتراقنا لم يكن بيننا أتصالات هاتفيّة أو ماشابه ذلك ، لغاية
لقاءنا مصادفة مرّة أخرى ..
قبل أيام جمعتني الصدفة بصديقي هذا ، الذي كان قد مضى على أفتراقنا
آخر مرّة ، بضعة أشهر ...وكالعادة جرّنا الحديث ثانية إلى الكتابة وآخر
المستجدات من أعماله التي يحتفظ بها لنفسه .. والتي لغاية هذه اللحظة
لم ترى النور ..إنها تعيش في ظلمة حالكة قد يصعب عليها الخروج مباشرة
إلى أشعة الشمس الساطعة ، فهي كالسجين في زنزانة مظلمة
لمدة طويلة من الزمن ...
قلتُ له من باب المزاح : ما هي آخر أعمالك التي كتبتها وقدمتها لذاتك ؟
لم أكن أبداً متوقعاً منه بأنه سيُدخل يده اليمنى في جيب جاكيته الداخلي
ليُخرج منه ورقة بيضاء ليفتحها بكل هدوء ويقول : أسمع هذا الشعر الذي
كتبته مؤخَّراً .. وراحَ يُسمعني ...وأنا أزداد شوقاً لسماع المزيد ...
سأكون عديم الإحساس والشعور والتذوّق إن لم أعترف بقدرة صاحبي
وأمكانياته العالية ، وإحساسه المرهف في كتابة القصيدة الشعرية ...
إنه جدير بالثناء عليه ...فهو وبكل تواضع أقولها : يستحق لقب ( شاعر )
دون منازع ..
جميل....ورائع...ومذهل .. ما سمعته منكَ ياصديقي ..!! إنكَ مبدعاً للغاية
ورقيق الحس ..ولكنكَ بالمقابل أنت ظالماً وقاسياً ..! قلتُ له بعد أنتهائه
من إلقاء قصيدته ُعليَّ ...
قال : كيف ؟... ولماذا ؟
قلتُ : لأنكَ تقسو على أشعاركَ ، بنفسكَ ، وتحرم الآخرين من سماعها ..!
قال : وماذا تريدني أن أفعل ؟
قلتُ : أنشرهم ياأخي .. فهناك عدة وسائل وطرق للنشر .. وهناك على
سبيل المثال لا الحصر العديد من المواقع تستطيع أن تتفاعل معها ..!
أجابني صديقي وقال : بالحقيقة لم أرى لغاية الآن الموقع الذي أرغبه ..
فأغلب المواقع بعيدة عن النهج الثقافي ، ولا تجد فيها إلاَّ العدد القليل الذي
يهتم في هذا المجال ... أما الأغلبيّة فمعظم كتاباتهم هي عن الأكل والرياضة ونقل
الأحداث والتهاني والتعازي ....والخ من هذه الأمور التي
قد تكون لاتعني ليَّ الكثير ...!!
فقلتُ له : ربما ما تقوله صحيحاً من وجهة نظرك ..
( علاوةً على وجود مواقع تهتم فقط بالأدب والثقافة ) ولكن أسمح لي أن أعطيك مثالاً بسيطاً
تخيّل يا صديقي وأنت تدخل حديقة في يومٍ ربيعيٍ جميل
لتروِّح عن نفسكَ ، وتريِّح أعصابكَ ...وعند دخولكَ لاتجد فيها إلاَّ
نوعاً واحداً من الزهور ..! فأخذت تتجول وتتمشى علك ترى نوعاً آخراً
ولكن دون فائدة ..! فالحديقة بطولها وعرضها لاتحوي سوى نوعاً واحداً.
حتماً ياأخي ستشعر بعد فترة من الزمن بالملل ..وستزهق من رؤية المكان
مهما كانت هذه الزهور جميلة وخلاّبة ، وفوَّاحة للعطر ..
وهكذا ياصديقي يكون ( الموقع ) .. فإذا لم يكن متنوِّعاً ، حتماً سيُصاب
الزائر بالملل والإرهاق .. وربما لا يُعاود الكرّى إليه .
أصابع يدكَ كلها ليست متساوية ..هكذا أرادها الله ليكون لكل واحدة منها
مهمتها الخاصّة ... وهكذا الإنسان ياصديقي .. فلو كل الناس كتبت شِعراً
لأصبح هذا الشِعر ضيقاً وكآبة على الجميع .... لكل واحد رغبته الخاصة
في الحياة ...ولكل واحد أتجاهاته المحببة لديه في هذه الحياة .. وهكذا تتكامل
وتتكافىء معادلة الحياة .. كل واحد بالدور الذي يلعبه ....!!
لستُ متأكداً من أن صديقي أقتنع من كلامي هذا ..لأنه كان يهزَّ رأسه فقط
وأنا أتكلّم ولم يبدي أيُّ رأياً .. سلبيّاً كان ، أم أيجابيّاً ........
واليوم وبعد مرور أشهر على لقاءنا الأخير ، وأنا أتجوّل بين المواقع المتعددة
علّني ألمح قصيدة شِعريّة لصديقي ...ولكن عبثاً أفعل ...!!
على كل حال سأنتظر أكثر ... يقولون في العجلة الندامة ..
لا أتمنى أبداً أن أضطر في يوم من الأيام وبعد الأنتظار الطويل ، وبعد
فقدان الأمل ..وعندما تجمعنا الصدفة ثانيةً .......... أن أقول له متأسِّفاً :
لقد دمّركَ ( غروركَ ) ياصديقي ...!!!
فريد توما مراد
ستوكهولم - السويد