وقد جرى تسجيل هذه التركيبة رسميًا كبراءة اختراع في الولايات المتحدة، ونالت موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية في جويلية 2025، تحت عنوان فولفسترانت فرميلايشنز.
وتصف نقابة صيادلة العراق هذا الإنجاز بأنه إضافة نوعية لمسيرة الصيدلاني العراقي في مجال البحث والتطوير، ويعيد التأكيد على قدرة الباحث العراقي على الإسهام في صناعة الدواء، لا الاكتفاء بدوره التقليدي في وصفه أو تداوله.
وقال فرج، في حديث لوكالة الأنباء العراقية إنّ الدواء المطوَّر يُستخدم في علاج سرطان الثدي في مراحله المتقدمة، وهو علاج هرموني تتقارب بنيته الأساسية مع الهرمونات الأنثوية، غير أنّ الصيغة الجديدة أعادت هندسة التركيبة الدوائية من الداخل، مشيراً إلى أنّ جوهر التطوير ارتكز على تعزيز ثباتية المستحضر، بحيث لم يعد بحاجة إلى الحفظ في درجات التبريد، وأصبح قادرًا على تحمّل حرارة الغرفة والتعرّض للضوء والرطوبة، ما سهّل عملية خزن الدواء على الصيدليات والمرضى معًا.
وبحسب فرج، اعتمدت التركيبة الجديدة زيت الخروع بوصفه المذيب الأساسي، مع إدخال مواد خاصة إلى المادة الفعّالة، الأمر الذي أسهم في رفع مستوى الثبات أثناء التصنيع والخزن، ونتيجة لذلك، اختفت إلى حدٍّ كبير المواد المتحللة التي كانت تظهر في التركيبات السابقة، وهو ما يعدّ العامل الأهم في تقليل الأعراض الجانبية.
وأوضح فرج أن لأعراض الشائعة مثل الغثيان وتساقط الشعر والإرهاق كانت ناتجة في الغالب عن نواتج تحلل المواد المساعدة وليس عن المادة الفعّالة نفسها، ومع السيطرة على هذه التحللات، انخفضت تلك الأعراض بشكل ملحوظ.
وأكد أنّ التطوير شمل أيضًا تقليل عدد الجرعات وحجمها، إذ باتت الجرعة تُعطى مرة واحدة شهريًا عن طريق الحقن العضلي بدلًا من تقسيمها إلى جرعات أكثر تكرارًا، إضافة إلى تقليص حجم الحقنة من 10 مليلتر إلى 5 مليلتر، مبيناً أنّ هذا التغيير ينعكس مباشرة على تقبّل المريضة للعلاج، ويوفر للأطباء والصيادلة مرونة أكبر في إدارة بروتوكولات العلاج الهرموني لسرطان الثدي بجرعة أقل حجمًا وأسهل في الإعطاء والمتابعة.
وأصبح إعطاء الحقنة بصيغتها المطوَّرة في الممارسة السريرية قريبًا من حقنة البنسلين، إذ تُحقن عضليًا من دون ألم يُذكر تقريبًا، ما زاد من قابليتها لدى المريضة والطبيب على حد سواء، وسهّل تطبيق بروتوكول العلاج الهرموني في الاستخدام اليومي.
وفي استعراضه لمسار الوصول إلى هذه الصيغة، أشار إلى أنّ المشروع البحثي انطلق عام 2009 داخل مختبرات شركة فريسنيوس كابي ، حيث جرى أولاً اختيار المادة الفعّالة، ثم تنفيذ سلسلة من التجارب لتحضير التركيبة وتحليلها، أعقبتها تجارب على الحيوان، ثم إعطاء المستحضر للمتطوعين بعد الحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية.
وأضاف، أنّ اختيار التركيبة النهائية تم عام 2019 بموافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية، واستمر العمل على تطويرها وتحسينها حتى عامي 2024–2025، إلى أن حصلت على الموافقة النهائية في عام 2025 لتصنيعها لصالح شركة فريسنيوس كابي الأميركية البريطانية، من مقرها في شيكاغو بولاية إلينوي، بوصفها تركيبة مسجَّلة لعلاج هرموني لسرطان الثدي بجرعة شهرية أكثر ثباتًا وسهولة في الاستخدام.
ولفت فرج إلى أنّ تطوير التركيبة الدوائية لم يقتصر على الفعالية المخبرية، بل شمل أيضًا جانب تقبّل المريضة نفسيًا وسلوكيًا، موضحاً أنّ “الفريق البحثي أجرى دراسة حول ما يُعرف بـ بشينت اكسبتنس، أي مدى تقبّل المريضة للعلاج، انطلاقًا من قناعة مفادها أنّ المريض يميل إلى الدواء كلّما قلت أعراضه الجانبية، وتراجع عدد جرعاته، وبات استخدامه أكثر سهولة.
ونوه، إلى أنّ المستحضر الجديد يجمع بين هذه العوامل مجتمعة: أعراض جانبية أقل، جرعة واحدة شهريًا، وطريقة إعطاء مريحة، مؤكدًا أنّ راحة المريض تنعكس إيجابًا على الطبيب، الذي يصبح أكثر استعدادًا لاعتماد هذا الخيار العلاجي مدفوعًا بالنتائج الإيجابية الممتازة التي أظهرتها المتابعة السريرية.
ويرى فرج أنّ “الوصول إلى مثل هذا المستوى في البحث الدوائي يتطلب بيئة علمية منظّمة، تشمل تخصيص ميزانيات عالية للبحث في المصانع الدوائية والجامعات، وتوفير ظروف عمل مناسبة للباحثين، فضلًا عن ابتعاثهم إلى دول متقدمة مثل اليابان ودول أوروبا والولايات المتحدة، للاطلاع على مناهج البحث الرصينة وآليات تحويل الأفكار العلمية إلى تطبيقات عملية. كما يشدّد على ضرورة توفير حوافز مادية ومعنوية حقيقية”، عاداً أنّ الإبداع في هذا المجال يحتاج إلى مناخ يدعم التجربة الجريئة ويكافئ من ينجح في تحويلها إلى إنجاز دوائي ملموس

