صفحة 1 من 1

ميادين الحروب في عصر الذكاء الاصطناعي.. قدرات غامضة وسيناريوهات تهديد متنوعة!

مرسل: الخميس نوفمبر 20, 2025 4:25 am
بواسطة إسحق القس افرام
أصدر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة كتاباً جديداً بعنوان الحرب في عصر الذكاء الاصطناعي للدكتور إيهاب خليفة، رئيس وحدة التطورات التكنولوجية بالمركز، ورئيس برنامج الذكاء الاصطناعي.
يعرض الكتاب إطاراً تحليلياً شاملًا لفهم التحولات العميقة التي تشهدها الحروب الحديثة مع دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى الميدان العسكري والاستراتيجي.
الذكاء الاصطناعي يعيد صياغة ميدان الحرب
يبدأ الكاتب بتوصيف مرحلة جديدة من الصراعات حيث أصبحت الأنظمة الذكية من الطائرات المسيّرة إلى الخوارزميات ذاتية التعلم تشارك في عمليات الاستهداف، والتحليل، واتخاذ القرار، بدرجة تتجاوز القدرات البشرية في السرعة والدقة.
ويشير إلى أن هذه التحولات لا تقتصر على الجانب التقني فحسب، بل تمتد إلى إعادة تعريف مفاهيم الردع، والسيادة، وحتى الأخلاق العسكرية.
الذكاء الاصطناعي يغيّر عقل الحرب" وليس فقط أدواتها
ويؤكد الكاتب أن الذكاء الاصطناعي لا يغيّر فقط أدوات الحرب، بل يبدّل أيضاً عقلها الاستراتيجي، بما يفتح الباب أمام صراع جديد يتداخل فيه الإنسان والآلة ضمن بيئة معلوماتية كثيفة وسريعة التحوّل.
فقديماً، كانت الدول تمتلك الوقت لتطوير واختبار التكنولوجيا العسكرية، وكان يتعاقب على السلاح الواحد عدة أجيال من المقاتلين، وكان هناك فرصة لاختبار الأسلحة الجديدة وإحلال القديمة منها بأخرى متقدمة، لكن مع تسارع عمليات التطوير التكنولوجي للأسلحة مدفوعة بتقنيات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، أصبحت الدولة مطالبة بأن تسير بنفس وتيرة السرعة، وأن تعيد النظر بصورة مستمرة في احتياجاتها من التقنيات العسكرية التي تتطور سريعاً، آخذة في الاعتبار القيود المفروضة على الميزانيات العسكرية من ناحية، وتصاعد التهديدات الإقليمية والدولية من ناحية أخرى.
تطور أسلحة المستقبل: ذئاب روبوتية وأسراب مسيرات ومقاتلي السايبورغ
ومن الأسلحة الجديدة القائمة على الذكاء الاصطناعي التي يتناولها الكتاب والتي سوف تكون محل اهتمام الدول قريباً الذئاب الروبوتية التي تقوم بمهام الاستطلاع وتشتبك مع العدو وتقاتل.
وكذلك أسراب المسيرات التي تهاجم من الجو والبحر في آن واحد وتجانس تام، والذخائر الحية التي تتحرك بين الركام وداخل الأنفاق بحثاً عن هدفها، والمركبات المستقلة التي تحمل المؤن والسلاح وتعود بالمعدات المعطوبة والجنود المصابين، والأسلحة الموجهة بالليزر، والنبضات الكهرومغناطيسية القادرة على قطع الاتصالات و"شلّ" القدرات المعادية دون قتل مباشر.
يدير كل ذلك منظومة تعمل بالذكاء الاصطناعي، تحدد الأهداف وتصدر الأوامر، ويقف خلف هذه المنظومة جنود تم تطويرهم وترقية أجسادهم بتقنيات ذكية، لديهم أعين أيونية ترى في الظلام وخلف الجدران، وأطرافهم صناعية من الحديد والفولاذ قادرة على السير لمسافات طويلة دون عناء، يطلق على هؤلاء الجنود مقاتلوا السايبورغ.
ومع تعاظم التأثير الذي تلعبه التقنيات الذكية مثل نظم الذكاء الاصطناعي والطائرات بدون طيار والمركبات المستقلة والحواسيب الخارقة والكمومية والأسلحة السيبرانية والمعلومات الاستخباراتية التي يمكن الوصول إليها من المصادر المفتوحة Open Source Intelligence، ومع دمج تكنولوجيا "السايبورغ" في التطبيقات العسكرية، فإن ذلك قد يؤدي إلى ثورة في الشؤون العسكرية ويغير بصورة كبيرة من شكل الحروب في المستقبل القريب.
التفوق النوعي مقابل التفوق الكمّي
هذا التطور يُعيد تعريف مفهوم "التفوق" من خلال "الكم" و"الضخامة" إلى التفوق النوعي، فحينما يمتلك الخصم المزيد من السفن والمزيد من الصواريخ والمزيد من المقاتلين، في مقابل محدودية الأسلحة والأفراد التي يمتلكها الطرف الآخر، تصبح الأسلحة القابلة للتضحية في هذه الحالة فعالة أمام الكتل الضخمة مرتفعة التكلفة.
وفي هذه الحالة تستطيع الجيوش الصغيرة زيادة فاعليتها وتأثيرها أمام الجيوش الضخمة عبر أدوات ذكية ورخيصة، وبالمثل تستطيع الحركات المسلحة والجماعات الإرهابية أن تمتلك ميزة نسبية من خلال هذه التقنيات في مواجهة الجيوش النظامية، مما يغير من معادلة التفوق العسكري.
تحديات الردع في عصر الذكاء الاصطناعي
كما أن المفهوم التقليدي للردع تأثر أيضاً بتقنيات الذكاء الاصطناعي، إذ لم يعد بمقدور أي خصم أن يعرف على وجه اليقين ما الذي يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تنفّذه وما هي قادرة عليه، فهي تقنيات مربكة لساحة المعركة ولأدوات القتال التقليدية، كما أنها قللت من فاعلية الردع التقليدي، لأنها جعلت كلفة الهجوم منخفضة، فحين تتاح وسائل الضرب بتكلفة زهيدة يصبح من السهل المبادرة فيسقط معها الردع، ومن ثم أصبحنا أمام بيئة ردعية جديدة، لم تعد تقوم على وضوح العقوبة، بل على ضبابية القدرة وتعدّد سيناريوهات التهديد، حيث الخوف لا يأتي مما نعرفه، بل مما لا نستطيع التنبؤ به.
ظهور نظام دولي جديد قائم على نظم ذكية
ولا تتوقف أدوار الذكاء الاصطناعي فقط على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية، بل أيضاً تشمل المستويات الاجتماعية والإنسانية والقانونية، فيصبح الذكاء الاصطناعي فاعلاً في العلاقات الدولية له حقوق وعليه التزامات، يأخذ قرارات تتعلق بحياة الأفراد ومصير الشعوب، ويتحكم في الاقتصاد والتجارة الدولية، يخبر الأفراد ماذا يأكلون وأين يقيمون ومتى يقاتلون، ويُنتج أسلحة غير مسبوقة ويخلق حاجات إنسانية جديدة ويولّد قيماً ومبادئ أكثر مادية، فيشكل نظاماً دولياً جديداً قائماً على ما تجود به نظم الذكاء الاصطناعي.
الفصل الأول: الأساس المعرفي للذكاء الاصطناعي والشبكات العصبية
ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب، الذي يناقش الدور المتصاعد للذكاء الاصطناعي في الحروب والعمليات العسكرية، سواء على مستوى الإدارة والتخطيط أو التنفيذ، ويتكون من 6 فصول رئيسية، يضع فيها الفصل الأول الأساس المعرفي للذكاء الاصطناعي، فيبدأ بتعريف مفاهيمي للذكاء الاصطناعي، ثم شرح الشبكات العصبية العميقة بوظائفها وحدودها باعتبارها المكون الجوهري للذكاء الاصطناعي، ثم يعرض سيناريوهات تطور الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب، والتي تنطلق من الذكاء الاصطناعي الضيق إلى الذكاء الاصطناعي العام، ويختم بمناقشة الإشكاليات الأخلاقية والتشغيلية لتوظيف الذكاء الاصطناعي في المجالات الحرجة.
الفصل الثاني: تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحروب والخوارزميات العسكرية
بينما يناقش الفصل الثاني تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحروب، فيوضح كيف تغيّر الخوارزميات من صيغة التخطيط العسكري؟ ما حدود الاعتماد الآلي على الذكاء الاصطناعي في القرارات الحاسمة؟ ويستعرض تطبيق الذكاء الاصطناعي في نظرية المباريات وألعاب الحروب، ويبين الفرق بين الأسلحة المؤتمتة والمستقلة وشبه المستقلة، ويؤكد هذا الفصل أن الذكاء لا يلغِي الإنسان، لكنه يعيد صياغة دوره: كمشغل، ومراجع، وصانع قرار في مؤسسات مُعاد تصميمها، لكي تتكيف مع الواقع الجديد.
الفصل الثالث: دور الطائرات المسيرة وحدودها التقنية
ومع تصاعد أهمية المسيرات والطائرات بدون طيار كنموذج لتطبيقات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة في الحروب، يحلل الفصل الثالث أبعاد هذا الدور المتصاعد وحدوده، والتطبيقات المختلفة للمسيرات في العمليات العسكرية، والعوائق التي تحد من قدراتها، وطرق تعامل الدفاعات الجوية معها.
الفصل الرابع: مستقبل تطوير الأسلحة والمقاتلين الأذكياء
ويستعرض الفصل الرابع مستقبل تطوير التكنولوجيا العسكرية، فيتناول سيناريوهات مستقبلية على مستوى تطوير الأسلحة والمعدات العسكرية ومستوى تطوير الجنود والمقاتلين أنفسهم عبر ترقية أجسادهم بتقنيات ذكية.
الفصل الخامس: الذكاء الاصطناعي والسياسة الدولية والدبلوماسية
ويناقش الفصل الخامس تطبيقات الذكاء الاصطناعي والعلاقات الدولية، فينقل المقاربة من البعد العسكري إلى البعد السياسي، مثل قضايا السيادة، وتحديات الدبلوماسية في زمن الخوارزميات، وآليات إدارة المنازعات والتحكيم الدولي حين تصبح الأداة غير البشرية طرفاً فاعلاً في النزاع.
الفصل السادس: دراسات حالة.. حرب غزة 2023 والحرب الروسية-الأوكرانية
أما الفصل السادس فيدرس حالات تطبيقية، فيناقش الفصل السادس توظيف الذكاء الاصطناعي في حرب غزة 2023، كدراسة حالة معمقة لتطبيق الذكاء الاصطناعي في الإدارة العسكرية، فيقدم تشريحاً عملياً لاستراتيجية "فريق الإنسان والآلة"، ويحلّل أنظمة مثل جوسبل ولافندر وأين منزلي؟ كأمثلة تطبيقية على كيفية دمج البيانات، الرصد، والتصنيف في سياقات عملياتية حساسة، مع نقاش نقدي للجوانب الأخلاقية والشرعية ونتائجها الميدانية.
كما يتطرق إلى توظيف الذكاء الاصطناعي في الحرب الروسية-الأوكرانية، وبصورة خاصة عملية شبكة العنكبوت الأوكرانية وتحليل دلالاتها الاستراتيجية، ثم تعميم الاستنتاجات على طريقة تحول الردع، وتوزيع القدرات، وتكييف مؤسسات الدفاع أمام تهديدات غير متماثلة.
إعادة تشكيل العقائد العسكرية في عصر الذكاء الاصطناعي
وينتهي الكتاب بخاتمة تطرح توصيات عملية لصناع القرار من قبيل، كيف نعيد تشكيل العقائد العسكرية في عصر الذكاء الاصطناعي، وما الضوابط الأخلاقية والقانونية التي يجب تبنّيها، وكيف يمكن للمجتمع الدولي أن يؤطر استخدام هذه التقنيات بما يحد من الانزلاق نحو فوضى تسليحية لا يمكن ضبطها.