صفحة 1 من 1

حياة العذراء في الهيكل – من كتاب «العذراء مريم في الوجدان الأُرثوذكسيّ»

مرسل: السبت ديسمبر 13, 2025 3:00 pm
بواسطة سعاد نيسان
خصَّصت ساعات صلاةٍ، منذ الصَّباح وَحتَّى السَّاعة التَّاسعة. ثمَّ من السَّاعة التَّاسعة حتَّى الثَّالثة بعد الظُّهر، كانت تعمل بحياكة الصُّوف، ثمَّ كانت تعود للصَّلاة ثانيةً. وَكان رئيس الملائكة يأتيها بالطَّعام مرَّةً واحدةً في اليوم، بعد السَّاعة الثَّالثة ظهرًا. وَأَمَّا الطَّعام الَّذي كانت تأخذه من الكهنة، فكان يوزَّع على الفقراء.
حياتها هذه، المنظَّمة بطريقةٍ إِلهيَّةٍ، جعلتها كحمامةٍ كانت كلَّ يومٍ تتحدَّث مع الملائكة، الَّذين حفظوها وَساعدوها في الإِنشغال بالأَشياء الصَّالحة، فصارت أَكثر كمالًا في عمل الرَّبِّ. وَبعيدًا عن اضطراب الحياة اليوميَّة، كانت تتأَمَّل وَتغذِّي روحها، لاهجةً بالأَسفار المقدَّسة ليل نهار.
لم تفُقها بقيَّة العذارى في التَّسبيح وَالسَّهرانيَّات وَتعلُّم حكمة النَّاموس، وَالتَّواضع وَروعة التَّرنيم وَكمال الفضائل. يقول القدِّيس أَمبروسيوس عن دوام بتوليَّة العذراء، أَنَّها صارت مثالًا للحياة النَّقيَّة، كونها خاضعةً وَمطيعةً للجميع، صديقةً للكلِّ. لم تضايق أَحدًا، لم تقل كلمةً قاسيةً بحقِّ أَحدٍ أَبدًا، وَلم تفكِّر فكرًا سيِّئًا.
كانت مخلصةً، ثابتة العزم غير متبدِّلة. لم يرَ أَحدٌ مريم غاضبةً أَبدًا، وَلا سمعها تتكلَّم بالسُّوء. امتلأَت أَحاديثها بالنِّعمة وَداومت على الصَّلاة، وَلهجت بالنَّاموس، وَكانت حريصةً على رفيقاتها خوفًا من أَيِّ خطيئةٍ يقترفنها، بكلمةٍ أَو نبرة صوتٍ، أَو بضحكةٍ عاليةٍ أَو بنظرة. إِنتبهت خشية أَن تُزعج، على غفلةٍ منها، إِحدى رفيقاتها، أَو تبدو متكبِّرةً عليهنَّ. كانت تشكر اللّٰه وَتمجِّده، وَتسبِّحه دائمًا. يقول القدِّيس غريغوريوس بالاماس ”أَنَّ العذراء كانت أَوَّل شخصٍ يأخذ على عاتقه الصَّلاة، بلا انقطاع“.
إِنَّ نسك مريم جعلها تفهم أَكثر، طبيعة الخطايا. امتلأَت بالشَّفقة على النَّاس، لذلك قرَّرت أَن تسكن عند اللّٰه، بقلبها وَفكرها وَروحها. سعت إِلى البقاء متيقِّظةً وَمجاهدةً في الصَّلاة. فهمت أَنَّ أَفضل طريقةً للحديث مع اللّٰه، هي من خلال الصَّمت المقدَّس وَصمت العقل. انسحبت من العالم وَاهتماماته، وَارتقت إِلى التَّأَمُّل باللّٰه بواسطة صمت الأَفكار وَالصَّلاة ليل نهار، وَبالصَّمت نقَّت قلبها.
صارت في شركةٍ مع النِّعمة الإِلهيَّة. صارت سحابةً مُنيرةً للماء الحيِّ، فجرًا للنَّهار السِّرِّيِّ وَمركبةً ناريَّةً للكلمة. بالصَّمت المقدَّس، وَالصَّلاة الدَّاخليَّة، وَاليقظة، صارت مثالًا لهؤُلاء المُزمِعين أَن يصبحوا نسَّاكًا لِابنها وَإِلهها. وَلأَنَّها كانت تشعر بضعف الطبيعة البشريَّة أَكثر، فقد تاقت جدًّا لمجيء المسيح.
من كتاب «العذراء مريم في الوجدان الأُرثوذكسيّ»