الدنيا كما كُنّا نراها
لم يكن شيئاً ليقطع علينا أحياناً نومة الظهيرة الطيّبة
سوى حرارة المكان الذي كان لا يُطاقْ ولايُحتمل
في بعض الأحيان ، أو صوت ( الزمّور ) المنبعث
من إحدى سيارات الركَّاب ، الذي كانَ ينطلق من أول
عبورها شارعنا ، ولغاية وصولها إلى باب المنزل
حيثُ ينتظرها هُناكَ الراكب ، وأحياناً يكون أكثر من
واحد ، ليستقلّوها ولتتابع بعدها المسير إلى مكانٍ آخر .
كانَ شارعنا العريض يبدأ من مدرسة الأرمن ، وينتهي
بأوَّل بيت من مدخل حارة ( السيمالكهَ ) الحديثة العهد
والقليلة البيوت ، وأحتمال كبير من هُنا جاءتها هذه
التسمية ( سيهْ مالكهَ ) أي ( ثلاث بيوت ) باللغة الكرديّه.
بعدَ هذه الحارة كانت تتشرّع الحقول والكروم والبساتين
الجميلة الخلاَّبة ، لينبعث منها الهواء النقي العليل فيُخيّلْ
إليكَ وأنتَ تعبرها وكأنكَ في إحدى جنّات عدن الخياليّة .
كانت العادة وقتذاك ، عندما يقرر الشخص السفر إلى
القامشلي ، يتوجَّب عليه أن يذهبْ إلى كَراج السيّارات
أو يبعث من ينوب عنهُ ، للتسجيل وحجز المقاعد من
ثمَّ يعود إلى البيت وينتظر ، لأنّ الهواتف وقتذاك لم تكن قد
غزت البيوت ، فقلّة قليلة من الناس فقط كانت تمتلكها ،
وغالباً كانت من الطبقة الغنيّة ، وعندما كانَ يكتمل عدد
الركاب في الكراج ، الذي من المفروض أن يكون ثمانية
إلاَّ أنه كان يفوق الأربعة عشر في أغلب الأحيان ، بعدها
كانَ يتّكل السائق على الله ويأتي ليأخذ بقية الركاب من
البيوت ، حيثُ ينتظرهُ الذينَ كانوا قد حجزوا مقاعدهم مسبقاً .
في تلكَ الأيام ، كنَّا أنا ومجموعة من الأطفال المتبرعمة
حديثاً في تلكَ الحارة المأهولة بالسكان على مختلف
أعمارهم ، أمَّا بالنسبة لنا أبناء الجيل الواحد ، وأقصد
الذين جئنا إلى هذه الحياة في نفس السنة ، كانَ عددنا
كبيراً، ففي تلكَ الأشهر من سنة 1957 لم تنجب الأمهات
في حارتنا سوى الذكور ، فأكثرَ من 12 طفلاً ذكراً
رأوا النور في ذلكَ العام،أمَّا حظ البنات فكان قليلاً جدَّاً.
أجل عندما كنا لا نزال براعماً متفتَّحة حديثاً على دربِ
الحياة ، كانت الدنيا كما كنا نراها بأعيننا الطفولية ، وكنا
نظن بأن الذي نراهُ الآن سوف يبقى كما هو ، ونحنُ سنبقى
كما نحنُ عليه ، فذاكَ العجوز الذي يتّكأ على عصاه
ويسير في الشارع ، سيبقى كما هو ، وتلكَ النسّوة اللواتي
يجلسنَ كل يوم أمام باب الدار ويتحدثنَ ويقهقهنَ ويشربنَ
القهوة ، ويقرئنَ الفنجان ، هكذا خُلقنَ ، وهكذا سيَظلنَ ،
والخالة مريم ستبقى الخالة مريم طول الأبد ، والعم بهنان
سيبقى العم بهنان إلى الأبد ، وأبونا القس الذي كنا كلّما
رأيناه قادماً ، نركض أمامهُ ، لنقبل يده ، فيباركنا ويتكرّم
علينا بحبَّة من السكاكر التي كانت جيوبهُ لا تخلو منها أبداً،
سيبقى كما هو ، وسنبقى نركض أمامهُ ونقبّل يدهُ ، ونأخذ
منهُ السكاكر . كانت الدنيا صغيرة جدّاً بالنسبة لنا ، على
مقياس صغرِ عقولنا ، كانت ديريك في منظارنا الطفولي
هي بداية العالم ، والقامشلي نهايتهُ ، والطفل الذي كان
قد شاهدَ القامشلي مرّة برفقة والديه أو أحّد أقاربه ،
كان يتفاخر ويتباهى دائماً أمام رفاقه الذين لم تُتاح لهم
الفرصة ليشاهدوها ، وكان عندما يصفها لهم ، يبالغ كثيراً
في الوصف ، بحسب ما يُملي عليه فكرهُ الطفولي ، كل
ذلك من باب التعالي والتفاخر بما أمكنَ أن يراهُ هو ، ولم
يتمكنوا هم من رؤياهُ ، كل هذا كان يحدث معنا كأطفال
لانعرف من الدنيا غير ديريك عالمنا الوحيد
والقامشلي العالم الآخر. قبلَ أن تتفتح أذهاننا
تدريجيّاً لنعلم بعدها أن الحسكة هي نهاية العالم ،
من ثمَّ حلب ، والشّام ، وأخيراً الكون الفسيح ،
والشيء الذي كانَ يزيدنا أعتقاداً بذلك ، هو عندما كنا
نرى الذين يسافرون إلى القامشلي ، كيفَ كانوا يوَدَّعونْ
من قبل أهاليهم وأصحابهم ، فعندما كانت تطلق سيَّارة
الركاب الزمّور ، معلنة بقدومها ، كان الجميع يخرجون
أمام باب الدار بمن فيهم المسافرون ، وهناكَ كان يبدأ
العناق الطويل ، والقبلات الحارّة ، وأحياناً كثيرة كانت
الدموع تسبق الكلام ، ناهيكَ عن الوصايا التي كانت
تنهال على المسافر المسكين ، والسلامات المرسلة
معهُ للأهل والأقرباء في القامشلي (الطرف الآخر من
العالم ) ، وكانَ في كثير من الأحيان يشتركْ أغلب
الحي في ملحمة الوداع ، فهذا يوصي ويقول : أمانة
سلم على بيت أبن عمي ، وقولْ لهم أننا مشتاقون إليهم
كثيراً ، ونتمنّى رؤيتهم ، لكن مشقة الطريق ، وَبُعدْ
المسافة ، هوالسبب العائق ، وتلكَ تقول : إذا رأيتَ
أختي وزوجها ، طمِّنهم بأننا بخير ، ولا ينقصنا شيء
سوى رؤياهم . وهكذا حتى يتضايق الركاب الجالسين
بالسيارة التي ترتفع الحرارة بداخلها إلى أكثر من
40 درجة مئويَّة ، ناهيكَ عن رائحة العرق المهدور
ودخان السجائر الذي كانَ يحجبْ الرؤية بين المسافرين
والمودّعين ، حتى يصرخ السائق بأعلى صوتهِ ويقول :
( خلصونا بقا ، وخلونا نتيسَّر ! ) .
كانت أيادي المودّعين تبقى ملوِّحة حتى تختفي السيارة
كليَّاً عن الأنظار ، وكما كانتْ حفلة الوداعْ ، هكذا
كانتْ حفلة الأستقبال أيضاً ، ولكن ليسَ بدموع الحزن
والزعل ، بل بدموع البهجة والفرح . هكذا كانت رحلة
الذهاب والعودة من ديريك إلى القامشلي ، وبالعكس .
برغم أننا كنّا صغار ، وبرغم حجم إدراكنا الصغير
إلاَّ أننا لبعض الأمور كنا مُتفتحين ، فمثلاً كنا نعرف
سيارة الركاب قبل أن نراها بمجرّد سماعنا لصوت
زمّورها ، فكنا نقول : إنها سيّارة (فلان ) أو ( فلان ) لأنَّ
كل واحدة منها كانَ لها نغمة خاصة تختلف عن الأخرى
وكنا أحياناً نشترط على هذا الشيء ، وغالباً ما كان الشرط
مجرّد ضحكات أستخفاف وأستعياب على من يكون قد
أخطأ ، الأمر الذي كانَ يؤدّي في أحياناً كثيرة لنشوب
معركة طفوليّة بيننا ، أو بينَ الأمهاتْ ، هذا إذا بكى الطفل
المُعتدى عليه وأسرعَ ليُخبِر أمَّهُ ،عندها كانَ يبدأ الهجوم
وتشتعل الحرب ، وتتعالى الأصوات والإتهاماتْ ( والحق
يجب أن يُقالْ ) فأغلب المشاجرات التي كانت تقوم بين
النِسوة في حارتنا ، كانَ سببها الأطفال ، ولكن الحمد لله
فالشمس كانت لا تغيب حتى تهدأ النفوس ، وتصفح القلوب .
صحيح في حارتنا كانت هُناكَ بعض النسوة تتصف بالقوّة
واللسان الحاد ، ولكن كلَّهنَّ كُنا طيبات ، وكلَّهنَّ كُنا حنونات
وكلّهن بالنسبة لنا كنَّ أمهات .
ذكريات طفوليَّة كثيرة لايمحوها الزمن ، ليَّ في ذاكَ الشارع
مع رفاق طفولتي الباقون منهم والراحلون ، فمنهم من ودّع
هذه الحياة وهو في مقتبل العمر ، ومنهم من غادرها وهو في
ريعان الشباب لم يُكتب له النصيب كي يتزوّج وينجب أطفالاً
ويذوق طعم الأبوّة وحلاوة الأطفال والأحفاد ، ومنهم من غادرها
وهو أبّاً وزوجاً ولكن لن تكتمل سعادته معهم ، أما الباقون أطالَ
الله في أعمارهم أينما وجدوا على سطح هذا الكوكب الكبير ولهم
منّي أجمل سلام ومحبّة .. نعم هي بعض الذكريات الطفوليّة التي
أبقيتها هُناك ورحلتُ ! ولكي لا أطيل عليكم الكلام ، فتزهقون
منّي ومن ذكريات حارتي وشارعنا الجميل ، أكتفي بهذا الحد ،
وأستودعكم بأمان الله
على أمل أن ألتقي بكم مجدّداً .
ميلاد مجيد وعام سعيد
كل الشكر الجزيل لكم
أخي الحبيب فريد
أسلوبك الرائع في سرد الذكريات
أخذتني أبحر معك في محيط الذكريات
وأسترجعت بلا شعور بعض ذكرياتي في ديريك الحبيبة
وكما هي ذكرياتك مع تلك السيارة وذاك الشارع
ويجمعنا حر صيف واحد وبرد شتاء قارص
ولكن يخيم على الجميع تلك المحبة الطاهرة
لك مني كل الحب والتقدير
ذكرياتك هذه رجعتنا للماضي البعيد،رعم إننا نتذكرها أحياناً
ونسرد بعض القصص المتشابهة ونقول آه يازمن.
ولكن أسلوبك الرائع في سردها يجعلنا نقرأها بحب وشغف
وكأننا نسمعها لأول مرة
وفقك الله ياكاتبنا العظيم
بانتظار المزيد
أقتن الذهب بمقدار أما العلم فاكتسبه بلا حد لأن الذهب يكثر الآفات أما العلم فيورث الراحة و النعيم .
أخي الحبيب أبن السريان
لم أكن أرغب أبداً أن أعود بكَ إلى
هناك ، مهد الطفولة وبلد الذكريات
لأُزيد عليكَ الهم ، خصوصأ في هذه
الأيام المريرة ، ووطننا الغالي يُذبح
وتتقطع شرايينه وينزف دماً وألماً..
لكن كلما حاصرتنا الحروب ، والغربة
والقلق ، والإحباط ... نهرب مسرعين
إلى ملكوت طفولتنا ، هناكَ ربما تستريح
قليلاً أرواحنا المتعبة والحزينة ( هذا ماكتبه
الفنان التشكيلي والشاعر كابي ساره تعليقاً
على قصّتي في كولان سوريويه ). إنه كلام
جميل ، وإنها الحقيقة التي لانستطيع الهروب
منها أينما أتجهنا ، وكيفما حللنا ..
شكراً لمداخلتكَ الصادقة ولمروركَ الكريم
وكل عام وأنتَ وسورية والعالم بأسره بخير .
الأخت العزيزة ( أم تغلات ) حفظكِ الرب
أكون بغاية السعادة عندما أرى أبناء بلدتي
الحبيبة ، المكسورة الخاطر ، الجريحة ،
المعذبة ، يشاطرونني الذكريات ، ويبكون
معي على الأطلال ... من يفصلنا بالروح
عن ديريك إلاَّ الموت ؟ من يستطيع أن
يقطع علينا أحلامنا وذكرياتنا الطفوليّة
إلاَّ الموت ...ديريك ... ياغصةً في قلبي
لا تزول ......!
شكراً لكِ أختي العزيزة سعاد على
مروركِ الكريم .
وكل عام وأنتِ وسوريّة الحبيبة
والعالم كلّه بخير .
فعلاً كنت ارى الدنيا بغير هذا
أشكرك أخي القدير فريد والفريد من نوعه وبوركت لهذا الموضوع القيم الذي
جعلني أرجع إلى أيام طفولتي التي أتحدث عليها في كل يوم لعائلة الصغيرة
وأذكر الفروق التي يمر بها طفل العالم الغربي. (وأبونا القس الذي كنا كلّما
رأيناه قادماً ، نركض أمامهُ ، لنقبل يده ، فيباركنا ويتكرّم
علينا بحبَّة من السكاكر التي كانت جيوبهُ لا تخلو منها أبداً)
ابكتني هذه الجملة التي لا اراها اليوم.
وفقك الله ودام قلمك بالف خير
واتقدم بالتهنئة لشخصكم النبيل بصوم الميلاد المجيد وأطلب منه تعالى ان يعم الامن والسلام في المعمورة قاطبة وسورية الحبيبة خاصة
وعيد ميلاد الحبيب يسوع المسيح بألف خير.
عزيزي الشمّاس إسحق الموّقر :
أولاً شكراً لمداخلتك الرائعة ، وألف
مبارك لكل الصائمين ، وعيد مجيد
وسنة مباركة عالجميع ، وخصوصاً
أهلنا وأحبابنا في سوريّة المنكوبة ..
نعم عندما كنا نشاهد أبونا القس قادماً
كنا نركض ونقبّل يده ، وكان لا يبخل
علينا بحبّات السكاكر ... والسؤال :
لماذا لا يفعل أولادنا اليوم هذا الشيء ؟
وعلى من يأتي اللوم ؟....
أنا أستبعد الأطفال من هذا التقصير ...
وأُبقي اللوم محصوراً مابين الوالدين
والكاهن !....
ولكَ مني كل أحترامي وتقديري
بحك اشقد كَيّفتو وانا اقرا هالذكريات التي لا يُمَل من سردها البتّة ...صح في العمر اكبرك انا بعدة سنوات .. ولم اعش في آزخ ... ولكنّي شممتُ رائحة آزخ من حجارة ديريك السوداء ومن عرصتها ومن شوارعها المرصوفة بالحجر ايام زمان ... وسلّة العنب المتنوّع من بيض الحمام الى البلبزّيكى الى البَحدو .. الى الترعوز .. الى العجّور .. ومن ينسى بوسطة بنّو ... وكرّات زمّورو ك يخرب ... يطيلع راسو من الشبّاك ويصيح .... بالك بالك .. وكأنّه لا يعلم ان صوت السيارة والموتور يُسمع الى نهاية الشارع !!
عزيزي فريد ... عشتُ معك لحظات في هذه الذكريات وكأنّي في طريقي الى كرم خالتي ام جميل زوجة يوسف القس كبرو .. واننا سنمر على كرم العم صومي في طريقنا ... بعد ان نلمح عمو بهنكو في كرمه .
اشكرك من القلب وكلي ايمان في عزرت آزخ ان تلك الصور ستبقى في ذاكرتنا ما دمنا. أحياء
أدامكَ الرب يسوع بالصحة والعافية والابداع. لنفرح بموهبتكَ وشخصيتكَ الراقية والفريدة.
فعلاً ياصديقي فريد أنتَ أجمل من صَورَ أيام طفولتنا، وحبيبتنا ديريك، فأسلوبكَ الجذاب الشفاف والمشوق والحساس... يُدخلنا الى عالمكَ القصصي وهناك تنهص ألف الصور والمعاني التي ربما غابت عن أرواحنا ولن نستطيع أن نتذوق جمالها مرة ثانية. لولا كتاباتكَ.
نعم يا صديقي كل التفاصيل في القصة منتقات بقلب وفكر وروح شاعر حساس وشفاف، ذاق طعم المحبة والفرح والغربة والألم... وعرف قيمة الصور ومعانيها التي تُشكل هيكل وأساس الشخصية. وكأنك تقول: أنا هو ذلك الطفل الجميل. نحن الذين نبتنا وترعرعنا فوق تلك الأرض، فوق تراب "سورية الحبيبة" الطفلة الطيبة والجميلة والبسيطة بالأمس...والمحاصرة والمصلوبة اليوم و...
ياصديقي الفريد كتاباتك تعيد أجمل وأغلى لحظات العمر الجميل،
وتعيد الوجوه الطيبة الحنونة، أهل ديريك وسكان حارتنا "شارع الكنيسة" وجيلنا " المولودين عام 1957.
أشكرالرب يسوع لأنك في حياتنا فتضيف من جمال روحك وكتاباتك جمالاً عليها. وتزيد عطشنا الى ينبوع الفرح الصافي طفولتنا. وكلما أقتربنا من طفولتنا كأننا أقتربنا من أنسانيتنا. وكما قال الرب: "الحق أقول لكم: إن لم ترجعوا وتصيروا مثل هولاء الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات".
فكلما حاصرتنا الحروب، والغربة، والقلق، والإحباط... نهرب مسرعين الى ملكوت طفولتنا، هناك ربما تستريح قليلاً أرواحنا المتعبة والحزينة. أيها القارئ هل رأيت يوما ما عجوزاً يعود فيصبح طفلاً؟ أذا رأيت، ستعرف ما أقصده ...
بإسمي وبإسم أهل ديريك وسكان حارتنا "شارع الكنيسة" وجيلنا " المولودين عام 1957.
نقدم لك أجمل باقات المحبة وأعبق سلامات القلب عربون محبتنا وفرحنا وصداقتنا.
ونرجوا الرب أن يمنحك القوى والمزيد من العطاء والتوفيق...
أخي الحبيب حنا
أرجوك لاتتوقف ولاتقطع مسيرتكَ وأنت في طريقكَ
إلى كرم بيت خالتكَ ، وقريبتي (أم جميل ) ودعني أُرافقكَ
المشوار لو سمحت لنتابع المسير إلى ( غرزكْ بيت جدّي
يعقوب ساره الّبعيد ) وناكل من هاكْ شجرة التين ، وفرجعتنا
نفوت على ( كرم بيت جدّي مراد الكر ) أكيد سنرى جدّي
هناك ، لأنه كان يحب البريّة والكروم كتير .. وهونك نقعد ونرتاح
شوي ونشرب ( قربويت أمّيْ من هاك الأميْ الجيمد.. أنا أعرف جدّي
الله يرحمو ، على طول كيخبّي الشربة تحت الديلية ) ثم نتابع
مسيرتنا نحو ديريك الحبيبة ، وشوارعها وحاراتها وسقاقاتها .
إنها مجرّد أحلام ... ولكن ... آه ما أطيب الأحلام وما أطيب
الذكريات .. لولاها .. لكانت هذه الحياة قاسية جدّاً علينا .
كنتُ وانا أُقلِّب في صفحات هذا الموقع العزيز ، وإذ بيّ
أمام قصّتكَ الرائعة ( بوسطة بنّو ) كانت في منتهى الجمال
والمصداقيّة ، حيث أضفتَ عليها نكهتكَ الحلوة التي تمتاز
غالباً بروح النكتة المرحة .
أشكركَ جزيل الشكر على مداخلتكَ الرقيقة وكلامكَ المُنساب
مباشرة من القلب .. وفقكَ الله ، وحمتكَ عزرت آزخ .
وكل عام وأنتم جميعاً والعالم بأسره بخير
بداية أود أن أشكرك من أعماق قلبي على هذه اللوحة
الجميلة التي هي من وحي إبداعك الشاعري ، والتي أعطت
بهاءً وجمالاً وتعبيراً صادقاً قبل الكلام في مداخلتكَ الطيبة
التي وإن دلّت على شيء ، فهي تدل على مصداقية تلكَ
الذكريات الطفوليّة الحلوة ، التي عشناها سويّة في ذاكَ الشارع
المتواضع الجميل ، ذكريات كانت ولن تتكرر مرّة أخرى ..
بيدنا أن نُحييها .. وبيدنا أن نُميتها .. لكنكَ قلتَ كلاماً رائعاً
في مداخلتكَ هذه ... قلتَ :
كلما حاصرتنا الحروب والغربة والقلق والإحباط .. نهرب
مسرعين إلى ملكوت طفولتنا ، هناكَ ربما تستريح أرواحنا
المتعبة والحزينة ...! وهذا أجمل ما قيل .. وما يُقال ..إنها
المصداقيّة بعينها ..قد يقول البعض : كيف نعود أطفالاً مرّة
أخرى بعدما كبرنا وأمتدت بنا السنين ؟!.. لكن الحقيقة غير
ذلك.. لابدَّ أن نعود أطفالاً بقلوبنا .. وإلاَّ ليسَ لنا نصيب
في ملكوت السموات ( هكذا يقول الرب ).
شكراً لكَ أخي العزيز الصديق الفنان التشكيلي كابي ساره
وإبنَ حارتي التي رأينا فيها النور في ذاتِ العام وأحَّد المعنيين في
في هذه القصّة ، على هذه اللوحات الرائعة والمداخلة الحميميّة .
ودمتَ لصديقكَ :
صديق الطفولة والشباب والكهولة
فريد