منقوووووووووووووول لأهميته وخطورته
حبل التملّق قصير
بشرى حداد
الثلاثاء 3 ماي 2022 - 01:18
يسود المكان ظلام حالك يحجب عنّي الرؤية، لكنني أسمع صوت وشوشة مزعج لا ينقطع.
يصيب المكان وميض متكرر سرعان ما يختفي فتظهر وتنقشع معه ضحكات لئيمة تصاحب الوشوشة ونظرات تشي بانعقاد اتفاق غير بريء للتو.
أنا لا أرى شيئا، لكنني أسمع كلمات فيها شيء من المجاملة المُزَيّفة والكثير من النميمة. أستطيع أيضا تمييز أسماء أشخاص، نعم إن الموشوشين ينعتونهم بِتُهَمٍ هُم بَريؤون منها وَمَا تِلْكُمُ التُّهم إلا ضَرْب من ضروب الكذب.
عاد الوميض ليكشف لي عن وجهين اثنين، بل ثلاثة أو ربما أربعة. إنها جماعة تتحلق حول شخص واحد، يبدو لي ذو شأن وقوة. يَزفّون إليه المجاملات كمطر يسقي أرضا أضناها الجفاف دهرا من الزمن فيتلقّاها منهم بشيء من اللهفة. يوشوشون له بأسماء عديدة ونفس الابتسامة اللعينة ترتسم على تقاسيم وجوههم.
يستقبل هو ما تيسر من مداهنة أغدوا عليه منها، يطبطب فوق رؤوسهم راضيا، ثم ينصرفون إلى حال سبيلهم.
نور أضاء العالم فجأة وها أنا ذي أراهم ينتشرون بين آخرين لا يشبهونهم. إنهم أصحاب الأسماء سابقة الذكر. يبتسمون في وجوههم وكأنهم أعز الأحباب. يشاركونهم حياتهم اليومية ويُظهرون لهم لُطفا مُبالغا فيه، لألّا تنكشف فعلتهم.
في حياة البشر هنالك أناس لا يسعنا سوى أن نحب ونحترم بل ننبهر بما يقومون به أو بما هم عليه لأنهم يستحقون ذلك. وفي المقابل هناك أناس لم يستحقوا لا الاحترام ولا التقدير يوما فلاحقوه بشتى الطرق.
كذلك يشق المتملق طريقه نحو أهدافه غير النبيلة بكل ما أوتي من وسائل. ضاربا بالقيم والأخلاق عرض الحائط ، متغاضيا عن أبسط مبادئ العلاقات الإنسانية وواضعا نُصب عينيه شيئا واحدا ألا وهو “مصلحة يبتغيها وينشدها لدى شخص معين”.
الإنسان بطبعه يحب الاهتمام، يميل إلى الرغبة في أن ينال حظوة عند الناس ويغنم باستحسانهم. ولا ضير في ذلك. لكن عندما يتحول الأمر إلى هوس بإبهار شخص ما مقابل تحقيق مصلحة معينة والركض وراء اهتمام غير مُسْتَحَقّ هنا تجدر الإشارة إلى أن خللا ما قد أصاب سلوك الشخص. والخلل واقع لا محالة.
لا مفرّ أيضا من الاعتراف بأن سياسة التملق قد تُؤتي أُكلها على المدى القريب، وقد توصل صاحبها إلى مبتغاه لكنها مع ذلك تُفقده أشياء أثمن من المصلحة المنشودة. أشياء إن فُقِدت في الإنسان أخلّت بتوازن حياته.
فكيف ينام من ظلم شخصا في سبيل تحقيق مصلحة دنيوية لا يستحقها؟ وكيف يحافظ على احترامه لنفسه من اغتاب شخصا بريئا كذبا وغدرا، بعد أن شوه صورته من أجل تحسين صورته هو أمام رب عمله مثلا؟ بل كيف يستسيغ الواحد منّا حصوله على شيء لا يستحقه؟
مهما حاول المتملق أن يُظهِر للناس بأن لا شيء يهمه سوى وصوله إلى مبتغاه إلا أنه في قرارة نفسه يعي أنه لا يستحق ما حصل عليه عن جدارة، بل عن غدر. يوقن أشد اليقين بأن نفسه ذليلة، ويستيقظ كل صباح وعلى كتفيه ثقل أسماء عديدة غدر بها عنوة. يبدأ يوما جديدا ببطارية فارغة من احترام الذات فيتوجه صوب الحياة مسلحا بتملقه طالبا احترام أبناء جلدته، لكن هيهات “الاحترام يُعطى لمن يستحقونه وليس لمن يطلبونه”.
خِتامًا عزيزي المتملق سأتركك فقط مع نفسك الذليلة وحياتك التي دائما ينقصها شيء ما. حياة مليئة بالنواقص: احترام غير مكتمل، فرحة غير مكتملة أو إن صح التعبير غير مُستحقة وضمير لا ينفك يوقع بك القِصاص عن كل ما اقترفه لسانك.
يبقى الحرّ عزيز النفس وتبقى أنت فاقدا لِعِزّةِ نفسك بعد أن تمكن منك الخنوع وصارت نفسك فقيرة للقيم.