عاش

[توما بيطار]

عاش

إني يا صخرة الحياة، ويا أصنام الآلهة، ويا هياكل كلّ الموتى، أتضرّعُ إليكم منذُ سنواتٍ طويلة، أبكي بكلّ قوايَّ، لكن لا أسمع لبكائيّ، إلا صداه الذي تصفعهُ الجبال.
أبكي وأضحك بملء أشداقي ، وأنظر إلى أعاليكِ وأقول: لِمَ لا تمدّينَ إليّ يدَكِ السحريّة، ولا تلتفتينَ لأوجاعي ؟
لِمٍ كل هذه القسوة عليّ وعلى أطفالي ؟
لِمَ كل هذه البراكين والسيول والدماء؟
هل تستطيع الصخور أن تَلِدَ لتملأ فراغي؟
لا يا أعالي، إن رحلتُ، لن يملأ فراغيَّ أحد، ولذا سأحاول الوصول إليكِ، وأقفُ على خفايا عليائكِ، وسأركبُ الصخورَ، وآكلُ حشائشها حتى أصلَ، وعندما أصل سأنحني أمامكِ لأقبّلَ قدميكِ، لكني أخافُ أن تُغافليني، فتركليني بقدمِكِ لأعودَ كما كنت، أبكي وأنتحب، آكل الصخور وجذوع الأشجار، وأشرب التراب، وسأقول:
يا شجرة الخير والشر، أعطيني كسرةَ خبزٍ، وأنا مُتيقّنٌ بأنكِ سترمقيني بنظرة إحتقار وإستهزاء، وستُقهقهينَ بملءِ أشداقكِ وستقولين: عُد من حيث أتيت..؟وستسيلُ الدموعُ أنهارًا على خدّي، وتتدلّى شفتي، وسأبكي بكاءً مُختَنِقاً .
لا..لا.. لن يحصلَ هذا، وسأصِلُ،وسأبحثُ طويلاً بين الأشجار والصخور، فلا أجد غير الوحشةِ والفراغ، وعندئذٍ سأقول:
لايوجدُ في الأعالي غير الجبال، والأشجار التي لا تُثمِر، والصخور التي لا تَلِد، وغير الأشباح والدهاليز والأنفاق والمغاور، وأصواتٌ لأُناسٍ يودعونَ الحياة،ولصغار يولدون .
إن بكائي وشقائي، وكلّ الدعوات والدموع التي كنتُ أرسلها للأعالي لم تصل، ضاعت في فراغٍ لا ينتهي، وعندئذٍ سأبدأ..وسأُخلّدُ لنفسي تمثالاً، وسأكتبُ عليهِ: عاش.