السيمفونية العاشرة للفقر

أضف رد جديد
توما بيطار
عضو
عضو
مشاركات: 408
اشترك في: الاثنين سبتمبر 09, 2013 7:17 pm

السيمفونية العاشرة للفقر

مشاركة بواسطة توما بيطار »

السيمفونية العاشرة للفقر

(فقر مابعد الحروب والسرقات)

أيها الفقر:
أمازلتَ تطرقُ الأبواب
تلاحقنا من بابٍ إلى باب ؟
ألم تكل أياديكَ منذ الأزل
حتى لم تترك فسحة أمل؟
تلاحقنا في الصباح
وتلاحقنا في المساء
تحرقُ تحتنا الأرض
وتحجبُ عنّا السماء
تلاحقنا بلا حياء
وتعلمُ أننا نحب الحياة.
في كلّ قضيةِ قتلٍ
أنتَ المُتّهم
وبصماتك واضحة جداً
وحتى حينَ الكلب شَم
تلاحق الفلّاحين في الحقول
والرُعاة في السهول
وحتى الأطفال الحفاة
ومَن عاشَ ومَن مات.
بالأمس كان بيتهوفن
يعزفُ سيمفونيتهِ التاسعة
لكنّكَ وسّعتَ دائرة الخِناق
وحاصرتَ طبقات الهواء الواسعة
حتى أنكَ كمنتَ لهُ
في ثيابهِ المهترئة
في أصابعهِ
في القلب والرئة
كان قوياً بريشتهِ
لكنكَ كنتَ الأقوى.
أيها الفقر:
المطرُ كان ينذرُ بإعصار
والعواصفُ تُغيّرُ وجهَ النهار
كنتَ تلاحقُ نيرودا في المغاور
وفي الأكواخ والبيوت
كنتَ تلبسُ وجوهاً كثيرة
وجهِ نارٍ حيناً
وأحيانَ أخرى وجه حوت
لكنهُ حاصركَ بذكاء
وقيّدكَ بسلاسل الكلمات
حاصركَ ألف سنة
وطعنكَ مليون طعنة
لكنكَ كثعلبٍ أدمنَ الضحك
كنتَ تخرجُ من قرص الجبنة.
نيرودا كان قوياً
لكنكَ دوماً أنتَ الأقوى
حتى الطاغية خرَّ لهُ
وسجدت له الصخور
وغنّاهُ الأطفال في كلّ مكان
وسيبقى صوتُهُ عبر العصور
وأنشدتهُ الفلّاحات
وغنّت لهّ السواقي
وأحبّه المساجين
ورقصت لهّ أغصان الزيتون
لكنكَ قهرتَ جسدهُ
فخبّأهُ الفقراء في العيون.
أيها الفقر
أيها الوغد
حتى جبران لاحقتَهُ في الغربة
والتففتَ حولهُ كزنّار
وضعتَ يديكَ في عنقهِ
وحاولتَ التمويهَ ليبدو إنتحار
لكنه برغم الحصار
كان يصرخ
حتى سمعَتهُ مي خلف البحار
وهرعت إليه الأطيار
لم يكن خائفاً
كان واقفاً كالأشجار
حتى حين صرعتَهُ
ملأت الدنيا الأمطار.
أيها الفقر
أكرهكَ بعمق
وأعلن محاربتكَ
فأنتَ حارقُ الرزق
سأحاصركَ حِصار نيرودا وجبران
وربما حصاراً أقوى
ساحاولُ فقأ عينيك
كي لاتنتشرَ العدوى.
أيها الفقر
أيها الوحش الكبير
ملامحكَ محفورةٌ في عيون السوريين
في وجوههم، وفي كلّ الأوصال
في عروقهم
على مرِّ الأجيال
أكرهكَ
ليس لأنكَ تُرعِبُني
تعشّشُ في ضلوعي
تسكنني
أكرهكَ لأنكَ توقف الحياة
في قلوب أطفالِ وطني.
أضف رد جديد

العودة إلى ”܀ منتدى الشاعر توما بيطار“