ويوصف الالتهاب بأنه رد فعل الجهاز المناعي عندما يتعرض الجسم لإصابة أو لعدوى فايروسية أو بكتيرية. فعندما تجرح اليد ويصاب الجرح بالعدوى البكتيرية مثلا، أو عندما ترتطم الركبة بمنضدة، فإن الجزء المتأثر يصبح مؤلما وساخنا عند لمسه ويحمر لونه، وقد يتورم أيضا.
وقال البروفيسور لوك أونيل، مدير مجموعة أبحاث الالتهاب بكلية الكيمياء الحيوية وعلم المناعة بجامعة ترينيتي دَبلين بأيرلندا، إن هذه الأشياء تحدث لأن النسيج المصاب بالعدوى أو بجرح يفرز ما يسمى وسائط الالتهاب، التي تزيد من تدفق الدم إلى المنطقة المتأثرة، ولهذا تصبح ساخنة وحمراء اللون. ثم تغادر كرات الدم البيضاء مجرى الدم وتدخل إلى النسيج المصاب. وأحياناً ما يتسرب سائل البلازما من الوعاء الدموي، وهو ما يسبب التورم. وتبدأ النهايات العصبية في إطلاق إشارات بسبب هذه التغيرات، وهذا هو ما يسبب الألم.
والغرض من هذه الآلية هو القضاء على أي عوامل ممرضة تحاول التسلل إلى النسيج المصاب، ثم يتم إصلاح النسيج، وتختفي تلك الأعراض، وتعود الأمور إلى طبيعتها. وتعمل هذه الآلية بصورة مماثلة عندما يصاب الأشخاص بعدوى مثل الأنفلونزا أو الالتهاب الرئوي.
الالتهاب المزمن الشديد أو عالي الدرجة، عادة ما يصاحبه ألم وتورم، وأحيانا فقدان في إحدى وظائف الجسم
وعندما يخرج الالتهاب عن السيطرة، أو يستمر لفترة طويلة، ويواصل الجهاز المناعي ضخ كرات الدم البيضاء وغيرها من المواد الكيميائية لإطالة العملية، تسمى هذه الحالة التهابا حادا. ويظن الجسم في هذه الحالة أنه معرض للهجوم المستمر، وهو ما يضطر الجهاز المناعي إلى مواصلة المعركة إلى أجل غير مسمى، وهذا ما يطلق عليه الالتهاب المزمن.
قد يكون عدم زوال الالتهاب بعد تأدية مهمته في الدفاع عن الجسم من سمات الالتهاب المزمن.
يقول البروفيسور فيليب كولدر أستاذ علم المناعة الغذائية بجامعة ساوثهامبتون بإنجلترا إن الالتهاب المزمن الشديد أو عالي الدرجة عادة ما يصاحبه ألم وتورم، وأحيانا فقدان في إحدى وظائف الجسم، ومن ثم يدرك الشخص أنه يواجه مشكلة، وقد يحاول التغلب عليها من خلال تناول العقاقير الشائعة المضادة للالتهابات مثل الأسبرين أو الأيبوبورفين وغيرهما من دون استشارة الطبيب، مضيفا أن الشخص يلجأ إلى الطبيب عندما تكون الأعراض شديدة للغاية، فيصف له الطبيب مضادات التهاب قوية، والتهاب المفاصل مثال على الإصابة بالالتهاب الشديد أو عالي الدرجة.
لكن عندما يكون الالتهاب خفيفاً أو منخفض الدرجة أحياناً قد لا يدرك الشخص وجوده لعدم تسببه في الألم، ووفق البروفيسور كولدر هذا النوع من الالتهاب، الذي قد يستمر لسنوات، يُعتبر ضاراً على المدى البعيد، إذ إنه يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب وتراجع القدرات الإدراكية.
وتربط الكثير من الأبحاث والدراسات بين السمنة والالتهاب المزمن. وتعرف السمنة وفقاً لدراسة أجراها علماء من جامعة كولونيا الألمانية ونشرت عام 2022 بأنها حالة من الالتهاب المزمن منخفض الدرجة يتسبب في العديد من أمراض الأيض.
يقول البروفيسور كولدر إن السمنة هي حالة من تراكم الدهون الزائدة في الجسم. ويطلق على دهون الجسم مصطلح النسيج الشحمي، وعندما تزداد كمية الدهون في الجسم تصبح ملتهبة.
ويتم التعرف على ذلك من خلال قياس المواد الكيميائية الموجودة في الدم التي تشير إلى وجود التهاب. وإذا فقد الشخص بعض دهون الجسم، تقل كميات هذه المواد. ولكن عندما تكون أعلى مما ينبغي، فإن أجزاءً أخرى من الجسم، مثل الكبد والبنكرياس والأوعية الدموية، تصبح ملتهبة. وربما يكون هذا هو أحد الأسباب التي تجعل السمنة تزيد من خطر الإصابة بأمراض الكبد والسكري والقلب.
وعادة ما يتم الحديث عن أن العلاقة بين السمنة والالتهاب تشبه الحلقة المفرغة، إذ قد تتسبب زيادة الوزن المفرطة في الالتهاب، الذي بدوره يصعّب من فقدان الوزن ومن ثم يؤدي إلى تفاقم السمنة.
إذ ربما يعاني الشخص المصاب بالسمنة من التهاب في الأنسجة الشحمية، وقد ينتشر هذا الالتهاب فيصيب أنسجة أخرى في الجسم. كما أن الالتهاب من الممكن أن يضعف استجابة الجسم للأنسولين (مقاومة الأنسولين)، وهذا بدوره قد يؤدي إلى الإسهام في تعزيز السمنة.
لكن بالعودة إلى نقطة البدء، يشير الخبراء إلى أن السمنة هي التي تؤدي إلى الالتهاب وليس العكس، فالالتهاب ينخفض إذا فقد الشخص المصاب بالسمنة بعض دهون الجسم
