من عادة حفيدتي ومع تمنيّاتي بأن يحفظ الله أحفاد الجميع ... ان تأتي بواجبها المدرسي اليومي مباشرة ، بعد الغداء وتنشر كتبها على طاولة الطعام وتبدأ بحل واجباتها اليومية .
واليوم كان لديها وظيفة في مادة الحساب ... وبينما والدتها وجدّتها تقومان بترتيب المطبخ بعد وجبة الظهيرة ، طلبت من جدّتها أن تنظر الى أجوبة المسائل الحسابية التي قامت بحلّها ، أعتذرت جدّتها هنا وقالت لها .. اسألي جدّكِ وها هو جالس بجانبكِ فقد كان معلم مدرسة قبلي انا وهو أقدمنا .
رفعتُ صوت الغناء محاولا أن أشغل حفيدتي عن سؤالي بما يلزمها .. لكنّها أصرّت على ان تعيد ذاكرتي الى السنين الخمس التي قضيتُها في سلك التعليم .
كانت السنة الأولى التي تعيّنتُ فيها معلّم وكيل في مدرسة المنصور ، في حيّنا البشيرية خلف الجامع الجديد وبجانب المسلخ القديم المُلغى ... في بداية الستينات من القرن المنصرم ... كان لدينا مدير من عائلة الكيزاوي من حماة ... وكان عضو بارز في الأخوان المسلمين .... كانت تلك الأيام حريّة التعبير والأنتماء ، كنا انا والعزيز في ذكراه استاذي ومعلّمي وصديقي الذي أفتخر به عبد الكريم بشير .. نعم كنا معلمان في نفس المدرسة الأبتدائية ..
كان هناك باحتان للأولاد ومن الصدف كنت انا ومعلّمي ابو بشّور في الباحة الصغيرة ... وفي يوم من الأيام الأولى التي بدأنا فيها السنة الدراسية .. وبينما نحن كلٌّ في صفِّه مع طلاّبه تنا هى الى مسامعنا صوت نجدة قوية نابعة من ألم ووجع لا يطاق من الباحة الثاني الكبيرة .. خرجنا الى خارج صفوفنا انا واستاذي عبد الكريم بشير .. والدهشة ملء وجوهنا ونتلفّت يمنة ويسرة عن مصدر الصوت .. واذ به صوت طالب يطلب النجدة من الله وباللهجة الكردية ويقووول ويصرخ هاوارا يا بووو أز كاتّم بخدا خودِه ... اي بما معناه
الحقني يا ابي وطالبا حماية من الله .
نظرنا لبعضنا البعض انا ومعلّمي ابو بشّور وغلى الدم في عروقنا .. واستغربنا المطلب والمناسبة ودخلنا على الأدارة نسأل المدير عن مغزى هذه الصرخات وما الدافع لها وهل هناك مصيبة ما ستقع في المدرسة او ستصيب الطلاّب ؟؟؟
ابتسم المدير وقال لنا .... انّه الأستاذ محمد .. انّه يقوم بالضرب بالفلق لأحد الطلاّب الكسالى او المشاغبين .
استغربنا الوضع وهرولنا الى الباحة الثانية التي أتى منها الصراخ والعويل والنجدة .. واذ نحن أمام منظر كنا نشاهده في التلفزيون الأسود والأبيض في ما كان يُسمّى الكُتّاب .. رأينا أحد التلاميذ علىظهره وساقيه مشدودتان في حبل وهناك احد التلاميذ ضخم الجثة بضعف المجني عليه ماسكا بقدميه مع جلوسه برياحة على بطنه كاتما صوته وشالاّ حركته ليمنعه من تحريك او تهريب قدميه من الضرب .. بينما الأستاذ منهالا عليه بالضرب بالعصا .
وبعد برهة من الضرب المبرح يعطي العصى لضخم الجثة ليعدو خلف المضروب من طرف عملية تدليك للقدمين في الركض في الباحة ومن طرف ثان عقوبة مبطّنة لضخم الجثة لينال نوعا ما من نصيبه في العدو والتعب ... وهكذا تعاد العملية عدة مرات .
اقتربنا منه قائلين .. في أي زمان انت وما الذي تفعله يا استاذ
قال .. لا يؤدب الطالب غير الفلقة ... وبعد ان انهال عليه ما اشبعه وجع أطلق سراحه
نظرنا في وجوه بعضنا البعض واستغربنا وجودنا في هذه المدرسة البدائية والتي ما زال دستورها التربوي يسمح لها بالفلقة التي أُلغيت من العصر العثماني .
وللذكرى بعد خمسة وثلاثين سنة من الحادثة ... وُجِدتُ انا في مكان وفي نفس الوضعية كذاك التلميذ في احدى الأماكن الترفيهية في بلدي أتلقّى نصيبي اليومي من الضرب ولكن بطريقة أقسى وأعتى .
نظرتُ الى حفيدتي وقلتُ لها
حبيبتي لا تصدّقي كل ما تقوله جدّتُكِ بأني كنتُ معلّما ... فأيام عملي كمعلّم لم نكن في مثل هذه الحضارة هنا في المانيا .. كنا متخلّفين جدا .
وقمتُ مدبمساعدتها في حلّ الوظيفة بعد أن سرقتُ لي عدة قبل من خدودها الورديتين .
نعم كنت وعزيزي واستاذي وصديقي الغالي ابو بشّور .....آخــــــــــــــــــــرمن شاهد الفلقة المدرسية
عزيزي أخي حنا المبارك
بالفعل هي ذكريات مولمة
لكنها أخف وطأة لما يحدث في الدول العربية بأحكامها العشائرية
مما يندى له الجبين , ليس مجال لذكرها الآن
نقرأها على الانترنيت وأحيانا في المواقع
لا تستغرب
ما زال عالمنا يجتاحه الجهل والوحشية
أخي العزيز أبولبيب .
أشكر الرب بعد الأتصال الهاتفي بيننا هذا الصباح
حيث أطمأنيتُ فيه على صحتك وسلامتك ، وهذا
ماأسعدنا وزادنا بهجة وفرحة .. أتمنا لك على الدوام
الصحة والعافية والموفقيّة ..
أخي أبو لبيب :
لم تكن الفلقة فقط هي الآداة الوحيدة من أدوات التعذيب
وربما كانت الفلقة أرحم بكثير من غيرها ، فعملية الركوع
أمام اللوح حيث كان يوضع البحص تحت الركب .. ولمدة
طويلة .. وطريقة الضرب بالمسطرة على كف اليد وبقوة
كانت أيضاً ليست بالسهلة … وغيرها … وغيرها من
الطرق التعذيبيّة .. أما اليوم الله يساعد الأستاذ خصوصاً
في هذه الدول .. ربما بمجرد كلمة تأنيب للطالب تدفعه
إلى السؤال والجواب .. وأحياناً كثيرة إلى المحكمة والعقاب .
والمثل يقول : خير الأمور أوسطها .
أشكرك أخي على هذه المقالة .. وأشكر حفيدتك التي
دفعتكَ إلى كتابتها .
أخاكم بالرب
فريد
أبو بولص
مع ما ذكرتيه اختي من جهل مجتمع وتخلّف في شرق المتوسّط كما كان يسمّي تلك المنطقة عزيزي المرحوم عبد الرحمن منيف .. والحضارة الوحيدة المتبقّية التي كانت هناك ... كنا نحن وشعبنا القليل العدد ... ولكن براثن السياسة الدولية وشرورها كلّها تتمتّع فينا وتبيدنا جيلا خلف جيل الى ان يأتي يوم ويقال كان في هذه البلاد .... حضارة ولكنّها بادت
انا معك في كل كلمة قلتها عزيزي وسآتي من الآخر كما يقول المثل ... فالمعلّم او المعلّمة هنا في هذه البلاد وهذا المجتمع من النوع الذي عندما تمر بهم تحزن لوضعهم وتعطف على تصرفاتهم و تبتسم في وجوههم لتزيل الكآبة والخوف المتأصّل في تقاسيم عيونهم ...وهذا كلّه اذا سلموا من تعليقات طلابهم او طالباتهم ...
بينما كنا نختفي من الوجود حين نتفاجىء او ان يمر فينا احد المعلّمين زمان ... وأعتى من ذاك التعليم الذي سرقتُ صفحة صغيرة منه .... كان اسلوب عمّتي الأستاذة نجمة وعقوباتها .. حيث سردت لي مرّة كيف ـــ دوّغت ابو سلي .. حنا دنحا ـــ في السفّود والببّور
سلام الرب معك
أخي الحبيب أبو لبيب
رائع ما سطره قلمك وأعاد بنا إلى الوراء
لقد تذكرت التخلف في التعامل مع السلطة التي يملكها المدرس
والكثير من البشر أساء أستخدام سلطته كل موقعه
أذكر لك حالة صارت معي في الصف الخامس
كان مدرس الفنون يطلب من عريف الصف أن يضرب
التلاميذ ليس بالعصى بل بكفه وهذه أكبر أهانة للتلميذ
وذات مرة في بداية العام الدراسي طلب منا المدرس
جلب دفتر رسم وأقلام تلوين في الدرس القادم وكان هذا آخر الشهر
فطلبت من والدي شراء ما طلب مني فقال لي يا بني نحن بآخر الشهر
أنتظر يومان وبعدها سأشتري لك ما تريد .
فقلت له لكن المدرس طلبها منا غداً !
فقال والدي أخبره عن لساني بأنني سوف أشتريها بأول الشهر
فقلت له حسناً وذهبت باليوم الثاني للمدرسة ودخل المدرس للصف
فطلب من الجميع وضع المواد على المقعد ومن لم يحضر تلك
عليه الوقوف أمام السبورة فخرجت معهم وصرخ كغيره كأنه جاموس
لما لم تجلبوا الدفتر والآقلام ألم أخبركم بهذا ؟
فرفعت يدي فقلت له ما أخبرني به والدي .
فقال هذه ليست مشكلتي المهم أنت لم تجلب ما طلبته منك وسوف تعاقب
وهنا طلب من عريف الصف وكان أعز صديق لي فقلت له أياك وضربي
لن أسمح لك وإذا حاولت سوف أرد عليك بأعنف .
بدأ بضرب الواحد تلو الآخر بكفه ويجعر المدرس أقوى يا تمبل
فما كان منه غير شد العزم بالضرب وعندما وصل لعندي نظرت له
مهدداً لكنه نفذ أمر المدرس خوفاً من العاقبة فما كان مني غير الرد عليه
بأشد منها وشتمت المدرس وهربت إلى المدير وكان المدير من أصدقاء والدي
وأخبرته بتصرف المدرس الغير أخلاقي لأنه يزرع الحقد بين التلاميذ
فطلب مني المدير أن أخبر المدرس بالمثول أمام المدير .فقلت له سوف يضربني
المدرس .فقال لا تخاف فقط أخبره بانني أرسلتك وأنا سوف أتصرف معه .
وفعلت كما أمرني المدير وأخبرت المدرس .وهنا خرج المدرس واجماً وغاضباً
لأنني أخبرت المدير بتصرفه الأرعن والقذر . وبعد ربع ساعة عاد المدرس
لكن غيرذاك الشخص الذي كنا نعرفه وأعتذر منا بشكل غير مباشر .
هذه كانت أحدى الذكريات وهناك المزيد منها .
بركة الرب معك
دُرك يا أستاذنا العزيز حنا
فلقد أعدتنا لعقود من السنين
يا لها من ذكريات تذكر ولا تعاد
في تلك الصباحات القارسة كم من
عصي على القائم
ضربنا على وجه اليد وليس الكف
رحم الله ذاك المعلم وبقية المعلمين
وطول الله بأعمار الباقين
وشكراً أستاذنا الغالي أبو لبيب
على هذا الموضوع
والرب يحرسك
أبو يونان
شكراً لأخي أبويونان على أختياره هذه الصورة
( وأظن هو الذي أختارها ) التي جاءت مطابقة
شكليّاً وحرفياً مع مقالة العزيز الغالي أبو لبيب
وخصوصاً الولد ( المعجعج )الضخم الجثة
كما وصفه الكاتب الذي يمسك بقدمي
الطالب المسكين وهو يصرخ ويستنجد من
( قرارات قلبه )
عزيزي ابن السريان
سررتُ جدا بردّك ومرورك الجميل المسهب على قصّتي البسيطة ....وبصراحة أقولها بعد ان تفرّجتُ على الفلم القصير الذي مرّمعكم في تلك المدرسة وذلك الصف ومع اؤلئك الكادر التعليمي والتربوي الذي لا مثيل له .... شعرتُ وأحسستُ بأني قصّرتُ جدا في الأسهاب في ما شاهدناه ..
عزيزي اذا ما حسبنا فارق الزمن بين الحادثتين خرجنا بنتيجة اننا في حيرة لمعرفة كم يلزم من الزمن لمجتمع كذاك المجتمع لكي ينهض ويُماشي موكب الحضارة التعليمية واساليبها الحديثة في العالم الذي نعيشه نحن هنا .
كون أمين يا أخوي ابو يونان ...وانا أطلّع فهاك الولد العالأرض وهاك البركيل القاعد على جوفو ..... قلتو يكون ومايكون ....أخوي ابو يونان كو سواه مسلسل وكو صوّرو زِ وهاي صورة انا قووووول دعاية كو حطّا شخاطر نتفرّج على هالمسلسل
اشكر مرورك وملاحقتك لما اشارك به اخي ابو يونان ... وثق تماما مهما نظرتُ الى الرمز الذي تضعه مع اسمكم ... لا أشبع من حبي لكم
مو تيق أخبّي عليك اشقت قلبي كو احترق على هاوك الزغاركات من خوفن هما كل واحد كي علّي صوتو ويقرا وكل كرّا كيطلعو ف الزغير العاللأرض عجب هيش كو طيّب .... وقلبن كيرجف من الفزعان
شكرا للفني والأخ والحبيب ابو يونا ن على هذه الأضافة التي جمّلت المشاركة