من ... تائه ... جبران 4
من ... تائه ... جبران 4
في الســـــــــــــــــــوق
جاءت مرّة فتاة من الريف الى السوق ، وكانت آية في الملاحة والظرف ، يتوزّع محيّاها الورد والزنبق ، وشعرها بلون الغروب والفجر يبتسم على شفتيها . ولم تكد هذه المخلوقة الساحرة ، الغريبة ، تظهر ، حتّى أحدق بها الشبّان ينشدون التعرّف اليها والتقرّب منها . هذا يودّ ان يراقصها ، وذاك يريد ان يقسم الكعك على شرفها ، وكلّهم يبتغون تقبيل خدّها . ألم يكن ذلك سوقا . بعد كل حساب ؟؟
غير ان الفتاة أحسّت بصدمة وأصابها ذعر وامتعاض ، وحسبت السوء في سلوك الشبّان ، فزجرتهم ، وبلغ بها الغيظ أن صفعت واحدا أو أثنين منهم ، وعلى وجهه ، ثم انصرفت في سبيلها لا تلوي على أحد .
وفيما هي تتّجه عند المساء نحو بيتها الريفي . قالت في سرّها .. اني لأشعر باشمئزاز . ما أقل أدب أولئك الرجال وأحطّ أخلاقهم . هذا شيء لا يُطاق ولا يمكن الصبر عليه .
وانقضى عام كانت الفتاة الجميلة تفكّر خلاله كثيرا بالأسواق والرجال . ثم قدمت مرّة ثانية الى السوق ومحيّاها ورد وزنبق ، وشعرها بلون الغروب ، والفجر على شفتيها يبتسم الاّ ان الشبّان كانوا ينظرون اليها ويميلون عنها ، وقضت نهارها ذاك وهي وحيدة ، مبعدة ، لا يتقرّب منها احد .
ولدى العشية عادت الى منزلها وهي تصيح في سرّها .. ما أقلّ أدب أولئك الشبان !! اني لأشعر باشمئزاز لا يُطاق ، ولا يمكن الصبر عليــــــــــــــــــــه .
والى كلمات اخرى من التائـــــــه لجبران