عذرا ً يا أمّي ..!!
منذ أكثرَ من خمسين َعاما ً
من السنينِ
نبّهتني أمّي
وأوصتني وهدّدتني
بالجزاء ِ والعقاب ِ ..
بلطف ِ الأمِّ
وحنانِ الأم ِّ
وبساطة ِ القلب ِ ..
وقالت ياولدي :
أيّاك َ والكذب ِ ..
فالله ُ يكره ُ الكذب َ
وإن كذبت َ سيرسل ُ الله
(الكاهن َ فسيقصُّ لسانك َ)
ويحرمُكَ من الجنّة ِ
والهدايا والمزايا
وما فيها من َ
الأنوار ِوالأزهار ِ
وستذهب ُ إلى الجحيم ِ
وستبقى في عذاب ٍأليم ِ
مُثقل ُ الأتعاب ِ بالذنوب ِ..
ثمَّ :
أيّاك َ ..أيّاكَ أن تكره أخاك َ
فيجب ُ أن تحبّ َ أخوتك
كي تتبارك َ بالمحبّة ِ
والعطف ِ والحبِّ ..
وكبرنا .. وكبرنا
وبقي كلامك ِ يا أمّي
تحفة ً مرسومة ً
في شراييني
تمزّقها ، تقطّعها
تفجّرها الخطايا
والمعاصي والرزايا
لكنّها بقيتْ أصيلة َ
الجذور ِ والنسَب ِ..
*
أمّي ..
كنت ِ أميّة ٌ
( أزخينيّة َ)المنشأِ
بسيطة ً
ولا تحملين أيّ نوع ٍ
من الشهادات ِ في
العلم ِ والأدب ِ ..
لا بل ولم تميّزي ما
بين َ الدفاتر ِ والكُتُب ِ..
لكنّني اليوم وبعد َ مرور ِ
أكثرَ من نصف ِ قرن ٍ من السِّنين ِ
سأمنحك ِ شهادة ُ الدكتوراة
في السياسة والفلسفة ِ واللّاهوت ِ
وسأقلّدك ِ وسام ( نوبِل)
في علم ِ الحياة ِ والأدب ِ ..
فكيف َ كشفت ِ أساليبُ
العمالة ِوالعفن ِ
عندَ رجال الدّين ِ
وعبادتهم
للمال ِ والذّهب ِ..؟
وكيف َ عرفت ِ طريق َ قادتنا
المرصوفة ِ بالخيانة ِ
المّعبّدة ِ من دماء ِ المساكين ِ
والمرصّعة ِ بالنياشين ِ
من الخنوع ِ والكذب ِ ..؟
سا محيني يا أمّي
أنت ِ بسيطة ٌ طيّبة ُ القلب ِ ..
أميّةٌ قرويّة ٌ
وأكثر ُ أعمالك ِ
بين الحيوانات ِ الأليفة ِ
والأشجارِ والكروم ِ والعنب ِ ..
وفي المنزل ِ أمراةٌ بسيطة ٌ
في الأكل ِ والشرب ِ
وإشعال ِ مدفأة ِ الحطب ِ ..
لا .. لا .. لا..
أنا مُخطئٌ يا أمّي فاعذريني
فها هو العالم ُ
يؤكّدُ أقوالك ِ
ويحرق ُ وصاياك ِ
بالنّار ِ واللّهب ِ ..
فالكاهن ُ أصبح َ همه ُ
المال ُ والتهريب ُ
والعهدُ والوعدُ
بالكذب ِوالدّجل ِ
على المؤمنين ِ
وقادة ُ السياسة ِ تتوعّدُ
بالبطولات ِ والكرامات ِ
والحرّيات ِ والرّفاه ِ
على الفقراء ِو المساكين ِ
والكاهن ُ يلبس ُلباس الحَمَل ِ
المقنّع بالإيمان ِ
و في قلبه ِ
حيلة ُ الثّعالب ِ..
وقادتنا تلبسُ لباس الثّيران ِ
وتناضل ُ باللّسان ِ
وفي قلبها
طبيعة ُ الوحش ِوالذئاب ِ ..
ونبقى أنا وأنت ِ يا أمّي
ومعظم ُ الفقراء ِ والمساكين ِ
وما تبقّى من سوادالشّعب ِ ..
مابين َ الكذب ِ والطّغيان ِ
نسرح ُ في الخيال ِ
في غيهب ِ السّحُب ِ ..
أحمد ُ الله َ على رحيلك ِ
إلى عالم ِ النسيان ِ
والغيب ِ ..!
*
أمّي.. سامحيني
على قولي َ هذا :
أجلْ …..
لقد كبرنا
وكبرتْ في أزماننا
المعاصي والمآسي والحِيَلْ ..
وصار قدوة ُ الإيمان ِ
في أيّامنا
يقلّدونَ الأفاعي بالقُبَلْ ..
وقادة ُ السياسة ِ عندنا
لبسوا عمامة ِ النّذالة
ويافطة الخنوع ِوالعمالة
ويفتخرون جهرا ً
دون َ ريب ٍ أوخجلْ ..
*
هنيئا ً لموتك ِ يا أمّي ..!!
رحلت ِ
بدون ِ دموع ٍ ودماء ْ
رحلت ِ بهيام ٍ ورجاء ْ
دون َ غمّ ٍ ولا همّ ِ ..
باعوا أجمل الهدايا
وداسوا كالنّاقة ِالعمياءِ
تلكَ التّحف والوصايا
وقالوا :
للشمس ِ غيبي في الظلام ْ ..
فاوطاننا هي قلوبنا
وقلوبنا بعيدة ٌ بعدُ الواقع ِ
عن الأحلام ْ..
ولا تريدُ سرّ الإنتعاش ِ
بالقيامْ ..
فدعوها نيام ْ ..
ونقلّدُ أصولنا في الغرب ِ
المتمدّنِ
كالعبيد ِ والغلام ْ..
بكلّ ِ طاعة ٍ واحترام ٍ
وسلام ٍ ووئام ْ ..
لأنّنا لا نملك ُ بالأصل ِ
يا شعوبنا الحمام ْ..
لا الحسَّ
ولا الشّعور َ
ولا العزّةَ
ولا الإكرام ْ..
ونحن ُ عرب ٌ ولا نحجل ُ
من الكلام ْ ..
فها نحن ُ نبيع أوطاننا
بكلِّ كرامة ٍ وإقدام ْ ..
في بارات ِ الرقص ِ
والفنادق ِ الفخمة ِ
ومع العراة ِ
في غرف ِ الإستجمام ْ..
فاهدافنا واضحة ٌ وصريحة ٌ
كالأعلام ْ ..
القتل ُ ، والكذب ُ ، والزّنى
والخيانة ُ العظمى
وعبادة ُ الأصنام ْ…!!
وديع القس ـ 13 . 10 . 2013