مثلما كان في قديم الزمان , هكذا ما هو كائن الان .
كان هنالك كوع ضيق خطر كثرت عليه حوادث السيارات , فاْرتفعت اصوات الاحتجاج , وتوالت وفود المواطنين على اعتاب المسؤولين , وبعد كل احتجاج كان يصدر بيان عن مدى اهتمام اصحاب الشاْن , فتتولى درس الموضوع لجنة , او عدة لجان .
وفي ذات صباح شوهدت عدة شاحنات تفرغ حمولتها من مواد البناء قرب الكوع , وبداْ العمل . ثم جاء احد كبار المسؤولين في موكب عظيم ووضع الحجر الاساسي . ورفعت عندئذٍ في المكان يافطة كتب عليها : " هنا يبنى المستشفى الوطني لمعالجة ضحايا الكوع ".....وبقي الكوع على حاله
ونامت قضية الكوع بعض الوقت , ثم استيقظت على فرقعة الاصطدامات وشتائم المهشمين والمتعرقلين , وكثر بالتالي , عدد المطالبين بتوسيع الكوع وتقويمه , فتقرر اتخاذ اجراءات جديدة, وشوهد بعض الخبراء والمهندسين يجوبون المكان ومعهم خرائط وملفات , وبوشر اخيراً ببناء كاراج فني حديث لاْصلاح السيارات المعطوية بسرعة.....وبقي الكوع على حاله
وبسبب عرقلة السير على الكوع في اغلب الاوقات , واضطرار المسافرين للتوقف عنده احياناً لساعات طويلة , خطر لرجل من احدى القرى المجاورة ان يبني قرب الكوع حانوتاً يبيع فيه المرطبات , وحذا حذوه رجل اخر فبنى مطعماً صغيراً , واقدم جماعة بعد ذلك على انشاء محطة وقود , وشرع اخرون يخططون لبناء فندق , وجاءت احدى شركات التاْمين وابتنت لها مكتباً متواضعاً...وبقي الكوع على حاله
ومما زاد الطين بلة ان طبقة ابناء الرصيف في المدينة تنسمت اخبار الكوع , فهرع اليه باعة العلكة واوراق اليانصيب وماسحو زجاج السيارات ولاعبو الكشاتبين وكاشفي البخت , بالاضافة الى رهط من الشحاذين والعتوهين ومقطعي الاطراف . ثم قدم رجل غريب وافرغ شاحنة بطيخ على قارعة الكوع واخذ ينادي بصوت مبحوح " عالسكين يا بطيخ " , وتبعه اخرون بعربات الخضار والاثمار , وما لبثت البسطات ان احتلت قسماً من عرض الكوع الذي استحال الى ساحة مشاحنات ومشاجرات دائمة بين السائقين والمسافرين وعباد الله المسترزقين....وبقي الكوع على حاله
وراجت بعد ذلك اشاعات , وتناقلت الالسن انباء مؤامرة يدبرها ابناء القرى المجاورة الذين قرروا مهاجمة الكوع وتقويمة باْنفسهم_ وقد قيل ان هذه الاشاعة قد لفقها اصحاب مصالح الكوع , الذين صاروا بحكم ارتزاقهم طبقة مميزة يهمها ان تحافظ على الوضع الراهن - فبادر عدد من رجال الامن الى حماية الكوع , ريثما تم تشييد مخفر لائق الى جانبه , ثم دعت الحاجة الى بناء سجن في الجهة الخلفية من المخفر لتوقيف المشبوهين.....وبقي الكوع على حاله*f
واطماْن اصحاب مصالح الكوع على حاضرهم فشيدوا منازل لهم حول المخفر , ثم بني في المكان مركز بريد وبرق وهاتف , وانشئت عدة دكاكين هنا وهناك , وشوهد سماسرة بيع الاراضي يجوبون المكان ويتحدثون بالارقام , وارتفعت سافطة عند اخر الكوع عليها كتابة بخط عريض تدعو المؤمنين الى التبرع من مال الله لبناء بيت الله في ذلك المكان . وهكذا نشاء مجتمع جديد حول الكوع ما لبث ابناؤه ان تنادوا وتظافروا على حماية التراث الوطني.....وبقي الكوع على حاله
مقابل ذلك زاد عدد المطالبين بتقويم الكوع , وتطورت نظرتهم الى الموضوع . صار الكوع قضية , وصار شعار الجيل الجديد تقويم جميع الاكواع.
ومثلما كان في قديم الزمان , هكذا هو ما هو كائن الان.
من قراءاتي البعيدة