مزاد علني
أديب ابراهيم
الاهداء لكل الصغار(وخصوصا من يظنون انفسهم اكبر الكبار) الذين تهافتوا على اقامات العمل في الغرب فجمعوا المال من البارات وجاؤوا في زمن العار ليشتروا كل ما تبقى لنا ها هنا من احلام و ذكريات....
في آخر الأزمان وبعد أن أفلست المدينة من كل قراها والتي صارت أثرا بعد عين، وكرومها التي أضحت حطبا لمواقد الغرباء، وحقول حنطتها التي استحالت بورا وصحارى ،أخيرا داهمنا الإفلاس في عقر دارنا، نحن المتحصنين بالمباديء والوطنية والإيمان ،فما أن وقعت المدينة في ضائقة وطنية، حتى سارع الرجال لحزم حقائبهم بحثا عن ما يشبه الأوطان وهناك، وقبل أن يحصلوا على تأشيرات الدخول وسمات الإقامة تم فحصهم بتأني وإمعان للتأكد من خلوهم من فيروس الإرهاب، وبالنتيجة تبين أنهم جميعا أشباه رجال ،عاشوا وترعرعوا على فتات أمجاد أسلافهم، لا خوف منهم على الإطلاق، بل الخوف عليهم من الذئاب ومصاصي الدماء، لذا وضعوهم في محميات خاصة بعد أن أدركوا أنهم على وشك الانقراض ومن يومها صاروا فرجة للسياح يأكلون ويشربون من دون عناء، أما نحن من تبقى من سكان المدينة، كنا نطمئن أنفسنا بالقول، أن هناك نسوة ماجدات سيلدن الأبطال ،مثلما ولدن من قبل أشور وهانيبال، ولكن للأسف وقع ما لم يكن بالحسبان فالمصائب حين تأتي لا تأتي فرادى ،إذ بين ليلة وضحاها أعلنت المدينة إفلاسها من القيم والأخلاق لذا راحت النسوة يلقن بناتهن كل أساليب إغواء الغرباء، على أمل الزواج ولو بشكل مؤقت فالغاية تبرر الوسيلة مهما كانت النتائج والاسباب ،ومن يومها راحت الشوارع تزدان بالجميلات المعروضات للبيع أنما فقط للغرباء ،حتى تلك الأثناء كنا نحن من تبقى من سكان المدينة، نشكر الله ونزيد في حمده مرددين لا خوف علينا مادام الله يسكن مدينتنا ويبارك نفوسنا ويهدي خطانا ،إنما المصائب حين تأتي لا تأتي فرادى، فقبل أيام أعلن الكاهن إفلاس مدينتنا من العقيدة والإيمان ولدفع شر الإفلاس وما يتلوه من مصائب وويلات قرر عقلاء المدينة بيع دور عبادتها، لكن هذه المرة في مزاد علني عم خبره الدنيا بأسرها ،كنيسة المدينة هي كتاب تاريخها وقبلة أنظارنا،ومع ذلك لا مانع من البيع في مزاد علني لإنقاذ اسم المدينة .
افتتح المزاد وكان المزاودون كلهم من أبناء المدينة الذين باتوا لا يعرفون منها سوى الاسم وأحيانا بعض من الجغرافيا .أعلن الكاهن أن الحجارة فقط ستباع أما باقي المقتنيات فلا أحد يجرؤ على بيعها أو شرائها فهي ملك لله وحده .
تم تفكيك الكنيسة وبيعها حجرا حجرا، وحين بيع آخر حجر هطل المطر ،صاح الجميع يا لبركة السماء إن الله معنا يبارك مزادنا ،ولم يدرك أحد أن الله بكى على كل ذلك الانحطاط،أما المزاودون فلم يسألوا أبدا عن الثمن ،كان همهم الوحيد اقتناء الحجارة فالمال يأتي كيفما كان أما الحجارة التي تعبق بالتاريخ لا يمكن مصادفتها أينما كان، على أية حال أتفق الشارين على أمر واحد، وهي لربما المرة الوحيدة التي اتفقوا فيها على الإطلاق،اتفقوا على أن يبنوا وطنا في المنفى لأنهم سئموا التشرد على الأرصفة كالقطط والكلاب وفي الملاهي كقوادين لأصحاب المال وباتوا يحنوّن إلى وطن يلمهم ويجمع شملهم، وقبل أن ينتهي المزاد صاح أحدهم ،الوطن في المنفى يحتاج للهواء فنحن من يوم رحلنا لم نشم الهواء إلا من المؤخرات و للتو صاح الكاهن بأعلى صوته هواء المدينة للبيع من يشتري من يزيد لم يستمر الأمر طويلا فالمزاودون متفقون فيما بينهم فما كان منهم إلا أن اشتروه على الفور من دون مزايدات ،بعدها صاح آخر الشمس نعم نريد أن نشتريها فهناك في الغرب لا شمس لنا ومن يوم رحلنا أصبحنا كاللصوص نسرق الدفء من أحضان العاهرات ومن الجهة الأخرى صاح آخر تنقصنا الأحلام فنحن هناك لا أحلام لنا إلا جمع المال وكان ما كان إذ بيعت أحلامنا بأرخص الأثمان .
حين انتهى المزاد كانت المدينة قد أفلست من كل شيء، من الوطنية والرجال والفتيات الجميلات والشمس والهواء وحتى الأحلام ،ورحنا نحن من تبقى من سكان المدينة نمشي في الظلمة كالصراصير خبط عشواء نترنح تحت أحمالنا الثقيلة من المباديء والوطنية والإيمان والكثير الكثير من الأوهام.
__________________________________________________________
[/size][/size]
مزاد علني
- سهيل شمعون
- عضو VIP
- مشاركات: 662
- اشترك في: السبت إبريل 17, 2010 9:16 am
Re: مزاد علني
أحيي قلمك المبدع والجريء أستاذ اديب وادعو من الله أن يحميك انت واسرتك وانت في أحدى نقاط التوتر الساخنة بسوريا
هذا الوباء الذي ذكرته ليس صناعة اليوم أنه لازمنا من عهود بعيدة وماتركنا لمدننا وقرانا في تركيا والنزوح الى أراضي مجاروة اكبر دليل . وكذب من قال ان الاضطهاد والخوف كان وراء ذلك فكيف اذن تحيى وتستمر امة دون ان تقاوم وتتمسك بحقها في العيش على ترابها وهناك شعوب كثيرة عانت الويلات اكثر من شعوبنا وهي اليوم على وشك ان تحقق اهدافها وتصبح دول بالرغم من كل المأسي التي عانتها وهي تستحق ذلك .
أما نحن فقد فقدنا هذا الهدف منذ زمن بعيد لاننا ببساطة شعب سطحي لاينفع الا للخطاب والبلاغة ( والمته والاركيلة ) وعند أول ضائقة نترك كل شيء خلفنا ونهرب ناسين أو متناسين أن ارضنا وحتى الارض التي احتضنتنا من حقها أن ندافع عنها لا أن نتركها للغريب ونتسارع لبيع البيوت والاراضي الزراعية التي دخلت التنظيم السكني ( كما يحدث اليوم ) لنملىء الجيوب بالملايين ونشد الرحال على اول طائرة .
اليوم علينا أن ننعي الامة السريانية الكلدو اشورية لانها بالحقيقة اصبحت في خبر كان فلا يتشدق علينا احد أو حزب أو جماعة بعد اليوم بشعارات ملينا وقرفنا منها وهم اول الناس الذين غرسوا اسفينا ً بصدرها فلا تصريحاتكم ولابياناتكم ولا تبرعاتكم لن تيعد شيئا ً من الماضي وهي ليست بأكثر من مساحيق جميلة تزول عند أول قطرة ماء تهطل من السماء لتكشف عرينا الفاضح كما ذكرت أخ اديب .
والشيء الاكثر قبيح بأيامنا هذة ونحن نمر بمحنة كبيرة نشاهد انقسامات كبيرة بين شباب البلد على امور تافه كصراع على كرة قدم مثلا مدعومة هذة الانقسامات من أشخاص كنا بالسابق نعتز بهم كونهم من كبار القوم وكأنهم لايشاهدون على شاشات التلفزيون كيف يشيع يوميا عشرة شهداء من رجال الامن والجيش وهم يحاولون الدفاع عن الوطن وعن امننا وسلامتنا ( يعني موشي تافه بربكن ناس تقتل وتضحي لاجلنا ونحنا عم ناكل لحم بعض مشان طابه وملعب )
نرجو من الله أن تزول الغيمة السوداء على وطننا الحبيب سوريا وان يعود الامن والامان كما كان سابقا ً لنستطيع أن نكمل مسيرة الاصلاح والتطوير مع قائدنا المقاوم الدكتور بشار الاسد حماه الله ورعاه .
هذا الوباء الذي ذكرته ليس صناعة اليوم أنه لازمنا من عهود بعيدة وماتركنا لمدننا وقرانا في تركيا والنزوح الى أراضي مجاروة اكبر دليل . وكذب من قال ان الاضطهاد والخوف كان وراء ذلك فكيف اذن تحيى وتستمر امة دون ان تقاوم وتتمسك بحقها في العيش على ترابها وهناك شعوب كثيرة عانت الويلات اكثر من شعوبنا وهي اليوم على وشك ان تحقق اهدافها وتصبح دول بالرغم من كل المأسي التي عانتها وهي تستحق ذلك .
أما نحن فقد فقدنا هذا الهدف منذ زمن بعيد لاننا ببساطة شعب سطحي لاينفع الا للخطاب والبلاغة ( والمته والاركيلة ) وعند أول ضائقة نترك كل شيء خلفنا ونهرب ناسين أو متناسين أن ارضنا وحتى الارض التي احتضنتنا من حقها أن ندافع عنها لا أن نتركها للغريب ونتسارع لبيع البيوت والاراضي الزراعية التي دخلت التنظيم السكني ( كما يحدث اليوم ) لنملىء الجيوب بالملايين ونشد الرحال على اول طائرة .
اليوم علينا أن ننعي الامة السريانية الكلدو اشورية لانها بالحقيقة اصبحت في خبر كان فلا يتشدق علينا احد أو حزب أو جماعة بعد اليوم بشعارات ملينا وقرفنا منها وهم اول الناس الذين غرسوا اسفينا ً بصدرها فلا تصريحاتكم ولابياناتكم ولا تبرعاتكم لن تيعد شيئا ً من الماضي وهي ليست بأكثر من مساحيق جميلة تزول عند أول قطرة ماء تهطل من السماء لتكشف عرينا الفاضح كما ذكرت أخ اديب .
والشيء الاكثر قبيح بأيامنا هذة ونحن نمر بمحنة كبيرة نشاهد انقسامات كبيرة بين شباب البلد على امور تافه كصراع على كرة قدم مثلا مدعومة هذة الانقسامات من أشخاص كنا بالسابق نعتز بهم كونهم من كبار القوم وكأنهم لايشاهدون على شاشات التلفزيون كيف يشيع يوميا عشرة شهداء من رجال الامن والجيش وهم يحاولون الدفاع عن الوطن وعن امننا وسلامتنا ( يعني موشي تافه بربكن ناس تقتل وتضحي لاجلنا ونحنا عم ناكل لحم بعض مشان طابه وملعب )
نرجو من الله أن تزول الغيمة السوداء على وطننا الحبيب سوريا وان يعود الامن والامان كما كان سابقا ً لنستطيع أن نكمل مسيرة الاصلاح والتطوير مع قائدنا المقاوم الدكتور بشار الاسد حماه الله ورعاه .