سلسلة من كنز الآباء السريان (15)
الأحد الخامس من الصوم الأربعيني المقدس
السامري الصالح
أحد مبارك وقداس مقبول للجميع
الأحد الخامس من الصوم الأربعيني المقدس
السامري الصالح
أحد مبارك وقداس مقبول للجميع
وَلكِنَّ سَامِرِيّاً مُسَافِراً جَاءَ إِلَيْهِ، وَلَمَّا رَآهُ تَحَنَّنَ، فَتَقَدَّمَ وَضَمَدَ جِرَاحَاتِهِ، وَصَبَّ عَلَيْهَا زَيْتاً وَخَمْراً، وَأَرْكَبَهُ عَلَى دَابَّتِهِ، وَأَتَى بِهِ إِلَى فُنْدُق وَاعْتَنَى بِهِ. وَفِي الْغَدِ لَمَّا مَضَى أَخْرَجَ دِينَارَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا لِصَاحِبِ الْفُنْدُقِ، وَقَالَ لَهُ: اعْتَنِ بِهِ، وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ أَكْثَرَ فَعِنْدَ رُجُوعِي أُوفِيكَ. (لوقا 10 : 33- 35 )
-----------------
يقول مار سويريوس الانطاكي :
(أَلَيْسَ أَنْ تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ، وَأَنْ تُدْخِلَ الْمَسَاكِينَ التَّائِهِينَ إِلَى بَيْتِكَ؟ إِذَا رَأَيْتَ عُرْيَانًا أَنْ تَكْسُوهُ، وَأَنْ لاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ.)(إِش58: 7).
وطبقا لهذا المعنى البسيط المائل امامنا، يكون لكلمات المثل الذي نحن بصدده، هذا المغزى وهذا التفسير المتفق مع الكلمات ذاتها: فلا ننظر نظرة سطحية فقط، إذ انه توجد تأملات عميقة وروحانية جدا لمن يستطيعون ان يتأملوا العبارات بطريقة روحية، على قدر إدراكهم. لان كل واحد من هذه العبارات مفعمة بالمعاني، فتبين الامثال عددا من الاشياء الواضحة المفهومة للجميع، فنجذب السامعين، ومن ناحية اخرى تخفي عددا كبيرا من المعاني المختلفة فتثير الرغبة في البحث عنها.
هنا يدعو المسيح نفسه بحق سامريا. يخاطب ناموسياً يفتخر في ذاته كثيرا بالناموس، اهتم بأن يبين بقوله انه ليس الكاهن ولا اللاوي وعلى وجه العموم ليس الذين كانوا يعتقدون انهم يسلكون حسب وصايا موسى عندهم القدرة، بل هو ذاته الذي اتى لكي يكمل ارادة الناموس مبنيا بالوقائع ذاتها من هو القريب بالحقيقة، وما تنطوي عليه العبارة (تحب قريبك كنفسك)، وهو الذي كان اليهود يقولون له شاتمين: (السنا نقول حسنا انك سامريا وبك شيطان)(يو8: 48). وهو الذي كانوا يتهمونه كثيرا بتعّدي الناموس.
وبمعنى اخر لا احد يرى في تسمية المسيح بالسامري ما هو غير جدير، ولو انها تبدو بطريقة ما انها تسمية غير مناسبة لجلاله الاقدس.
ومع ذلك نريد ان نستخلص من هذه الكلمة معنى يليق بما نحن ماضون في شرحه، فلا نناقش موضوع المعنى المتغير او السبب الذي من اجله كانت هذه التسمية، فهذا السامري الذي كان في الطريق، وهو المسيح، قد رأى إذا الجريح على الارض. واتخاذه طريقة هو بالذات لكي يفتقدنا.
نحن الذين من اجلنا نزل على الارض واقام معنا. انه لم يرَ فقط، لكنه عاش مع الناس، حينما تأنس بالحقيقة بدون استحالة بطريقة تفوق كل تصور. لان من شان الاطباء الحقيقين ان يعيشوا صحبة مرضاهم ولا يبتعدوا عنهم قبل شفائهم.
وهكذا كان ايضا يسكب النبيذ، أي الكلمة التي تعلم، وتضمد القروح. وقد اعطانا فعلا لنشرب نبيذ التوبة، كما يقول النبي في المزامير: (اربت شعبك عسرا، سقينا خمر الترنح)(مز60: 3). ولم تكن بالحقيقة لنستطيع تحمله صرفا، لان خطورة الجراح الخبيثة وحالتها التي لا شفاء منها كانت لا تتحمل مثل هذا اللذع، ولذلك خلطه بالزيت.
وفضلا عن ذلك قد اتى به الى الفندق، (فتقدم وضمّد جراحاته وصب عليها زيتا وخمرا واركبه على دابته واتى به الى فندق واعتنى به) (لو10: 34).
وهو الكنيسة التي اصبحت تستطيع ان تستقبل و تأوي كل الناس. فإننا لم نسمع حسب ضيق الظل الناموسي والعبادة الرمزية: ( لا يدخل عمّوني ولا موآبي في جماعة الرب) (تث 23: 3).( في ذلك اليوم قرأ في سفر موسى في آذان الشعب ووجد مكتوبا في ان عمّونيا و موآبيا لا يدخل في جماعة الله الى الابد) (نحميا 13: 1)، بل تسمع: فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس) (مت 28: 19) وايضا: ( بل في كل امة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عند) (اع 10: 35).
وبعد ان اتى به الى الفندق، (اعتني به ) ( لو 10: 34).
أي بعد ان تشكلت الكنيسة من اجتماع الامم التي كانت تموت في عبادة الآلهة العديدة، اصبح المسيح نفسه هو الساكن فيها ويسير، كما هو مكتوب، ويمنح كل نعمة روحية.
( فأنكم انتم هيكل الله كما قال الله اني سأسكن فيهم واسير بينهم واكون لهم إلها وهم يكونون لي شعبا) (2كو 6: 16).
ويتبع ذلك انه ايضا اعطى دينارين لصاحب الفندق، (وفي الغد لما مضى اخرج دينارين واعطاهما لصاحب الفندق) (لو10: 35)، ويُفهم من هذا انه يرمز للرسل وكذلك للرعاة والمعلمين الذين خلقوهم، حينما صعد الى السماء بعد ان خلوهم الامر بالاهتمام بصفة خاصة بالمريض. واضاف قائلا: ( اعتن به ومهما انفقت اكثر فعند رجوعي اوفيك) (لو10: 25).
ويسمى العهدين القديم والجديد دينارين. الاول مُعطى بواسطة ناموس موسى والانبياء، والثاني بواسطة الاناجيل وتعاليم الرسل، وهما كلاهما ملك الله الواحد، وكالدنانير يحملان صورة واحدة لهذا الملك العلي، ويطبعان نفس الصورة الملكية في قلوبنا ويثبتانها بالكلمات المقدسة، لان الناطق بها هو بالحقيقة ايضاً روح واحد.
نقلت المقالة بتصرف عن :
المقال 89 عن السامري الصالح لمار سويريوس الأنطاكي
------------------------------
http://dss-syriacpatriarchate.org