حذاري من الحمل...؟!
بقلم المهندس: إلياس قومي
بقلم المهندس: إلياس قومي
يُحكى إن قرية نائيةً، كانت تعيش على قطعان الماشية، وقطع الأخشاب،
وقليل من أعمال الزراعة البدائية.
لكن منذُ وقتٍ قريب، بدأ سكان القرية في تحويل تلك السفوح على شكل
مدرجات ترابية، ليستخدمونها في زراعة مايسد حاجياتهم الغذائية.
ذات يوم مرّتَ بتلك القرية، وعلى أثر الجفاف الذي ساد تلك النواحي
من البلاد. قطعانٌ من الأغنام التي نادراً ما كانوا يربونها الأهالي هناك ، لالشيء سوى لطبيعة أرضهم الجبلية. فالماعز يستطيع التنقل بأكثر
سهولة من غيره في مثل تلك الجبال.
لقد أستطاع قطيعٌ من الأغنام العابرة أن يجد له موطىء قدمٍ في القرية.
وراح صاحبه يبني علاقات حسن جوار. والأهالي يتعاطفون معه.
فهم مثل كل القرى يحبون الغرباء، ولهم من خصال الكرم والتسامح
حكاياتٌ وروايات ، وما إلى غيرها من عادات تدفع النفس الوضيعة
إلى طلب المزيد، وخاصة إن كانت تلك النفس قد أعتادت على الطمع
والخبث والرياء التي لم يعرفها أهل تلك النواحي.
كان الضيف على إطلاعٍ كامل وذو جذور عميقةٍ لاتحت التربة، بل في
معرفة الحيلة والدهاء ورسم الأساليب من زراعة:
لا الأشجار كي يستفاد منها هؤلاء البسطاء، ولا رعاية الحيوانات بشكلٍ يسهل عليهم التخفيف من أعباء مايترتب عليهم من دفع نفقات للراعي.
بل زرع الشقاقات بين أهالي تلك القرية، فراحوا يتنافرون لأبسط الأمور، وبعض منهم قسموا تلك المدرجات التي قاموا بتسويتها بشكل جماعي.
ولم تمضي سوى شهورٍ، راح الضيف يعلن عن رغبته كي يكون المختار
لتلك القرية. إذ أفسدَعلاقات الود القائمة بين الأهالي، فحرض الجيران على بعضهم. وكاد ينجح في تحويل كل من يسكن في القرية إلى جانبه.
لولا أحدٌ من هؤلاء الرعاة الذين كانوا يرافقون قطيع الأغنام وبحكم عمله،
فقد علم إن تلك الحكايات ماهي إلا من صنع ذاك الدخيل.
وبينما الناس في حالةٍ من التنافر لايُحسدنَّ عليها. وإذ بذاك الراعي الذي
يرعى ماشيتهم، تجرأ لكشف الحقيقة: وفي المساء بينما هم يتسامرون
تحت ضوء القمر الحزين على ماألت إليه أوضاع هؤلاء البسطاء.
راح يشرح لهم وبكل جسارة. كيفَ أعلمه صاحب القطيع إنَّه يسعى
لتفتيت الأهالي، ولتحويل تلك المدرجات التي إشتركوا في تسويتها
لأيامٍ طويلة ومرهقة إلى أرضٍ سكنية.
وكيف لا وقد أصبح يتمتع بصيت حسن عند المخفر، وبنى علاقات
مريبة مع كل أفراده. وأصبح الأمر الناهي في كثيرٍمن القضايا.
دون أن يثير إنتباه أحدْ.
كانت القرية حدودية، والمخفر له موقع حساس، نظراً لقربه من العدو .
وقد كشف ذاك الراعي لأهالي قريته كيف كان يشاهد صاحب القطيع
وهويقوم بعمليات تسلل إلى الطرف الأخر وتسهيل عمليات التهريب
بإستخدام خرافه في نقل بضاعة وممنوعات للطرف الأخر.
ما أن حست به القرية، وما كان يقوم به من اعمال. سرعان ما توحدوا وأصبحوا يراقبونه في السر. فألقوا القبض عليه متلبساً يحاول العبور،
متستراً ببيع الخراف، وإذ تبين أنه يشتري السلاح والذخيرة، التي كان
يبيعها له أحد أبناء القرية للقرى المجاورة. فأبلغوا المخفر بكل ما شاهدوه،
آنذاك علِموا رجال الدرك:
لِمَ كان يقوم بتأمين حاجيات إسرهم مجاناً؟
ولِمَ كان يوشي بأهالي القرية لرئيس المخفر؟
كم من مرة كانوا يطلبون المختار ليحققوا معه في أمور
لم يكن يعلم عنها شيئاً ؟
وقبل إستصدار قرارالتوقيف أوثقوه وأقتادوه للنظارة .
وعند المحاكمة طلبوا منه: لماذا كان يتصرف بسوءٍ إتجاه القرية التي أرتضت أن تضمه إلى صفوفها . راح يلف ويشكو من وحدته، دون أن
يقتنع القاضي وكلما قدم مايتذرع به، إلى ان طلب شهادة الحمل. عندها
ضجة القاعة هزأً بما قاله،
أما هو علل بأن الحمل هومن علمه تلك الأساليب منذُ أن كان رضيعاً
يتنقل مع أمه ويرضع من غيرها ، يتجاوز الأسلاك الشائكة من دون
خوف، بينما كانت أمه تسعى لتوفر له الحليب.
وعندما تم إستدعاء الحمل للمحكمة، لا لم يعد ذاك الحمل الوديع!!
لقد كبر جسمه وطالت أظلافه ، وأصبح منظره مخيفاً. وقبل أنْ يصلَ إليهم باغتهم بضربة قويةٍ من قرنيه التي كانت قد اصبحت مثل منقار الصقر على جبينه، فراح يعبث في الحضور والمكان، وهو يصرخ حذاري من الحمل؟!
استغرب أهالي القرية الودعاء من التصرف الأرعن ذاك.
وراحت عندهم مثلاً:\" حذاري من الحمل \" .
حذاري ممن يأتيك بثياب الحملان،
فكم من جدارٍقد يكون ورائه ذئبٌ ينهش الروح قبل الجسد،
هو أشد خطراً من قطيعٍ يأتيك عاري اليد واللسان .
*** *** *** *** ***