وداعاً ياإبن عمّي يارفيق الطفولة(الغالي جورج).

يستطيع زوارنا الكرام المشاركة بهذا القسم بدون تسجيل
صورة العضو الرمزية
إسحق القس افرام
مدير الموقع
مدير الموقع
مشاركات: 54300
اشترك في: السبت إبريل 17, 2010 8:46 am
مكان: السويد

وداعاً ياإبن عمّي يارفيق الطفولة(الغالي جورج).

مشاركة بواسطة إسحق القس افرام »


الحمد والشكر لله في البداية والنهاية وعلى كل حال وحول.

عندما رنَ جرس الهاتف في ذاك الصباح الباكر لم يكن المتكلم كعادته في كل مرَة كان صوته متقطِعاَ مختنقاَ ممزوجاَ بالبكاء والأنين,قلت:مابك يأديب ؟ ماذا جرى ؟ علام البكاء؟ قال: مصيبة كبيرة حلَت بنا يابن عمّي. قلت: أمات والدك؟أمات عمّي أبوفؤاد؟ قال: لا المصيبة أكبر بكثير. وبما أنَ أهلنا وأحبابنا يعيشون اليوم حالة حرب في سورية , حالة قتل ورعب وخطف وتشريد, قلت: أقتل أحَداَ من الأهل في سوريَة ؟ قال: لا, أخطف أحَداَ ؟ قال: لا, قلت: إذاَ ماذا جرى ؟ أخبرني , قال: أخي جورج خسرناه خسرناه ... كنت أعلم بأن جورج سيسافر إلى إسبانيا مع الأولاد برحلة إستجمام , فقلت: ألم تقل لي بأنَ جورج سيسافر إلى إسبانيا ؟ قال: بلا لقد سافر لكنه لن يعود ثانيةً , ودَعناه لكننا لن نستقبله كما ودَعناه , مات أخي مات سندي ليلة البارحة في إحدى فنادق إسبانيا بذبحة قلبيَة أودت بحياته في دقائق معدودات ....!!!! مات جورج بذبحة قلبيَة في دقائق معدودات ! كيف ؟ أولاَ لاإعتراض على مشيئة الله وإرادته وحاشا لنا أن نعترض , لكن أتساءل ؟ ؟؟ كيف يموت جورج في دقائق معدودات ؟ كيف يهوي ذاك الصرح العالي المتين في دقائق معدودات ؟ كيف يخمد ذاك البركان الثائر في دقائق معدودات ؟ لا جورج إبن عمَي ورفيق طفولتي وأخي بالرضاعة أنا أعرفه جيداَ, جورج لم يمت في دقائق معدودات , لهذا دعوني أتخيَل جورج الآن وهو على متن تلك الطائرة محلّقاَ في الفضاء متجهاَ نحو بلاد الشمس الساطعة والمياه الدافئة والشواطىْ الجميلة ومن حوله أولاده تلك العصافير المغرّدة هذا يسأله بابا متى سنصل ؟ وتلك تسأله بابا ماذا سنفعل ؟ والفرحة في عيونهم والسعادة على وجوههم , كم كانت سعادة جورج في تلك اللحظة كبيرة خصوصاَ وهو يسمع تلك الكلمة كلمة بابا ويرى تلك الفرحة في أعينهم والسعادة على وجوههم , في تلك اللحظة كان قلب جورج مغبوطاَ بالفرحة والسعادة لكن في نفس الوقت كان قلب جورج يتألم ويتوجَع إنما جورج كان يضغط على نفسه ويعصر على قلبه من أجل أن لايطفأ تلك الفرحة في عيون أولاده وأن لايمحو تلك الإبتسامة والسعادة من على وجوههم لأن سعادة جورج كانت تأتي من سعادة أولاده ......وصل جورج إلى إسبانيا , في الليلة الأولى لاحظ الأولاد التعب على والدهم فاتَصلوا بأمّهم وأخبروها وةالوا لها (بابا تعبان) تكلَمت الأم المسكينة مع زوجها وطلبت منه أن يذهب إلى الطبيب إذا كان يشكو من شيئاَ ما ,لكن كيف يتنازل جورج ويعترف بأنَه مريض أو تعبان ؟ لا فليس جورج من يفعل ذلك , فكبريائه وعزَة نفسه لاتسمح له بذلك , لهذا قال لها أنا بخير وكل شيْ يصير على مايرام , قليلاَ من التعب وسأرتاح عمَا قريب ........في اليوم التالي نزل جورج مع الأولاد إلى الشاطىْ وهناك إستلقى على ظهره وشرَع صدره نحو الشمس الساطعة وأخذ ينظر إلى الأولاد يلهون ويسرحون ويمرحون والفرحة والسعادة بادية عليهم , في تلك اللحظة كانت تزداد الغبطة والسعادة في قلب جورج لكن مع أزدياد الغبطة والسعادة كان الألم والوجع يزداد في قلبه, لكن جورج كان يحاول أن يقنع نفسه ويضحك عليها بأن كل شيْ على مايرام كل هذا من أجل سعادة الأولاد وفرحتهم ......في الليل أشتد الوجع على جورج وبان التعب عليه واضحاَ , فلاحظ الأولاد , فاأتصلوا مرَة أخرى بأمهم بمرجعهم الوحيد , تكلمت الأم مع جورج مرة أخرى وطلبت منه وترجَته أن يعرض نفسه على الطبيب , لكن في هذه المرَة أيضاَ أصر جورج بأنه بخير وعلى مايرام . هذه المرَة لاحظت الزوجة المسكينة وشعرت بأن شيئاَ غير طبيعيَاَ يحدث , فصوت جورج لم يعد كما ألفته من قبل , ونبرته ليست كما تعوَدت عليها , لهذا طلبت من الأولاد سرَاَ أن يستدعوا له الإسعاف ......جاءت الإسعاف وهرع المسعفون مع نقَالة الإسعاف إلى غرفة جورج وطلبوا منه أن يستلقي عليها , لكنه رفض وأصرَ بأنه على مايرام , كيف يتنازل جورج من كبريائه وشموخه ويستلقي على نقَالة الإسعاف , لا فليس جورج من يفعل ذلك , لهذا قال للمسعفين : طالما أتيتم فسأنزل معكم بأرجلي إلى السيارة........أفرغ جورج جيوبه من كل المحتويات , من النقود والأوراق وجوازات السفر...لم يبقي شيئاَ معه , وسلَمهم إلى إبنته , وكأني به يقول: هاإنني يابنتي قد سلَمت لك كل شئ وبرَأة ذمَتي وها أنا خارج من هذه الحياة وليس بجعبتي شيئاَ........عند باب الفندق كانت سيارة الإسعاف تنتظر , ومابين باب الفندق وسيارة الإسعاف , مابين الخط الفاصل بين الزمن واللآزمن , بين البداية والآنهاية , الخط الذي عنده تهبط كل الجبابرة كل العظماء كل الأقوياء كل مخلوق فوق هذه المعمورة , هناك هبط جورج بقامته العالية وودَع هذه الحياة الفانية ورحل تاركاَ خلفه جثَة هامدة لاحراك فيها.هكذا كانت نهاية إبن عمّي الزمنيّة......!!!!!

جورج إبن عمَي يارفيق طفولتي ,صعب عليَ جداَ أن أرثيك الآن , أن أقول فيك كلام , لأنني أعلم بأنني مهما قلت فيك ومهما تكلَمت عنك فالقول لايفيد والكلام لاينفع , كم قلت لك مراراَ وأنت بيننا , إهدأ يابن عمّي , ريّح نفسك قليلاَ فنحن لم نعد صغاراَ لقد تجاوزنا الخمسون ومن يراك تركض هنا وهناك يحسبك إبن العشرين , كنت في كل مرة تبتسم وتقول: راح الكثير ولم يبقى إلاَ القليل , بضعة سنوات وساأحال إلى التقاعد عندها سأتفرَغ لنفسي ولأسرتي ولأهلي وأصحابي ...... ها إنك الآن قد تفرَغت نهائيَاَ , قد إرتحت من عذابات وتعب وشقاء السنين , ها إنك قد رحلت وتركت كل شئ خلفك , تركت حملاَ ثقيلاَ على أكتاف زوجتك , أرملتك التعيسة , أتمنى من الله أ يأخذ بيدها ويصبرها ويساعدها على تحمُل هذا العبئ الثقيل والمسؤلية الكبيرة .......وآحسرتاه عليك يابن عمّي , رحلت وتركت حسرة عميقة في قلوبنا , حسرة في قلب أرملتك , وحسرة في قلوب أولادك , وحسرة في قلوب إخوتك حيث كنت لهم السند الوحيد والمرجع الوحيد في هذه الديار ديارالغربة , رحلت وتركت حسرة عميق في قلب والدك , ذاك الشيخ الكبير الذي تجاوز الثمانون من العمر عندما تكلَمت معه لأعزيه كان ينهج كطفلاَ صغير .... آه يابن عمّي ...!! قبل أسابيع قليلة كان آخر لقاء بيننا , هناك في ذاك المكان حيث كنُا نحتفل بزواج إبنتك الأولى ( باتريسيا ) كنت سعيداَ فوق العادة وقتئذٍ , كانت فرحتك لاتقاس وبهجتك تفوق الوصف , من يعلم غير الله بماذا كنت تشعر في تلك الساعة , وكيف كان إحساسك , هل كنت تشعر بأنها الفرحة الأخيرة لك ؟ هل كنت تحس بأنها أول فرحة وآخر فرحة لك بزواج أولادك ؟ ربما لهذا كنت سعيداَ فوق العادة وكأنك كنت تريد أن تجمع كل أفراح أولادك بتلك الفرحة......لهذا لايسعني إلاَ أن أقول لك الآن: نم قرير العين يابن عمَاه , نم على تلك الفرحة الجميلة , نم فهنيئاَ لك على هذه النومة المريحة بعد هذا العناء والتعب والشقاء الطويل , إرحل بأمان الله , إرحل وأنت مرتاح البال والضمير, رافقتك السلامة , بلّغ تحياتنا وسلاماتنا وأشواقنا إلى كل الغوالي الذين سبقونا إلى تلك الديار الجميلة وأخص منهم الشباب الذين رحلوا وهم في مقتبل العمر..........تغمّدك الله وأسكنك الفردوس النعيم صحبة الأبرار والقديسين , إنه لسميع مجيب آمين

إبن عمَك ورفيق طفولتك المتألم

فريد توما مراد
السويد- أستوكهولم 22-8-2012م
:croes1: فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ :croes1:
صورة
صورة
بنت السريان
أديبة وشاعرة
أديبة وشاعرة
مشاركات: 17885
اشترك في: السبت يونيو 05, 2010 11:51 am

Re: وداعاً ياإبن عمّي يارفيق الطفولة(الغالي جورج).

مشاركة بواسطة بنت السريان »

كل فقد يعوّض إلا فقد الأحبّة لا يعوّض وجرحه في القلب لا يلتئم
قرأت تأبينك المحزن
أثرت الأشجان ,وجددت علينا الأحزان
فقد الأحبة نار تأكل في الضلوع مهما تقادم الزمن وأكلت من عمرنا السنين

رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جنّاته بصحبة الأبرار والقديسين
وللأهل الصبر والسلوان
الرحمة للأموات وطول العمر للذين على قيد الحياة
أوقد شمعة لراحة نفسه
اختكم سعاد اسطيفان
بنت السريان
ليس لديك الصلاحية لمشاهدة المرفقات
صورة

سعاد اسطيفان
الدكتور جان شمعون
عضو
عضو
مشاركات: 74
اشترك في: الأربعاء يوليو 28, 2010 2:34 pm

Re: وداعاً ياإبن عمّي يارفيق الطفولة(الغالي جورج).

مشاركة بواسطة الدكتور جان شمعون »

نعم ان الفراق صعب وخاصة فراق الاحبة :croes1:
نعم ان كلمات التأبين لابن عم الفقيد جدا مؤثرة وحزينة
نعم من يقرأ هذه الكلمات سيحزن وسيزرف الدموع لانه مامن احد يخطر في باله كيف رحل جورج ذو القامة القوية في دقائق معدودة
نعم اننا تألمنا اكثر لاننا عاشرنا الفقيد المرحوم في المالكية في الثمانينات وكنا نعرفه بشخصيته القوية وصاحب الضحكة الدائمة والحنكة القوية ولكن هذه مشيئة الرب وارادته التي لاتعلوا عليها ارادة
نعم احيانا نسأل انفسنا كيف تفتت هذا الجبل الصامد
وكيف تحطمت هذه الصخرة القوية
وكيف سقط هذا البرج العظيم
ولكن كل هذه ارادة الرب
ولكن ما علينا الان الا ان ندعوا من الرب ان يسكنه فسيح جناته وان تكون مكانته بين الابرار والقديسين وان يعطي اخوته واهله وزوجته الصبر والقوة
الدكتور جان عيسى شمعون - ارمينيا
:croes1:
ليس لديك الصلاحية لمشاهدة المرفقات
أضف رد جديد

العودة إلى ”منتدى التعازي والــــوفيـــــات“