
الأب رفعـت بدر
بالتزامن وجريدة الرأي الأردنية
رحل البطريرك أغناطيوس الرابع هزيم، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس من دار الفناء إلى دار البقاء، عن عمر 91 عاماً، وقد أثارت وفاته العديد من ردود الفعل ومشاعر التأثر على المستويات العربية والعالمية.
لقد كان البطريرك الراحل رحمه الله مثالاً حيّاً للتمسُّك بالإيمان، ولمدّ جسور التعاون مع الكنائس الشقيقة، وبخاصة عبر اسهامه الجلي والتاريخي بتأسيس مجلس كنائس الشرق الأوسط عام 1974، ليكون الحاضنة الاكبر للمبادرات الهادفة الى الوحدة المسيحية في الشرق العزيز. وكم كان يتألم عندما كان يرى المجلس في السنوات الأخيرة قد ضعف وغاب صوته، وحاد عن الطرق والأهداف النبيلة التي تأسس من أجلها. واني بصفتي ممثلا للكنيسة اللاتينية في القدس، في هذا المجلس وعضوا في اللجنة التنفيذية، أذكر اجتماعا استضافه البطريرك المرحوم في صيدنايا في سوريا الشقيقة، كما شارك في اجتماع ثان في احد الفنادق على البحر الميت، وكيف رفع صوته، اثر نقاشات كثيفة، اذا قال يا أخوتي الأحباء، ما لهذا أسسنا المجلس، المجلس يعمل بروح العمل والفريق الواحد، ولكم يحزنني الواقع الذي وصل اليه، في ان تقتصر اجتماعاته على أمور إدارية ومالية، ألا أعيدوا الى المجلس رونقه وعافيته وأصالته.
وكذلك عمل على الانفتاح القائم على التعاون والحوار وأسس العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين، شركاؤهم الحضاريون في التاريخ والمصير، في لبنان وسوريا والشرق والعالم. وكم تحتاج سوريا الشقيقة التي ولد فيها الى أشخاص أتقياء وحكماء مثل تقواه وحكمته، وبخاصة عندما رفع صوته قبل أشهر، ووسط العنف الدموي الذي تتعرّض له سوريا، فقال : لا تبعدوا مسيحيي سوريا عن مسلميها...
يحزننا حقا كمواطنين وكمسيحيين في الشرق فراق هذا القائد الديني المميّز والذي له مآثر جلية في هذه المنطقة المقدّسة، ونقدّم التعازي الحارّة والصادقة إلى العائلة الواحدة في الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية بأساقفتها وكهنتها وشمامستها ومؤمنيها في لبنان وسوريا والعالم العربي والعالم أجمع. واذ نودّع مثلث الرحمات البطريرك هزيم، وندعو له بالرحمة والراحة الابدية، لنضرع الى الله تعالى أن ينشر السلام والطمأنينة، في النفوس والضمائر في الشرق العزيز، وأن تتمكن كنيسة أنطاكية الشقيقة، من اختيار الخلف الطيب للسلف الطيب... فيقود كنيسته وشعبه إلى برّ الأمان والسلم والمحبة، وسط الظروف الصعبة التي تمرّ بها سوريا الشقيقة والمنطقة بأسرها.
وبهذه المناسبة، وكعلامة على الانفتاح المسكوني بين مختلف الكنائس، يطيب ان نكرّر ما قاله الراحل الكبير في رسالة الترحيب الأخوية بالبابا بندكتس السادس عشر، عشية زيارته الى لبنان في أيلول هذا العام: «السلام لا يتحقق إلا عندما يعمّ بالعالم أجمع وهذا دورنا كرؤساء للكنائس أن نرفع الصوت عالياً وفي كل المحافل العالمية التي نتواجد بها، كي يتحقق هذا بين الناس، إنّنا وكما نقرأ في الكتاب المقدّس حيث أن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله، لذلك نطلب من الجميع أن ينظروا لأخوتهم بأنّهم صورة الله ومثاله وأن يتمنّوا لهم ما يتمنونه لأنفسهم».
رحمك الله أيها البطريرك التقي والحكيم...