كان برنامجاً مكثفاً تم إعداده وبرمجته قبل الذهاب
إلى مصر ....
وزعوا علينا ( الفورال الكشفي ).... ولكن لماذا ؟
وما علاقتنا بالكشافة ؟!..
نحن ذاهبون لزيارة الأديرة المقدسة هناك ..!!
سألتُ المسئولة عن الرحلة قالت : ستعلم السبب لاحقاً ...
قلتُ بيني وبين نفسي قد يكون له علاقة بالحرارة العالية في مصر
فقد يساعد على أمتصاص العرق ...
أو ربما ليكون لنا بمثابة علامة نتعرّف فيها على بعضنا البعض ..
كانت مجموعتنا مكوّنة من حوالي خمسون فرداً بين نساء ورجال
أصغرنا في الخامسة والأربعين .. وأكبرنا يدنو نحو الثمانين ..
ورغم ذلك فنحن ( كشاف الفوج الرابع.... ) ..
ولطالما الأمر ليس فيه مضرَّة ...فماذا يعني لو وضعنا الفورال
الكشفي حول أعناقنا ...! (ألسنا كشّاف الفوج الرابع..؟!! )
في الطائرة وقبل الهبوط في مطار القاهرة ..وزعت علينا مسئولة
الفوج نياشين صفراء عليها رمز الكشفيّة يتدلى منها شريطين باللون
الأحمر والأصفر شعار السريان ، وأيضاً صورة من الكرتون المقوى
لمار أفرام السرياني ، وطلبت منا أن نعلقهم على صدورنا......
أردت أن أسألها لماذا ؟ لكن ترددتُ .. ولماذا أجهد نفسي بالسؤال
فطالما نحن كشّاف الفوج الرابع .. إذاً لامانع من وضع هذه الأوسمة..
هبطت الطائرة مطار القاهرة الدولي ... وها نحن أفراد الطاقم الكشفي
نهبط درجات السلّم... . ..الكشفي النشيط : العم إبراهيم ...خلفه
مباشرة تسير مستندة على عكازها ، الكشفيّة المتألقة : الخالة مريم
بجانبها مباشرة تنزل متمسكة بحاجز السلم ، الكشفيّة السريعة : العمة
سيدي ..يليها الكشفي البارع : أبوعزيز ..تليه الكشفيّة الأنتحارية : الخالة
فضيلة التي أنقذها الله من الهبوط مباشرة من فوق ، دون الحاجة إلى
أستخدام سلم الطائرة ....أجل .. خمسون كشفيّاً يهبطون أرض المطار ..
تذمَّر الركاب في داخل الطائرة على مايحدث ... نادت المضيفة من فوق
وطلبت قليلاً من الأستعجال ... ولكن لايهم ..!!.. دعها تنادي...
ولماذا العجلة ... ؟ والعجلة من الشيطان ... أفراد الفوج الكشفي
الرابع يجب أن يأخذوا حرّيتهم في النزول .....النظام جميل ..
ونحن ككشّاف يجب أن نكون قدوة للنظام ....
***
اليوم سوف نزور بإذن الله الكاتدرائيّة العظيمة لنلتقي ( بمثلث الرحمات )
البالبا شنودة ونستمع إلى محاضرته القيّمة ...هكذا مقرر في البرنامج
ساحة الكاتدرائيّة تعج بالجموع الغفيرة..كلها بإنتظار الدخول ..ثمّة شرطة
وبعض أفراد الكشّافة ينظمون عملية السير والدخول ... ولكن بالنسبة لنا
طاقم الفوج الكشفي الرابع لا داعي أبداً للقلق ...فبمجرّد نزولنا من الباص
ونحن بكامل لباسنا الميداني ..فُتحتْ الطريق أمامنا ...كنا نسير بخطة
ثابتة وثقيلة ...يتقدمنا كل من الكشافة الأحرار: الخالة بهيّة مستندة على عصاها ...
والعم برصوم الخفيف الظل والثقيل المشية... كنا نسير صفين
متلازمين جنباً إلى جنب ..نعم هكذا يجب أن يكون الكشّاف المدرّب ..
الذي يرفع الرأس أينما كان ...وكيفما أتجه ..
داخل الكاتدرائية لم يصعب علينا أبداً الوصول إلى أماكننا المحجوزة
مسبقاً ...فالعشرة مقاعد الأمامية كانت مسيّجة بشريطاً حريريّا ..وكانت
ورقة بيضاء موضوعة على المقعد الأوّل كتب عليها : ( محجوز ...كشَّافة
السويد ) ..يا له من تكريم وأحترام ..ولِما لا ؟ ربما نحن لانعرف بقيمة
أنفسنا ...نعم نحنُ كشَّاف الفوج الرابع ..وهذا ليس بقليل أبداً .....
تمركزنا في أماكننا كلٍ منّا بحسب مرتبته الكشفيّة ..لم تحدث معنا
أيّة مشاكل ، ولماذا المشاكل ؟ وهل نحنُ بداخل الباص لكي نتشاجر على
المقاعد كما يحدث في أغلب الأحيان ؟.. لا ..لا ..فنحنُ منظمون ..
دخل البابا شنودة .. أهتزَّ المكان بالهتافات والزغاريد والتصفيق ..
ترحيباً بقدومه ....حيَّا ..وباركَ ... وجلس إلى حيثُ يجلس كل مرّة ..
برنامج البابا منظم ..فقبل أن يبدأ محاضرته ، ينظر في الأوراق
الموضوعة أمامه على الطاولة ...يرحِّب بالضيوف ، ويفسح لهم المجال
لأخذ الصور التذكاريّة معه ..ثم يُجيب على أسئلة المؤمنين المكتوبة خطيَّاً....
من ثمَّ يبدأ بإلقاء المحاضرة .
في الفندق كانت قد كتبت مسئولة الرحلة للبابا شنودة كلمة تعريفيّة
ُتبين فيها لقداسته من نحنُ .. ومن أين أتينا .. وهدف زيارتنا ...
وطلبت مني أن أنقحها ..ففعلتُ .
تكلَّم البابا شنودة وقال :
(نرحب بأخوتنا الكشافة السريان الأرثوذكس القادمين من السويد..
وبالحقيقة أخوتنا السريان المقيمين في السويد لهم مكانة خاصة في
قلوبنا ...فهم الذين أستقبلوني أستقبالاً عظيماً لايوصف ، يوم كنتُ
في زيارة إلى هناك . فأهلاً وسهلاً بأخوتنا الكشَّافة السريان القادمين
من السويد.) بهذه الكلمات أختتم البابا ترحيبه بنا ..
فإذا كان البابا شنودة ..بابا الأسكندريّة والكرازة المرقسيّة في العالم كله
قد رحب بنا هكذا ترحيب ..فكيف سيكون ترحيب شعبه ..؟
لهذا سأترك لكم المجال كي تتصّوروا وتتخيلوا أنتم .................
بعد هدوء العاصفة الترحيبيّة ، حان الوقت للفوج الكشفي لكي يصعد
إلى المنصّة , لأخذ البركة وألتقاط الصور التذكارية مع قداسته ..
الأعين جميعها في تلكَ الكاتدرائية العملاقة تنتظر وتترقب بشوقٍ وشغف
صعود الطاقم الكشفي إلى المنصة .. وربما هي المرّة الأولى لهم ، مشاهدة
كشَّاف من السويد ....وهذا حقهم أن يكتشفوا ما هو جديد عليهم ..
يا لهُ من منظر .. ويا لهُ من ترتيب ونظام ..كل شيء على طرف .. وأخذ
البركة من قداسته على طرفٍ آخر .. فأخواتنا الكشفيّات بمجرد سماعهنَّ
كلمة أخذ البركة ..أصبحن كلهنَّ سريعات .ومن منهنّ ستعطي المجال
لأختها الكشفيّة الأخرى .... حتى اللواتي منهنَّ كنَّ يستندن على
عكازهنَّ .. كلهنَّ تسابقن للوصول ...وهذا أمراً يُحمد له في المجال
الكشفي ..لابل تستطيع أن تقول الفضل يعود للتدريبات المكثّفة ..
لا زال التصفيق مستمراً ...ولازالت النسوة تزغردنَ ... ولا زال البابا
يمد يمينه المقدسة على جباه الكشَّافة ويبارك ويسلم لكل فرداً من أفراد
الطاقم هديّة تذكاريّة متواضعة ..والتشجيع والترحيب مستمر ..
كادت إحدى الأخوات الكشفيات أن تتعثر بدرجات الهيكل وتتدحرج
لكن الحمدلله ففرقة الإنقاذ كانت خلفها مباشرة .. نعم نحنُ حاسبون
الحساب لكل صغيرة وكبيرة متوقعة وغير متوقعة .. فنحنُ كشّاف منظم
ومدرّب تدريباً جيداً ...
هاهو قداسته الآن يتوسط المجموعة الكشفيّة لأخذ صورة تذكاريّة ..
لاأعلم ...ربما القدرة الإلهية التي جعلت ليّ النصيب كي أحظى
بشرف الوقوف مباشرة على الجانب الأيمن من قداسته لأقول له :
سيدي صاحب القداسة : هؤلاء المتقدمين في السن ، لهم خدمات
وأفضال كثيرة علينا ..فهم مؤسسين للفوج الكشفي الرابع ....أردنا أن
نكرِّمهم على أتعابهم ..فأتينا بهم لأخذ البركة من قداستكم ...وزيارة
الأديرة المقدسة عندكم ...
ردَّ قداسته وقال : ( ربِّنا يباركهم ويدّيلهم الصحة ) .
***
يُتبع بإذن الله في العدد القادم