(الله كان قد دعاني )

كانت جالسة هناك ، في غرفة الإنتظار ، تنتظر دورها
عندما سألتها إحداهنَّ من باب الفضول : لماذا أنتِ هنا ؟
أجابت : أتيتُ لأُسقط الجنين الذي أحمله في أحشائي ..!
كانت جاكلين البالغة قرابة الثلاثون من العمر ، إمرأة
لازالت تتحلّى بكامل صفات الأنوثة والجمال ، عندما عقدت
العزم ، وقررت عدم الأستمراريّة في الإنجاب ، فقد رزقها الله
وأنعم عليها بولدين ، وإبنتين ..فقالت بينها وبين نفسها : هذا يكفي
يجب أن أنظر إلى نفسي من الآن فصاعد ، لأنني لن أعيش إلاَّ حياة واحدة
على هذه الأرض ، وها هي الأيام والسنين تتوالى بسرعة ، والعمر يمضي
ومن حقي أن أتمتع وأرى نفسي بعض الشيء ، قبل فوات الأوان ، عندها
لايفيد الندم . لهذا وبالإتفاق مع زوجها ، قررت إجراء عملية
( تسكير المبايض ) لتضمن بذلك عدم وقوع الغلط ، فتستريح وتطمئن
على مسيرة حياتها الزوجيّة .
كانت جاكلين تعيش مع زوجها وأولادها الأربعة والسعادة تغمر قلبها
فالأولاد بصحة جيدة ، وزوجها يحبها ويدللها ويلبّي كل طلباتها ..فهي
لم تكن تطلب من الله بأكثر من ذلك ، ولكن لله دوماً في خلقه شؤون .
ففي ليلة من إحدى ليالي شهر تموز الدافئة ، وبينما هي في المطبخ
تحضِّر وجبة العشاء ، وزوجها بالقرب منها ، يحدَّثها عن عمله الجديد
شعرت بدوخة غير أعتياديّة ، وأحسّت بتقلّبات غير طبيعيّة في معدتها..
لاحظ زوجها من خلال التغيّرات التي طرأت على وجهها ، فقال :
أراكِ وكأنكِ على غير مايرام ، هل تشكين من حاجة ؟
أجابت : لا..لا .. مجرد قليل من الإرهاق والتعب وضيق النفس ، وربما
يعود السبب إلى ثقل حرارة الجو ، لهذا لاداعي للقلق أبداً ، سأكون بخير
عمَّا قريب ، لا تشغل بالك بشأني ...!
في الصباح تكرر الحدث مرّة أخرى مع جاكلين ، ومرّة أخرى أحسَّت
بنفس عوارض ليلة البارحة ، ثمَّ تكررت مراراً عديدة ، لهذا رأى زوجها
أن تعرض نفسها على الطبيب ، لمعرفة السبب .
في غرفة الطبيب كانت جاكلين وزوجها الذي أتَّخذ له مقعداً بجانبها
تجيب على أسئلة الطبيب اللتي كان يطرحها عليها ، ثم بعد ذلك طلب
أن يُجرى لها بعض الفحوصات الضروريّة ، للتمكن من تشخيص حالتها
ومعرفة الأسباب .
لم يمضي وقتاً طويلاً على نتيجة التحاليل ، حيث كانت جاكلين وزوجها
جالسين في غرفة الإنتظار ، عندما دعتهما الممرضة للدخول مجدداً لغرفة الطبيب
الذي إستقبلهما والإبتسامة تعلو على شفاهه ، ومن دون مقدَّمات
في الحديث ، قال : مبروك يامدام .... أنتِ حامل ..!!!
دُهشت جاكلين ، ولم تستوعب في البداية ماقاله الطبيب ، لأن هذا آخر
شيء تتوقعه ، فهي مطمئنّة جيداً من هذه الناحية ، لهذا صرخت وقالت :
لا..لا ..مستحيل يادكتور ..! فهناك إلتباس بالأمر ، فأنا لايمكن أن أكون
حامل .
- ولماذا هذا التأكد ؟ قال لها الطبيب .
- لأنني أجريت عمليّة تسكير المبايض .
- كوني على يقين يامدام بأنكِ حامل ، ومن المحتمل وقوع خطأً ما
عند إجراء العمليّة ، وهذا يحتاج إلى مراجعة المختصين لمعرفة السبب .
أصرت جاكلين على إسقاط الجنين ، رغم كل المحاولات التي قام بها
زوجها ، وتدخل الكثيرين من الأهل المقرَّبين ، والبعيدين ، ولكن دون جدوى
لقد قررت ولن ترجع عن قرارها ، حتى أضطرَّ زوجها في
النهاية ، وبعد فقدان الأمل من تغيير رأيها ، الطلب من كاهن الرعيّة كي
يتدخَّل ، فتكلّم معها مطوَّلاً ، وأوضح لها ، أن ماتقدم عليه يعتبر خطيئة
جسيمة ، لأنّها تقتل نفس ، وقتل النفس محرّم عند الله ، وجزاءه مرير.
كل هذا وجاكلين مصرّة على إجهاض الجنين ، حتى كان اليوم المحدد
للإجهاض ، وبينما هي منتظرة دورها ، سألتها تلك المرأة من باب الفضول :
لماذا أنتِ هُنا ؟
لترد عليها جاكلين وتقول : أتيتُ لأُسقط الجنين الذي أحمله في أحشائي ..!
فقالت لها المرأة : لماذا تفعلين ذلك ؟
أجابت جاكلين : لأنني لستُ بحاجة إليه ، لديَّ أربعة ، ولدان ، وإبنتان
وهذا يكفي .
إنحدرت دمعة من عين المرأة ، ثم تبعتها أخرى ، لتتوالى الدموع مدرارة
على خدّيها ، فلم تتمكن من حبس أنفاسها ، لتطلق لها العنان ، وتجهش
بالبكاء .
- أتمنّى أن لاأكون قد جرحتُ مشاعركِ في شيء .. قالت لها جاكلين .
- لا..لا ..أبداً .. ولكن كم قاسية هي الحياة أحياناً ، وغير منصفة ..
- لماذا ؟ سألتها جاكلين .
- لأنها تُعطينا من جهة ، وتحرمنا من جهة أخرى .. ! تصوّري يا ( هل
لي أن أتعرف عن أسمكِ ؟ ) فبادرتها جاكلين بإسمها .. فقالت : وأنا أسمي
كاترين .... تصوّري ياجاكلين نحن هنا نقيضان ، أنت أتيتي لإسقاط الجنين
وأنا هنا أسعى ليفرحني الله بجنين ..! ولكن هيهات ، فقد فقدت
الأمل من زمان . لقد وهبني الله خيرات وأموال طائلة ، ولكن كلها لاتساوي
عندي شيء ، مقابل كلمة ( ماما ) ..أرجوكِ ياجاكلين لاتجهضيه
أطلبي وتمنّي ماشئتِ من مال ، وليكن هذا الجنين من نصيبي ..!
ُذهلت جاكلين وصُعقت لِما سمعته من كاترين ، وكأنَّ صوتاً ضعيفاً مختنقاً
متقطِّعاً ، أتاها من أعماق أحشائها يقول : لماذا ياماما ؟ أيهون عليكِ قتلي
أيهون عليكِ بيعي ؟ وتكررَ النداء .. أيهون عليكِ قتلي ؟ أيهون عليكِ
بيعي ..أ ... أ.... فصرخت الأم : لا.. لا لن أقتلك ياإبني .... لن أبيعكَ
ياإبني ...... لقد غيَّرتُ رأيي .... لقد غيّرتُ رأيي .
بعد إنقضاء الأشهر المحددة ، أنجبت جاكلين طفلها (سيمون) هكذا أطلقوا
عليه في المعموديّة ، فترعرع الإبن بين أكناف والده ووالدته وأخويه وأختاه ،
وغمرته منذ نعومة أظفاره محبة الرب والكنيسة ، فعبَّر
عنها بتعلّقه الزائد بالصلوات والتسابيح والإبتهالات ، كان شمّاساً مطيعاً
ونشيطاً ومحبوباً من قبل الجميع ، وكلمَّا أزداد سيمون قامة ، أزداد تقرُّباً
للرب ، حتى أكتمل شباباً وبهاءاً وتهذيباً .
كانت العائلة كلّها مجتمعة عندما صدمَ كلام سيمون جميعهم ، حيثُ
أخبرهم بأنها الليلة الأخيرة التي يقضيها معهم .
أحتجّت الأم وصرخت : لا لن أسمح لكَ أبداً ، لقد أنجبتكَ ، وربّيتك ، وسهرتُ
عليك الليالي بالدموع والدعاء ، والآهات والحسرات ، لتأتي
أنت اليوم وبكل بساطة ، وبكل سهولة وتقول : لقد دعاني الله ، وحان
الوقت لكي أُلبّي الدعوة ، وأكون خادماً له إلى الأبد...!
أجاب سيمون وقال : لاتحزني عليَّ ياأمّاه ، كوني مؤمنة بمشيئته وإرادته
وتأكدي ياأمّي ، لستِ أنتِ من قرر وقتذاك عدم إجهاضي
وليست المرأة التي أوجدها الله في تلك اللحظة لتستعطفكِ بعدم إجهاضي
فكلاكنَّ كنتنَّ أداة أستخدمها الله لبقائي ، لأنه منذ أن كوَّنني
( كان قد دعاني ) .
فريد توما مراد
ستوكهولم - السويد
[/size]كانت جالسة هناك ، في غرفة الإنتظار ، تنتظر دورها
عندما سألتها إحداهنَّ من باب الفضول : لماذا أنتِ هنا ؟
أجابت : أتيتُ لأُسقط الجنين الذي أحمله في أحشائي ..!
كانت جاكلين البالغة قرابة الثلاثون من العمر ، إمرأة
لازالت تتحلّى بكامل صفات الأنوثة والجمال ، عندما عقدت
العزم ، وقررت عدم الأستمراريّة في الإنجاب ، فقد رزقها الله
وأنعم عليها بولدين ، وإبنتين ..فقالت بينها وبين نفسها : هذا يكفي
يجب أن أنظر إلى نفسي من الآن فصاعد ، لأنني لن أعيش إلاَّ حياة واحدة
على هذه الأرض ، وها هي الأيام والسنين تتوالى بسرعة ، والعمر يمضي
ومن حقي أن أتمتع وأرى نفسي بعض الشيء ، قبل فوات الأوان ، عندها
لايفيد الندم . لهذا وبالإتفاق مع زوجها ، قررت إجراء عملية
( تسكير المبايض ) لتضمن بذلك عدم وقوع الغلط ، فتستريح وتطمئن
على مسيرة حياتها الزوجيّة .
كانت جاكلين تعيش مع زوجها وأولادها الأربعة والسعادة تغمر قلبها
فالأولاد بصحة جيدة ، وزوجها يحبها ويدللها ويلبّي كل طلباتها ..فهي
لم تكن تطلب من الله بأكثر من ذلك ، ولكن لله دوماً في خلقه شؤون .
ففي ليلة من إحدى ليالي شهر تموز الدافئة ، وبينما هي في المطبخ
تحضِّر وجبة العشاء ، وزوجها بالقرب منها ، يحدَّثها عن عمله الجديد
شعرت بدوخة غير أعتياديّة ، وأحسّت بتقلّبات غير طبيعيّة في معدتها..
لاحظ زوجها من خلال التغيّرات التي طرأت على وجهها ، فقال :
أراكِ وكأنكِ على غير مايرام ، هل تشكين من حاجة ؟
أجابت : لا..لا .. مجرد قليل من الإرهاق والتعب وضيق النفس ، وربما
يعود السبب إلى ثقل حرارة الجو ، لهذا لاداعي للقلق أبداً ، سأكون بخير
عمَّا قريب ، لا تشغل بالك بشأني ...!
في الصباح تكرر الحدث مرّة أخرى مع جاكلين ، ومرّة أخرى أحسَّت
بنفس عوارض ليلة البارحة ، ثمَّ تكررت مراراً عديدة ، لهذا رأى زوجها
أن تعرض نفسها على الطبيب ، لمعرفة السبب .
في غرفة الطبيب كانت جاكلين وزوجها الذي أتَّخذ له مقعداً بجانبها
تجيب على أسئلة الطبيب اللتي كان يطرحها عليها ، ثم بعد ذلك طلب
أن يُجرى لها بعض الفحوصات الضروريّة ، للتمكن من تشخيص حالتها
ومعرفة الأسباب .
لم يمضي وقتاً طويلاً على نتيجة التحاليل ، حيث كانت جاكلين وزوجها
جالسين في غرفة الإنتظار ، عندما دعتهما الممرضة للدخول مجدداً لغرفة الطبيب
الذي إستقبلهما والإبتسامة تعلو على شفاهه ، ومن دون مقدَّمات
في الحديث ، قال : مبروك يامدام .... أنتِ حامل ..!!!
دُهشت جاكلين ، ولم تستوعب في البداية ماقاله الطبيب ، لأن هذا آخر
شيء تتوقعه ، فهي مطمئنّة جيداً من هذه الناحية ، لهذا صرخت وقالت :
لا..لا ..مستحيل يادكتور ..! فهناك إلتباس بالأمر ، فأنا لايمكن أن أكون
حامل .
- ولماذا هذا التأكد ؟ قال لها الطبيب .
- لأنني أجريت عمليّة تسكير المبايض .
- كوني على يقين يامدام بأنكِ حامل ، ومن المحتمل وقوع خطأً ما
عند إجراء العمليّة ، وهذا يحتاج إلى مراجعة المختصين لمعرفة السبب .
أصرت جاكلين على إسقاط الجنين ، رغم كل المحاولات التي قام بها
زوجها ، وتدخل الكثيرين من الأهل المقرَّبين ، والبعيدين ، ولكن دون جدوى
لقد قررت ولن ترجع عن قرارها ، حتى أضطرَّ زوجها في
النهاية ، وبعد فقدان الأمل من تغيير رأيها ، الطلب من كاهن الرعيّة كي
يتدخَّل ، فتكلّم معها مطوَّلاً ، وأوضح لها ، أن ماتقدم عليه يعتبر خطيئة
جسيمة ، لأنّها تقتل نفس ، وقتل النفس محرّم عند الله ، وجزاءه مرير.
كل هذا وجاكلين مصرّة على إجهاض الجنين ، حتى كان اليوم المحدد
للإجهاض ، وبينما هي منتظرة دورها ، سألتها تلك المرأة من باب الفضول :
لماذا أنتِ هُنا ؟
لترد عليها جاكلين وتقول : أتيتُ لأُسقط الجنين الذي أحمله في أحشائي ..!
فقالت لها المرأة : لماذا تفعلين ذلك ؟
أجابت جاكلين : لأنني لستُ بحاجة إليه ، لديَّ أربعة ، ولدان ، وإبنتان
وهذا يكفي .
إنحدرت دمعة من عين المرأة ، ثم تبعتها أخرى ، لتتوالى الدموع مدرارة
على خدّيها ، فلم تتمكن من حبس أنفاسها ، لتطلق لها العنان ، وتجهش
بالبكاء .
- أتمنّى أن لاأكون قد جرحتُ مشاعركِ في شيء .. قالت لها جاكلين .
- لا..لا ..أبداً .. ولكن كم قاسية هي الحياة أحياناً ، وغير منصفة ..
- لماذا ؟ سألتها جاكلين .
- لأنها تُعطينا من جهة ، وتحرمنا من جهة أخرى .. ! تصوّري يا ( هل
لي أن أتعرف عن أسمكِ ؟ ) فبادرتها جاكلين بإسمها .. فقالت : وأنا أسمي
كاترين .... تصوّري ياجاكلين نحن هنا نقيضان ، أنت أتيتي لإسقاط الجنين
وأنا هنا أسعى ليفرحني الله بجنين ..! ولكن هيهات ، فقد فقدت
الأمل من زمان . لقد وهبني الله خيرات وأموال طائلة ، ولكن كلها لاتساوي
عندي شيء ، مقابل كلمة ( ماما ) ..أرجوكِ ياجاكلين لاتجهضيه
أطلبي وتمنّي ماشئتِ من مال ، وليكن هذا الجنين من نصيبي ..!
ُذهلت جاكلين وصُعقت لِما سمعته من كاترين ، وكأنَّ صوتاً ضعيفاً مختنقاً
متقطِّعاً ، أتاها من أعماق أحشائها يقول : لماذا ياماما ؟ أيهون عليكِ قتلي
أيهون عليكِ بيعي ؟ وتكررَ النداء .. أيهون عليكِ قتلي ؟ أيهون عليكِ
بيعي ..أ ... أ.... فصرخت الأم : لا.. لا لن أقتلك ياإبني .... لن أبيعكَ
ياإبني ...... لقد غيَّرتُ رأيي .... لقد غيّرتُ رأيي .
بعد إنقضاء الأشهر المحددة ، أنجبت جاكلين طفلها (سيمون) هكذا أطلقوا
عليه في المعموديّة ، فترعرع الإبن بين أكناف والده ووالدته وأخويه وأختاه ،
وغمرته منذ نعومة أظفاره محبة الرب والكنيسة ، فعبَّر
عنها بتعلّقه الزائد بالصلوات والتسابيح والإبتهالات ، كان شمّاساً مطيعاً
ونشيطاً ومحبوباً من قبل الجميع ، وكلمَّا أزداد سيمون قامة ، أزداد تقرُّباً
للرب ، حتى أكتمل شباباً وبهاءاً وتهذيباً .
كانت العائلة كلّها مجتمعة عندما صدمَ كلام سيمون جميعهم ، حيثُ
أخبرهم بأنها الليلة الأخيرة التي يقضيها معهم .
أحتجّت الأم وصرخت : لا لن أسمح لكَ أبداً ، لقد أنجبتكَ ، وربّيتك ، وسهرتُ
عليك الليالي بالدموع والدعاء ، والآهات والحسرات ، لتأتي
أنت اليوم وبكل بساطة ، وبكل سهولة وتقول : لقد دعاني الله ، وحان
الوقت لكي أُلبّي الدعوة ، وأكون خادماً له إلى الأبد...!
أجاب سيمون وقال : لاتحزني عليَّ ياأمّاه ، كوني مؤمنة بمشيئته وإرادته
وتأكدي ياأمّي ، لستِ أنتِ من قرر وقتذاك عدم إجهاضي
وليست المرأة التي أوجدها الله في تلك اللحظة لتستعطفكِ بعدم إجهاضي
فكلاكنَّ كنتنَّ أداة أستخدمها الله لبقائي ، لأنه منذ أن كوَّنني
( كان قد دعاني ) .
فريد توما مراد
ستوكهولم - السويد