مقالات ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــاخرة 4

أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
حنا خوري
عضو
عضو
مشاركات: 1252
اشترك في: السبت مايو 15, 2010 2:39 pm

مقالات ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــاخرة 4

مشاركة بواسطة حنا خوري »



حينما كنا نرتدي طقم العيد لأول مرة، بعد طول بهدلة بالثياب العتيقة البالية، كانت عمتي تقول: ياابني: الإنسان نصفه خلقة، ونصفه خرقة!
ولعل هذا التوصيف البسيط لجمالية الإنسان الخارجية، ينطبق بمقاييس ونسب أكثر دقة على مسألة الإبداع، فالموهبة، إذا لم تُغذّ بالجهد والسهر والصبر والاجتهاد تكون كضوء جناح الحباحب الذي يشتعل وينطفئ في اللحظة ذاتها.‏
ذات يوم تابعت مقابلة تلفزيونية مع الشاعر الغنائي عبد الرحمن الأبنودي، كان يتحدث

عن مغامرته الكبرى في جمع الأشعار والأغاني لتغريبة بني هلال، وكيف أنه أهدر من عمره سنوات مسافراً إلى مضارب البدو في مصر والأردن وسيناء والسودان وتونس وليبيا، مصطحباً معه آلة التسجيل التي أهداها إليه عبد الحليم حافظ، ومجموعة من الأشرطة الفارغة، بقصد أن يأخذ سيرة بني هلال والأشعار التي تتخللها من مصادرها الأصلية، مغناة على الربابة.‏

لم يربح الأبنودي من تلك الرحلات المضنية إنجاز العمل الملحمي الكبير وحسب، بل إنه تعرف على شعوب تلك المناطق العربية، عاداتها، وتقاليدها، وطرائقها في صياغة كلمات الأغاني والألحان، فارتقى بملكة التأليف الغنائي لديه،حتى أنه صار قادراً على تحويل قول بسيط لوالدته مثلاً «أنا كل ماأقول التوبة ترميني المقادير» إلى أغنية عاطفية فريدة.‏

وإذا أردنا الاستزادة من الأمثلة حول قضية العمل في مضمار الإبداع، نستطيع أن نذكر جابريال جارسيا ماركيز الذي أمضى ماينوف على عشر سنوات في كتابة روايته «مئة عام من العزلة» ونذكر جهود المحققين الذين سهلوا علينا قراءة الكتب العويصة، كحسن عثمان الذي ترجم الكوميديا الإلهية لدانتي ألجييري، وهي بالمناسبة، مكتوبة بالعامية اللاتينية، وعائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ التي حققت رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، ومحمد حسن زناتي الذي شرح كتاب «الفصول والغايات» للمعري، وهذا عمل أكبر مما يتصور الإنسان، لأن المعري نفسه كان يعلم أن لغة كتابه عويصة، وكان يشرح بعض المفردات، وشرحها نفسه يحتاج إلى شرح!..‏

وأما في أيامنا هذه فقد بلغ السيل الزبى، وأغرق التراجع والتقهقر في الفن كل شيء، حتى ليشك المرء بوجود صلة قربى من أي نوع كان بين الجدود العظماء، وبعض الأحفاد المسطحين.‏

ولكي تتجلى لنا الصورة الهزلية «الكاريكاتورية» على نحو أكثر وضوحاً، سأضرب لكم مثلاً بحكاية سمعتها من الفنان القدير عمرحجو، هي التالية:‏

كان السيد «حسب الله» يمتلك في القاهرة، فرقة موسيقية غنائية صغيرة مختصة بإحياء الحفلات، كالأعراس، والموالد، وحفلات الختان، والاحتفالات الشعبية ذات الطبيعة الطقوسية، وكان حسب الله سيد الساحة من دون منازع، إلى أن جاء وقت شرعت تظهر فيه فرق ضخمة مؤلفة من عدد كبير من العازفين والآلات، وقد أضيفت إليها آلات موسيقية ذات أصل غربي مستحدثة.‏

أحس حسب الله بالعطب، وبأن نهاية مجده قد أصبحت وشيكة، فأعمل فكره لإيجاد حل لهذه الزنقة، حتى اهتدى إلى حل لايوجد أجمل منه ولا أطرف، إذ أدخل عناصر جديدة إلى فرقته ليس لهم أي عمل في الفرقة سوى التواجد بلباس العازفين المميزة! وأعطى لكل واحد منهم آلة موسيقية صماء «دمية»، طالباً منهم التظاهر بالعزف، أثناء الاحتفالات، كزملائهم، وما ذلك إلا لإيهام الناس بأن فرقته تطورت وأصبحت ضخمة، كغيرها من الفرق، إن لم تكن أفضل.‏

والطريف في الأمر أن حسب الله أصبح يخطئ بينهم وبين العازفين الحقيقيين، فيضطر لأن يسأل الواحد منهم قائلاً:‏

- ياافندم، حضرتك من العازفين ولّا من الّلبيسة؟!‏

إن حال فرقة حسب الله ينطبق على حال الأمة العربية في كل مكان،فقد اختلط الحابل في الثقافة والفن بالنابل، ماعدنا نميز بين العازف واللابس في أي مجال! لا بل إن العازفين أصبحوا يسعون، في كثير من الأحوال، ويطالبون، بمساواتهم مع الّلبيسة!"

منقوووووول
صورة العضو الرمزية
فريد توما مراد
عضو
عضو
مشاركات: 764
اشترك في: الجمعة أغسطس 31, 2012 9:00 am

Re: مقالات ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــاخرة

مشاركة بواسطة فريد توما مراد »

فعلاً ياعزيزي أبو لبيب ، لقد صدق كاتب هذه المقالة
عندما قال : أختلط الحابل بالنابل ، لاتعرف من هو الموسيقي
ومن هو اللّبيس ..! المهم أن تظهر على الشاشة ..!
ماذا تكتب ... ماذا تقدِّم .. ماذا تعزف ... ماذا تغنّي ؟!..
غير مهم . ( حسبي الله ونعم الوكيل )
شكراً لك على تقديم هذه المقالة الساخرة والهدَّافة بنفس الوقت .
تقبل تحيّاتي ، وفقك الرب
فريد

[/size]
صورة العضو الرمزية
إسحق القس افرام
مدير الموقع
مدير الموقع
مشاركات: 54924
اشترك في: السبت إبريل 17, 2010 8:46 am
مكان: السويد

Re: مقالات ســــــــــــاخرة 4

مشاركة بواسطة إسحق القس افرام »

مقالة في غاية الأهمية
جاء السائِلُ يسألني
والحيرة تملأ عينيه
أين وكيف وماذا ولماذا
يا هذا.
باركك الرب أستاذي الجليل حنـــا، موذوع اكثر من رائع
[/color]
:croes1: فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ :croes1:
صورة
صورة
صورة العضو الرمزية
حنا خوري
عضو
عضو
مشاركات: 1252
اشترك في: السبت مايو 15, 2010 2:39 pm

Re: مقالات ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــاخرة

مشاركة بواسطة حنا خوري »



اخي وحبيبي ابو بولص
كل الشكر لك عزيزي ابو بولص العسل على تعليقلتك وكلماتك الجميلة والتي تعبّر عن جد وحقيقة على نفسية جميلة ومحبّة من القلب ومشاعر من النوع الفاخر

تحيّاتي لك ووو
بركة عزرت آزخ معك
صورة العضو الرمزية
حنا خوري
عضو
عضو
مشاركات: 1252
اشترك في: السبت مايو 15, 2010 2:39 pm

Re: مقالات ســـــــــــــــــــــــــــــــــــــاخرة

مشاركة بواسطة حنا خوري »



حبيبي الغالي ومدير الموقع اســـــــــــــــــــــــحق

المهم أكسب منكم كلمة جميلة وتعليق حلو وهذا مبتغاي

اشكرك ووو
بركة عزرت آزخ معك
أضف رد جديد

العودة إلى ”܀ اقرأ كل يوم حكمة جديدة!“