ويرى مراقبون أن سر السعادة في هذا البلد الإسكندنافي لا يكمن في الدخل المرتفع أو المناخ المعتدل، بل في مزيج من المساواة، والتعليم الجيد، والدعم الاجتماعي، إلى جانب ثقافة مجتمعية قائمة على الإرادة الفردية والاندماج مع الطبيعة.
مجتمع قائم على المساواة ودعم الأسرة
رغم أن متوسط الدخل في فنلندا (نحو 4148 يورو شهرياً) أقل من مثيله في ألمانيا، إلا أن توزيع الثروة أكثر عدلاً، إذ تقل الفجوة بين الأغنياء والفقراء، بحسب موقع “ترايدينغ إيكونوميكس.
ويحصل الموظفون الفنلنديون على أجور لائقة، بينما يتقاضى كبار المديرين رواتب أقل نسبياً، مع فرض ضرائب مرتفعة عليهم. كما تشارك الدولة بفاعلية في تقديم دعم حقيقي للعائلات، حيث لا تقتصر رعاية الأطفال على الأمهات، بل يُشجَّع الآباء على المشاركة الفعلية.
تعليم للجميع ودعم في الأزمات
يعتمد النظام التعليمي في فنلندا على مبدأ تكافؤ الفرص. فالأطفال يدرسون معاً تسع سنوات متتالية دون تمييز، ويُقدم لهم دعم نفسي وتربوي في حال واجهوا صعوبات، مما ساهم في جعل النظام التعليمي الفنلندي من بين الأفضل عالمياً.
ويعزز هذا الدعم شعوراً عاماً بالأمان والثقة في المجتمع، حيث يشعر الأفراد بأنهم ليسوا وحدهم في مواجهة التحديات.
طبيعة تساعد على التأمل
يُعرف في فنلندا مفهوم سيسو (Sisu)، وهو مصطلح يجسد قوة الإرادة والثبات أمام المحن. وتُعد هذه الفلسفة جزءاً من الهوية الوطنية، حيث يُشجَّع الأفراد على التعلّم من الفشل والمضي قدماً.
كما تلعب الطبيعة دوراً مركزياً في حياة الفنلنديين، إذ تغطي الغابات نحو 70 بالمئة من مساحة البلاد، وتمنح المساحات الخضراء والبحيرات الهادئة شعوراً بالسكينة والتوازن. وتُعد “الساونا” والأنشطة الجماعية من العوامل التي تقوي الروابط الاجتماعية وتخفف من قسوة الشتاء الطويل.
السعادة مسؤولية مشتركة
في فنلندا، لا تُعتبر السعادة مهمة الدولة وحدها، بل هي نتيجة تعاون بين سياسات عامة ذكية وسلوك فردي نشط. فالدولة توفر أساسيات الحياة الكريمة مثل التعليم والرعاية الصحية والأمن الاجتماعي، بينما يُشجع الأفراد على العمل التطوعي، ممارسة الرياضة، وبناء علاقات إنسانية إيجابية.
ويؤكد موقع تاغس شاوو الألماني أن سر سعادة الفنلنديين لا يكمن في المال، بل في العدالة الاجتماعية والفرص المتكافئة. فالسعادة، وفقاً للتجربة الفنلندية، ليست حالة عابرة بل مهارة يمكن تعلّمها وتطويرها.

