أمّي..!!
أمّيْ حَنانٌ منَ الأقداسِ مُنبثِقَا
وجمرةٌ من لهيبِ الشَّمسِ مُفترِقَا
فردوسُ حبٍّ بروحِ اللهِ منصهِراً
جمالُ بدرٍ بوجهِ الصُّبحِ مؤتَلِقَا
تجمّعتْ إلفةُ الأكوانِ قاطبة ً
لكنّها فشِلَتْ عنْ وصلِهَا الشَّفَقَا
تجمّعتْ نغمةُ الأطيارِ شاديةً
لكنَّهِا صمتتْ للسّمعِ مُستَرِقَا
موجٌ منَ الهمِّ يعلوْ البحرَ حاملهُ
ويحملُ البحرَ قلبُ الأمِّ فيْ رَفَقَا
وأمّةُ الكونِ فيْ قانونِها خللٌ
ولمسةُ الأمِّ تعلوْ الحقَّ والطّرقَا
كلُّ الزّهورِ بطيبِ العطرِ لا تصِلُ
روحُ الأمومةِ بالأعطارِ والعبقَا
كلُّ المفاهيمِ تعلوْ ثمَّ تنحسِرُ
والأمُّ نبراسُ أفكارٍ ومنطَلَقَا
مدارسُ العلمِ تعطيْ علمهَا زمَنَا ً
والأمُّ علمٌ وآدابٌ ومُنْعَتَقَا
وجنّةُ الكونِ أطيابٌ مسامعُهَا
والأمّ فيْ حِضْنِهَا جنّاتُ مُنغدَقَا
ولوحةٌ أتْعَبتْ أقلامَ مبدعُهَا
منْ حسنِ نظرَتِهَا ، الحبرُ قدْ نفَقَا
خميلةٌ منْ زهورِ الحبِّ تعشَقُهَا
كلُّ الفراشاتِ بالتّهليلِ مُلتَصِقَا
ملاحمُ الشّعرِ لا تسموْ لرقّتِهَا
مهما يصوّرُهَا ، فالوصفُ مُستَبَقَا
قصيدةٌ منْ غِنى الأنوارِ شاعِرُهَا
وفيْ القوافيْ نجومُ الّليلِ في نَسَقَا
أمٌّ ومن ثغرِهَا ضحكاتُ آلهَة ٍ
أمٌّ ومن أحشائِها، النّورُ قدْ شرَقَا
حمامةٌ تهدلُ الأنفاسَ صابرةً
على جفاءٍ منَ الأتعابِ والأرقَ
منْ صدرِهَا يتغذّى الكونُ راحتهُ
ومنْ يديها طعامُ الرّوحِ مُندِفقَا
حَملتِ فيْ بطنكِ الأوجاعَ والتّعبَ
وكنتِ فيْ رفقةِ الباريْ بما رَزَقَا
قبلُ الولادةِ حبلُ الدمِّ يربِطُنَا
وبعدَها بحبالِ الحبِّ مُلتَصِقَا
وإنْ تعثّرَ طفلٌ فيْ مشيئتهِ
نذرتِ روحكِ بعدَالعينُ والحدَقَا
وإنْ تغيّبَ ربُّ البيتِ مُنشغِلَا ً
فبسمةُ البيتِ تبقى فيكِ مُنطَلِقَا
وإنْ أُصِيْبَتْ بمكروهٍ على قَدَرٍ
تحوّلَ الدّارُ يُتما ً ثمَّ مُنغَلِقَا
خميلةٌ منْ زهورِ الحبِّ تَمنحُنَا
طيبُ الرّوائحِ والأنسامُ والعَبَقَا
وثُغرُهَا كوثرُ الأنعامِ والكَرَمِ
ووجهُهَا يطردُ الآلامَ والقلقَ
وبسمةُ الوجهِ سحرٌ فوقَ هامتِهَا
ونظرةُ العينِ أحكامٌ ومُنطَلَقَا
يا نحلةً تصنعُ الأطيابَ من يدِهَا
منهَا الرّحيقُ ومنْ أحشائِها طفقَا
تقسّمُ الرّوحَ عربونا ً لراحتِنَا
فهيَ الرّموزُ لمَنْ ضحّى ومَنْ سَمَقَا
ويأخذونَ عليهَا ضعفَ عاطفة ٍ
لكنّهمْ خسِئوا بالعلمِ والعِرَقَا
معَ الطّفولةِ طفلٌ في وداعَتِهَا
معَ الرّجولةِ أختُ الحقِّ ما نَطَقَا
عهدُ المروءةِ أمٌّ فيْ أصالتِهَا
فالأمُّ أصلٌ ومنهَا العلمُ قدْ بَرَقَا
ودمعُهَا أعدلُ الأحكامِ صادقةً
وتنتهيْ عندَهَا الأقوالُ والنّطقَا
يبكيْ الوليدُ على إشراقُ مولِدِهِ
والأمُّ تبتسمُ ، للهِ مستَرِقَا
وعندهَا تختفيْ الأوجاعُ والألمُ
فيْ رؤيةِ الطّفلِ قربانا ً لما خَلَقا
وفيْ اليدينِ سلامُ الطّفلِ والسّندُ
والحضنُ عافيةٌ ، للنّومِ والأرَقَ
خبزُ الحياةِ يناديها على أَمَلٍ
ولقمةُ العيشِ فيها أينمَا رَمَقَ
وبطنُهَا وطنٌ ، والحضنُ ملجأنَا
والعينُ حارسُنَا ، والقلبُ في خفقَا
ونظرةُ العينِ مصباحٌ بسهرَتِهَا
تلاحقُ الّليلَ والإمساءَ والغسقَ
أمّيْ ويخطفُهَا عنفُ الرّدى حمقَا
وروحُهَا بقيتْ بالقلبِ مُلتصِقَا
يقولُ دمعيْ: وداعاً وهو يستبِقَا
أقولُهَا : وأنَا والقلبُ مُحترِقَا
لا تتركينيْ وحيدا ً في مصادقتيْ
ففي رحيلكِ صارتْ وحدتيْ زُهُقَا
أمّيْ رحلتِ إلى العلياءِ تاركةً
يتمَ الحنانِ وقدْ اغبرَّ مُختنِقَا
النّجمُ يعشقُهَا والأرضُ تحضِنُهَا
والطّيرُ يألِفُهَا والجّدولُ السَّبَقَا
عزيزةُ النّفسِ والإكرامُ من يدِهَا
وديعةُ الرّوحِ بالإحسانِ مرتَفِقَا
جلُ المعانيْ قليلٌ عندَ لمستِهَا
كإنَّهِا بملاكِ اللهِ مُنطبِقَا
وصوتُهَا منْ ملاكِ اللهِ رأفتُهُ
وحينَ رحلتِهَا نبدوْ كمنْ صُعِقَا
وروحُهَا ترسلُ الأنغامَ راحمةً
ولحنُهَا من يدِ الجبّارِ مُنبثِقَا
ورحمةُ الأمِّ أنغامٌ تلحِّنُهَا
من العلاليْ صلاةٌ كلُّهَا صَدَقَا
ودمعةُ العينِ أمٌّ أينما ذَرَفَتْ
ونبضةُ القلبِ أمٌّ أينمَا خفقَ
وجنّةُ الأرضِ أمٌّ أينَمَا وُجِدَتْ
وشهقةُ الرّوحِ أمٌّ أينَمَا شَهقَا
نقولُها : بكلامِ اللهِ والبشرِ
الأمُّ نورٌ منَ الأقداسِ مُختَلِقَا..!
وديع القس 20 . 3. 2014
