أيام من القامشلي ... بقلم حنا خوري

أضف رد جديد
صورة العضو الرمزية
حنا خوري
عضو
عضو
مشاركات: 1252
اشترك في: السبت مايو 15, 2010 2:39 pm

أيام من القامشلي ... بقلم حنا خوري

مشاركة بواسطة حنا خوري »


كان عيّنة عن رجالات تاريخ منطقتنا القدماء من أيّام العثمانيين . ميزانه الأجتماعي .. ان قيمة الرجل في تناسق شواربه ومدى المحافظة عليهم وعلى نموّهم وعلى ترتيبهم وهندستهم وأغلب الأوقات كان يصبغهم بالحنّة ليزداد بهم وقارا وخبرة . اذا ما أقسم بهم ولمسهم بيديه كانت تلك أغلظ الأيمان والحلفان . كان ولده البكر عندما يحتاج الى مبلغ من المال لينفقه في عربداته ــ كونهم عائلة ميسورة جدا ــ كان يهدّد اباه امّا ان يعطيه ما يريد أو لن يصبح الصبح على شواربه هو ــ اي الولد نفسه ــ فيسرع الوالد الى تلبية طلب ولده .
من عائلة عريقة قديمة لها أملاك وأطيان في بلدتي القامشلي وحواليها .. ولكن مع مرور الزمن وتغيّر وتقلّبات طبقات المجتمع . وبعد ان كانت كلمته لا تنقسم ورأي اي شخص من عائلته تكون بمثابة دستور او امر قاطع فيما اذا احتكم له احد ... طغت احدى العائلات الأخرى على عائلته واصبحت هي ــ اي العائلة الأخرى ــ ذات جاه واسم ومكانة في المجتمع ومن اكبرالعائلات ثروة وامتلاكا للعقارات في القامشلي . وهنا لا اريد ان اخرج عن مدى تقديري واحترامي للعائلتين ولكن للتسلية سأتابع ، نعم بعد ان نهضت عائلة البك ضعفت عائلة عمنا وخلقت غصّة عميقة في نفسه تجاه عائلة قدور بك فكان احيانا وامام القلّة القليلة من الأصدقاء الأمناء يبث اوجاعه وامتعاضه وما فعلت تلك العائلة به وبمكانة عائلته .
وفي أواخر الخمسينيات من القرن الماضي .. وبداية معرفتنا بآلات التسجيل كنا نستغرب كيف تلك الآلات تحفظ الصوت وما نتكلّم به وعندما كنا نسمع الأغنيات التي نحبّها .. كنا ننتشي من الأنشراح والفرح والطرب . كان الجيل الأكبر منا سنا له صولات وجولات بريئة وجميلة على هذه الأختراعات العجيبة ذلك الزمن .
اجتمع عدة شباب من جيل واحد ولهم عدّة وجهات سياسية ..فقد كانت يومها مقاهي القامشلي لا تفرغ من هؤلاء الشباب يتسامرون في كافة المواضيع السياسية والأجتماعية والتاريخية والدينية دون رقيب او قلم يخطّ ما يحلو له من تقارير تقصف بهذا او ذاك بدون ذنب .. نعم كانت الحياة جميلة وبريئة وكنا نعيش المسيحي مع المسلم مع اليهودي . الكردي مع العربي مع السرياني مع الأرمني لا فرق .
جلس هؤلاء الشباب وكانوا من عدة عائلات واذ بمرور عمّنا حســـــــــــــن .. نادوه عازمين له على نفَس من الأركيلة وفنجان قهوة .. وكانوا قد اتقفوا ان يكشفوا ماضيه ويفتحوا له موضوع عائلة قدور بك وما آل حاله بعد ظلمهم وجورهم وطغيانهم حسـب مفهومه .
أعطوه بعض رؤوس أفكار وأطلقوا له العنان في سرد تاريخهم من قبل استقلال سوريا عن تركيا والعثمانيين . ثم كيف ان احدهم اصبح قائم مقاما لنصيبين وكانت القامشلي تابعة لها .. وكيف استولى على الأراضي .. وبدأ يسهب في استبداهم واعمالهم الظالمة .. وهو لا يعرف ان احد الشباب قد فتح جهاز التسجيل وقد سجّلت آلته الملعونة كل حرف قاله في ذم تلك العائلة التي يجلّها الجميع ويحترمها .
هدأ عمّنا حســــن من فورته ولعن ابو الزمن على ما آلت حالته وحالة عائلته والأجدر انه هو من كان اهلا لكل هذه المناصب بدلا منهم . وأشعل لفافة من التبغ لأنه كان يحب ان يدخّن بعد انتهاء الأركيلة ـــ مزاج ــ وبدأ بشرب قهوته .
وهنا .. أعاد الشاب شريط المسجّل من بدايته و.. رفع الصوت بهدوء ..
جحظت عينا العم حسن في رأسه واصفرّ وجهه وارتجفت شفتاه .. التفت حواليه . ليرى هذا الشخص الي يقلّد ويحفظ كل كلمة قالها .. اين هو ؟؟ فلم ير أحد . أسرع الى حوائجه وجمعها ووضعها في جيب قفطانه . هدأوا من روعه قائلين .. عمو حسن شو القصّة ما صار شي
لا ... لا ... اجاب انا لو أعرف هالشيطان هونِوِ مو فتح تمّي بكلمة .
وعندما تمكّنوا من نقطة ضعفه .. بدأوا يستغلّونه قائلين .
ما الذي يســـــــاوي ايصال هذه الخطبة وهذا الحكي الحلو عليهم وأسماعهم بالتفصيل ؟؟؟؟ وهو يتوسّل لهم قائلا
اللي تريدوووه بس ما حدا يعرف ايش قلتو .
والى عدة شهور وسنين حتى وكم من المرات كنت انا عند الشاب نفسه وعندما يرن جرس الباب والعم حسن في الباب ويده على فمه من باب الأحتياط ويؤشّر بيديه كأنّه اخرس ولا يتكلّم حتي نؤكّد له ان الشيطان ليس بالبيت عندها يتكلم ويقول مايريده .
ومرّت علينا عدة سنين واستغلّينا تلك النقطة في مسلك عمنا حسن .. فكلّما كنا بحاجة الى مصروف معتبر ننفقه في حالة معتبرة نهدّد عمنا بنقل تلك المحاضر الى اسماع العائلة المذكورة ... فيترجّانا كي لا نتصرّف هكذا ويعطينا ما نريد .
هذه كانت من ما استفدناه حينها من آلات التسجيل يومها .
رحم الله تلك الأيام ورحم براءتها وجمالها .

ايام من القامشلي بقلم حنا خوري
أضف رد جديد

العودة إلى ”܀ حـــدث فـــى مثـــل هـــذا الـــيوم!“